السرعة الفائقة والسلامة على الطرق هاجس الحكومات وقوة المحرك الإغراء الأبرز لعشاق السيارات

بريطانيا وهولندا والسويد تملك أفضل سجل على صعيد الأمان

الاستعانة بالوسائل الإلكترونية المتقدمة آخر الوسائل لتعزيز السلامة على الطرقات («الشرق الأوسط»)
TT

بين حكومات الاتحاد الأوروبي وشركات صناعة السيارات صراع بدأ يؤزم باطراد علاقات الجانبين، ففيما ترغب حكومات 27 دولة تنتمي إلى الاتحاد بمعالجة مشكلة حوادث السير على طرقاتها، لا تزال شركات السيارات تتغنى في إعلاناتها عن موديلاتها الجديدة بقوة محرك السيارة بدلا من الحديث عن الوسائد الهوائية، وجماعات الضغط التي يتزعمها أقارب ضحايا حوادث الطرق، قد يقدمون نصائح مغلوطة بناء على العاطفة وليس العقل والمنطق.

مسؤولو الاتحاد الأوروبي في بروكسل يعترفون منذ الآن بأن هدفهم الطموح لخفض عدد ضحايا الحوادث إلى النصف في أوروبا، بحلول عام 2010 المقبل، قد لا يتحقق.

اهتمام الاتحاد بخفض عدد ضحايا حوادث السير لا يعود فقط إلى الرغبة في تجنيب أهالي القتلى وذويهم الأحزان، بل إلى الحاجة لخفض التكلفة الاجتماعية والاقتصادية لقتلى الطرق تصل إلى 200 مليار يورو أو ما نسبته 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي، علما بأن التباين في بيانات ضحايا حوادث الطرق في دول الاتحاد يشير إلى أن الحكومات الأوروبية تتحمل قسطاً كبيراً من مسؤولية إبقاء طرقها أقل أماناً للسائقين، لترددها في إنفاق الأموال اللازمة لتحسين الطرق. إلا أن عدداً من الدول الأوروبية سجل إنجازات تذكر على هذا الصعيد، ففي هولندا والسويد وبريطانيا، على سبيل المثال، يتراوح عدد القتلى لكل مليون مواطن بين 50 إلى 60 شخصاً وهو أقل كثيراً من متوسط الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ 95 شخصاً.

وبالمقارنة فإن هذا الرقم يتجاوز المائتين في بعض الدول المنضمة حديثاً للاتحاد مثل ليتوانيا ولاتفيا.

ومنذ حوالي سنتين تلعب المفوضية الأوروبية في بروكسل دوراً ملحوظاً في تشجيع ما يطلق عليه «السلامة السلبية» للمركبات. وكانت المفوضية هي القوة الدافعة وراء القوانين التي جعلت ارتداء أحزمة الأمان إجبارياً في كل دول الاتحاد. وتعمل المفوضية الآن على أن تصبح كل سيارة في أوروبا مزودة برادار لمنع الارتطام خلال السنوات العشر المقبلة.

مع ذلك، لم ينجح المسؤولون في الاتحاد الأوروبي في توحيد معايير قواعد السلامة على الطرق. ويعود ذلك، لحد كبير، إلى أن هذه الأمور لا تزال من صلاحيات الحكومات الوطنية، فعلى سبيل المثال يبلغ الحد الأقصى للسرعة على الطرق السريعة 100 كلم في الساعة في قبرص مقارنة بـ 130 كلم في الساعة في النمسا وفرنسا. وفي حين تتطلع بريطانيا إلى تقليل الحد الإجباري للسرعة داخل المناطق السكنية إلى 20 ميلا (32 كلم) مقارنة بـ30 ميلا في الساعة، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترفض تقييد حدود السرعة على الطرق السريعة في ألمانيا بـ130 كم في الساعة، فيما يعتبر معظم الألمان أن القيادة بسرعة 180 كلم في الساعة حق طبيعي في بلاد البورشه والمرسيدس والبي إم دبليو والأودي.

وفي إيطاليا، التي منيت بواحد من أسوأ السجلات في مجال السلامة على الطرق، ولم تعرف فعلياً أجهزة قياس نسبة الكحول عند السائقين إلا في السنوات الأخيرة، دار جدل واسع بشأن ما إذا كان يجب أن تمنع السيارات فنياً من تجاوز سرعة 200 كلم في الساعة.

تجدر الإشارة إلى أن بيانات الاتحاد الأوروبي تظهر أن 60% من الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق تقع خارج المناطق السكنية، في حين أن نسبة الحوادث على الطرق السريعة تبلغ 5% من هذه الحوادث و9% من عدد الوفيات.

ومن جانبها تواصل شركات صناعة السيارات أبحاثها لتحسين معايير السلامة في مركباتها ولا تبخل بالنصائح المساعدة على تحكم السائق بالطريق. وعلى هذه الأصعدة أجرت بعض شركات السيارات أبحاثاً حول ردود الأفعال البدنية للسائقين من خلال دراسة العديد من العوامل المؤثرة في هذا الصدد مثل المقعد المريح وتكييف الهواء ومستويات الضوضاء ونظم المساعدة الإلكترونية.

