الحنين إلى الماضي تجارة مربحة لشركة بوش الألمانية

رغم التنبيه بأن السيارات القديمة والكلاسيكية لا تتمتع بمستويات الأمان الحديثة

مرسيدس 190 إس إل ـ موديل 1956.. إحدى أكثر السيارات الكلاسيكية المرغوبة في ألمانيا («الشرق الأوسط»)
TT

بالنسبة لجيل واسع من عشاق السيارات لا تزال الخمسينات العصر الذهبي للسيارة الجذابة الشكل والمتينة البنية.. والمتباهية بزينتها من "الكروم".

هذه الشريحة من عشاق سيارات الخمسينات ترفض التخلي عن سيارات انقضى نصف قرن على صنعها، وتجد متعة خاصة في قيادتها وإطالة عمر استعمالها، خصوصا أنها تحولت، في قاموس عالم السيارات، إلى سيارات كلاسيكية نادرة.

وتشير إحصاءات ألمانية إلى أن الطلب ازداد على السيارات الكلاسيكية خلال السنوات الأخيرة، لكن ازدياد الطلب يرافقه تحذير لمالكي هذه السيارات القديمة بأن أنظمة الأمان العائدة لهذه السيارات لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها في السيارات الحديثة، وينبغي بالتالي تعديل طريقة قيادتها تبعا لهذا الواقع.

هذا الحنين إلى الخمسينات عرفت كيف تستغله شركة بوش الالمانية، التي أقامت قسما مخصصا للسيارات التقليدية في مدينة كارلسروه في عام 2005 يقدم لزبائنها 20 ألف منتج يحتاجه هذا الجيل من السيارات الكلاسيكية. ولمساعدة الزبائن الذين لا يحتاجون فقط إلى قطع غيار، بل أيضا إلى معلومات عن تركيبها وإصلاحها وصيانتها، وضعت بوش 14 ألف وثيقة تاريخية على الانترنت تتضمن رسومات توضيحية وقوائم مطولة عن قطع الغيار المتوفرة لديها وتفاصيل عن القطع البديلة لتلك التي توقف إنتاجها.

وقد أقامت بوش نحو 100 مشغل لإنتاج المحركات الخاصة بالسيارات الكلاسيكية المرغوبة أكثر من غيرها مثل مرسيدس طراز "300 إس إل" ومرسيدس "190 إس إل"، إضافة إلى مشغلات ضغط لحقن الوقود الالكتروني تصلح للعديد من السيارات القديمة.

لكن المتحدث باسم قسم السيارات الكلاسيكية في شركة دايملر كرايسلر في شتوتغارت، جوزيف إرنست، ينبه إلى "ان قيادة سيارة قديمة للغاية تعني مسؤولية من نوع خاص"، فالسيارة الكلاسيكية تبدو بارزة في شكلها الخارجي، لكنه من قبيل الوهم الاعتقاد بأن أداء تلك السيارة على الطرق يمكن مقارنته بأداء سيارة حديثة. وذلك يعني أن هناك حدودا لجعل السيارة الكلاسيكية أكثر أمنا، والكثير من السيارات الكلاسيكية لا يوجد بها مكان لتركيب أحزمة أمان بصورة ملائمة، كما أن تحديث نظام المكابح بها له حدود فنية ومالية.

لكن ذلك لا يعني، برأي المتحدث "أن السيارة الكلاسيكية تحتاج لقيادة هادئة.. لكن لا ينبغي الاعتماد عليها بصفة يومية".

وقد تكون هذه الخلفية للسيارات الكلاسيكية أحد الأسباب التي جعلت موقع بوش الالكتروني الخاص بالمعلومات العائدة لقطع غيار السيارات الكلاسيكية، يتحول واحدا من بين أكثر مواقع السيارات تصفحا على شبكة الانترنت في ألمانيا. ومن مهام هذا الموقع الاستعانة بخبراء بوش، عند الحاجة، لتقديم المساعدة للزبائن من خلال تيسير عملية البحث عن قطع الغيار النادرة المطلوبة.

أسست شركة بوش هذا الفرع المتخصص بإطالة عمر السيارات الكلاسيكية بعد أن لمست أن الحفاظ على السيارات القديمة ظاهرة مميزة في المجتمع الألماني ما يجعل الطلب على قطع الغيار البديلة للسيارات الكلاسيكية سوقا قائمة بحد ذاتها وسوقا مربحة أيضا. وبالنسبة لعلامة تجارية كبيرة مثل بوش تشكل هذه الخدمة عاملا دعائيا لا يستهان به في أوساط عشاق السيارات القديمة التقليدية، الأمر الذي شجعها على التوسع في هذه الخدمة عبر تقديم ما تسميه مكونات "المساعدات الصامتة"، مثل مولدات التيارات المترددة وموزعات الإشعال ومفاتيح السيطرة والمصابيح الأمامية وأجهزة الحقن الذاتي.

يعمل في قسم قطع الغيار، بصورة دائمة، 10 أشخاص فقط، وبالرغم من أن عائدات القسم تشكل هامشا ضئيلا من عائدات الشركة الأم من عملياتها الأخرى، إلا أنه يحتل موقعا مهما جدا بالنسبة للشركة العملاقة التي تعتبر من أبرز الشركات المنتجة لمكونات السيارات في العالم.

ويبدو ان شركة بوش نفسها ليست بعيدة عن هذا الحنين إلى الخمسينات، فهو جزء لا يتجزأ من ماضيها الصناعي في ألمانيا لا ينفصل عن رغبتها في إبراز منجزات هذا الماضي المجيد.

ويعزز هذا الاعتقاد إقامة شركة بوش لمستودع في مدينة دوسلدورف الألمانية، يضم مكونات السيارات القديمة ويوحي لزائره بأنه لا يزال يعيش حقبة الخمسينات. وهذا المستودع الذي أقيم في مركز السيارات الكلاسيكية في "ميالنفيرك" بدوسلدورف، لا يعتبر متحفا بقدر ما يعتبر تأكيدا آخر من شركة بوش على التزامها بخدمة أصحاب السيارات العتيقة والكلاسيكية وتلبية طلباتهم الصعبة أحيانا.