مطلب الاتحاد الأوروبي خفض ثاني أوكسيد الكربون يواجه معارضة متنامية من منتجي السيارات الفارهة

2008... عام «الانتفاضة الألمانية» على الشروط البيئية؟

TT

هل يصبح عام 2008 عام «الانتفاضة الالمانية» على أكثر الشروط البيئية ضغطا على صناعة السيارات، أي شرط الاتحاد الاوروبي خفض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من مستواه الحالي البالغ 163غراما لكل كيلومتر الى 120 غراما فقط كي تصبح السيارة «صديقة للبيئة» وبالتالي مؤهلة لتسلم ورقة اعتماد «خضراء»؟ انطلق الاعتراض الالماني الرسمي على شروط الاتحاد الاوروبي من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نفسها، التي أوضحت إنها توافق على السقف الأوروبي المتمثل في 120 غراما من غاز ثاني أوكسيد الكربون لكل كيلومتر بالنسبة لأسطول السيارات الأوروبية، ولكنها اعتبرت ان «القواعد الأوروبية ستمثل تمييزا ضدألمانيا وصناعة السيارات بها». وفيما رأت ميركل أن الطريق المقترح غير مناسب من الناحية الاقتصادية، أكدت اعتقادها بأنه سيكون على حساب شركات صناعة السيارات الألمانية وقالت: «نحن لسنا سعداء بالنتائج».

بدا قلق المانيا، بصفتها المنتج الاوروبي الاكبر للسيارات الفارهة، مبررا في اتهام وزير الاقتصاد الألماني، ميخائيل جلوز، المفوضية الأوروبية بأنها «تشن حرب إبادة على صناعة السيارات في المانيا»، وتحديدا السيارات الكبيرة التي عادة ما تنفث عوادمها من ثاني أوكسيد الكربون الضار بالبيئة أكثر من عوادم السيارات الصغيرة التي تغلب على الشركات الفرنسية والإيطالية مثلا، الامر الذي يفسر خشية الشركات الألمانية أن تؤثر شروط الاتحاد الاوروبي على قدرتها التنافسية أو أن تضطرها إلى دفع غرامات مالية ضخمة تؤثر في ميزانياتها.

أما وزير البيئة الألماني، زيغمار غابريل، فقد ذهب الى حد القول أنه «من غير اللائق أن تنتهج المفوضية الأوروبية سياسة صناعية جائرة على ألمانيا تحت ستار حماية المناخ في حين أن خطط المفوضية الأوروبية لا تدفع بعض شركات صناعة السيارات في أوروبا لاتخاذ أية إجراءات لخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون».

وفيما اعتبر الوزير انه «بالطبع على السيارات الكبيرة أن تخفض من انبعاثاتها الضارة بالبيئة أكثر من السيارات الصغيرة»، فقد طالب بأن «يلتزم الجميع بذلك بما فيها الشركات التي تصنع السيارات الصغيرة والسيارات المتوسطة». وفي السياق نفسه انتقد وزير الشؤون الأوروبية بولاية بافاريا، ماركوس زودر، الالتزامات التي ترغب المفوضية الأوروبية بتعميمها قائلا: «من الواضح أن أهداف حماية المناخ لا تمت بصلة للبيئة ولكنها خاصة بسياسة صناعية قاسية».

الاعتراضات الالمانية الرسمية على مواصفات المفوضية الاوروبية سرعان ما تحولت إلى «انتفاضة» على الاتحاد الاوروبي تعززت بآراء عدد من الخبراء وبضغوط مباشرة من الشركات المنتجة للسيارات الكبيرة الفخمة، خصوصا شركة «بي إم دبليو».

على صعيد المساهمة «التقنية» نشرت الصحف الالمانية قبل قليل تحذيرا من الخبير ويلي دياز، مدير معهد صناعة السيارات في غيسلينجين (قرب شتوتغارت) قال فيه ان شركات انتاج السيارات الفارهة لا تستطيع تحمل استخدام التكنولوجيا الخاصة بخفض انبعاثات غار ثاني أوكسيد الكربون، لأن سياراتهم القوية ستصبح باهظة الثمن لدرجة يستحيل تحملها.

وقال الخبير الالماني إن خطط الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على الانبعاثات المفرطة تمثل «هزيمة خطيرة لشركات صناعة السيارات الفارهة في ألمانيا»، وتوقع في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية ان تحاول شركات صناعة السيارات الفخمة تمويل النظام الجديد من خلال رفع أسعار سياراتها. وتوقع ان تحاول الشركات الألمانية الكبرى تقليص تكاليف الإنتاج من أجل التعويض وهذا سيعني فقدان الوظائف في المانيا، كما توقع ايضا أن تعمل شركتا «دايملر» و«بي إم دبليو» على تغيير استراتيجيتهما التسويقية، جزئيا، بالتركيز على أسواق الدول الآسيوية، السوق الاميركية، ما قد يؤدي الى التوسع في انتاج مصانعها في الولايات المتحدة، أو حتى بناء مصانع جديدة فيها. ولم يغفل الخبير الالماني عن الملاحظة بأن الشركات الفرنسية والإيطالية ستواجه، «بالتأكيد»، مشكلات أقل بكثير في الوفاء بمتطلبات المفوضية الأوروبية.

وبدوره اعتبر اتحاد الصناعات المعدنية في ألمانيا اقتراحات المفوضية الأوروبية «غير موفقة»، وقال رئيس الاتحاد بيرتهولد هوبر في برلين:«لا بد لأي خفض لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أن يكون محايدا من ناحية التنافس بين الشركات وأن يكون قابلا للتحقيق من الناحية التقنية.. وهذا ما لم تأخذه المفوضية في الاعتبار».

ولم يتوان هوبر عن اعتبار سياسة المفوضية الأوروبية في هذا الاتجاه «موجهة ضد المانيا.. وغير بناءة» وعبر هوبر عن مخاوفه من أن تؤدي خطط المفوضية الرامية لخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى آثار سلبية على قطاع صناعة السيارات في المانيا.

وعلى صعيد الضغوط المباشرة كانت شركة «بي إم دابليو» السباقة في انتقاد خطط المفوضية الأوروبية، معتبرة انها ستؤثر سلبا «في المنافسة الشريفة». وأوضح متحدث باسم الشركة في ميونيخ: «نحن غير راضين تماما عن المسودة الأولى للمفوضية، ونأمل أن تعدلها المفوضية».

وتوقع المتحدث أن تكون اقتراحات المفوضية «عبئا ثقيلا» على الشركات المنتجة للسيارات الفارهة بشكل غير متناسب مع ما يترتب على هذه القرارات بالنسبة للشركات المصنعة للسيارات الصغيرة، مما يجعل هذا الاقتراح غير بناء أيضا فيما يتعلق بالسياسة البيئية. ووصف المتحدث الغرامات المالية التي تهدد بها المفوضية بانها شكل من اشكال «الضرائب الإضافية» على شركات السيارات، معتبرا ان فرضها يحرم هذه الشركات من رأسمالها الذي كانت ستستثمره في تمويل أبحاث لتطوير سياراتها للمحافظة على قدرتها التنافسية.