ويوصي الخبراء السائقين بالاسترخاء بشكل مريح ليكون السائق آمناً، ويؤكدون أن نظم المساعدة الإلكترونية تلعب دوراً مهماً في خفض مستويات التوتر. وفي سياق الإشارة إلى التأثيرات الإيجابية للجهاز الذي يتحكم في الاحتفاظ بمسافة بين السيارات وسرعة السيارة على الطرق (أيه سى سى) يقول الخبير جينز لودمان «إذا قامت الأجهزة الإلكترونية بتنظيم السرعة والمسافة بالنسبة للسيارة الأمامية، فإن شعور السائق بالتوتر يكون أقل ولا يحتاج إلى التركيز كثيراً» ويضيف أنه بالإضافة إلى عزل الصوت، فإن تكييف الهواء ونظام القيادة الجيد يمكن أن يسهما بشكل كبير في جعل السائق يشعر بأنه أكثر استرخاءً.

وتقوم شركات صناعة السيارات على نحو متزايد بدمج الأفكار المختلفة لكي تجعل استخدام وسائل المساعدة من هذا القبيل أكثر سهولة، ففي سيارة فورد موندو تم تجميع الوظائف التقليدية في قمرة القيادة مع مجموعة أزرار في عجلة القيادة مع جهاز مراقبة يعمل باللمس ووظائف يمكن تشغيلها بالصوت. ويكون السائق في وضع لتكييف حالته النفسية لتتناسب مع الحركة المرورية. وبدورها طرحت شركة فولفو السويدية أول نظام في العالم مخصص لتنبيه سائقي السيارات المجهدين أو المشتتين. وقالت فولفو إن النظام الجديد يستخدم مجسات لتقويم تأثير الإرهاق أو فقد القدرة على التحكم في القيادة على حركة السيارة بدلا من مراقبة سلوك سائقها الذي يختلف من شخص لآخر. وقرنت فولفو هذا النظام بنظام إنذار الخروج من الحارة (إل دي إم) كجهاز كمالي في جميع سياراتها الجديدة من فئات (في 70) و(إكس سي 70) و(إس 80) وذلك اعتبارا من أواخر عام 2007.

ويتكون هذا النظام من كاميرا مثبتة بين الزجاج الأمامي ومرآة الصالون وعدد من المجسات، فضلا عن وحدة تحكم، حيث تقوم الكاميرا بقياس المسافة بين السيارة وعلامات الطريق وتسجل المجسات تحركات السيارة ومن ثم ترسل المعلومات إلى وحدة التحكم التي تحسب ما إذا كان السائق في خطر من فقدان السيطرة على السيارة. وفي حالة تقويم وحدة التحكم بأن المخاطر مرتفعة يجرى تنبيه السائق بواسطة إشارة صوتية كما تظهر رسالة نصية ورمز كوب من القهوة على شاشة معلومات السيارة تحث السائق على أن يخلد لبعض الراحة.

ويؤكد الخبراء أن تكييف الهواء في السيارة يلعب أيضاً دوراً مهماً، وأن درجة الحرارة النموذجية في السيارة تتراوح ما بين 18 إلى 23 درجة مئوية.

ولكن حتى أفضل تكنولوجيا لا تعد شيئاً جيداً إذا لم يتم تركيبها وضبطها بشكل صحيح مثل مقاعد السيارة فالوضع الصحيح للجلوس ضروري لأي سائق قبل أن ينطلق بسرعة في المنحنيات.

ويرجع الخبراء معظم حوادث السيارات الخطيرة إلى أعطال ناتجة عن صيانة سيئة أو عدم وجود صيانة أساساً في السيارة. وتختبر هيئة اختبار الطرق الألمانية في كل عام ما يقرب من سبعة ملايين سيارة. وفي العام الماضي وجدت أن 18.2 من المركبات بها عيوب ميكانيكية خطيرة ورفضت إعطاءها رخصة التسيير، وكانت العيوب في معظم الأحيان في المكابح والأنوار وهيكل السيارة.

وتعزى معظم الأعطال إلى أن سائقي السيارات لا يخضعون سياراتهم إلى صيانة دورية وإلى أن معظم الإصلاحات تتم بواسطة فنيين رخيصي الثمن في الباحات الخلفية. وما يعقد المشكلة هو أن معظم السيارات ذات الصيانة السيئة يقودها الشباب الذين ينتمون لمجموعة أخطار الحوادث العالية، وأكثر ما يسبب الإحباط للباحثين هو أن معظم هذه الحوادث يمكن تجنبها، فمثلا جهاز مكابح يسرب الزيت يمكن اكتشافه في الكشف الدوري حتى لا تخون السائق في المرة القادمة التي يحتاج فيها السائق إلى الاستخدام الكامل لقوة المكابح.

ويشدد الخبراء أيضاً على أهمية مصابيح السيارات خصوصاً للمضطرين إلى القيادة في الليل. وقد أوصت هيئة الاختبارات الفنية في ألمانيا (تي يو اي في) أنه في حال حدوث أي خلل بأحد المصباحين الأماميين في السيارة يتعين استبدال الاثنين معاً، ومن الطراز نفسه. وقالت الهيئة إنه إذا تعطل أحد المصباحين فإنها مسألة وقت فقط قبل أن يحترق المصباح الآخر، ولذلك أوصت الهيئة المسافرين بسياراتهم في رحلات خارج البلاد بأخذ مصباحين أماميين احتياطيين معهم.