لبنان يدرس الاستعانة بقطارات عائمة للتخلص من الازدحام على الأوتوستراد الساحلي

حلا لاختناقات السير والتواصل بين المدن

TT

زحمة السير في بيروت، وعلى الأوتوستراد الساحلي الذي يربط بيروت بصيدا جنوبا وبطرابلس شمالا ـ وهو الأوتوستراد اليتيم الذي يربط المدن الساحلية اللبنانية ـ آخذة في التفاقم على غرار مشكلة الدين العام من دون أن ينبري أحد إلى حلها سوى اعتماد بعض الجسور والأنفاق التي لا ينطبق تطورها مع نمو السيارات وعشوائية أنظمة السير. فلا النقل العام منظم، ولا النقل الحكومي متوافر بالحد المطلوب. ولا إشارات السير الكهربائية أخذت طريقها إلى المفترقات والمستديرات. والسكك الحديد معطلة خطوطا وقطارات، ولا تقوى خزينة الدولة على إعادة تأهيلها والتعويض على المعتدين على أملاكها.

إزاء كل هذا الوضع كيف يمكن الخروج من نفق الازدحام المديني والساحلي، علما بأن 65% من اللبنانيين يقطنون المناطق والمدن الساحلية، وعلما بأن زحمة السير في بعض أوقات الذروة تتجاوز طاقة الاوتوستراد الساحلي على الاستيعاب بنسبة 40%.

يتفق خبراء السير على أن المراهنة على الأنفاق والجسور وما تكلفه من أموال طائلة لم تعد تفي بالمرام، «فكلما حللنا زحمة في بقعة معينة نقلنا الزحمة إلى بقعة أخرى» يقول أحدهم. لذلك باتت الأنظار متجهة اليوم نحو البحر لكي يكون المتنفس لكل الاختناقات المدينية أو بين المدن الساحلية بصورة أخص.

والواقع أن هذه الفكرة نوقشت مع المدير العام السابق للنقل في لبنان، وحديثا مع مجلس الإنماء والإعمار من دون أن يستقر الرأي بعد على اعتماد هذا الحل الأقل كلفة، والأسرع تنفيذا. وكان المهندس اللبناني فريدريك كرم (26 عاما) في بروكسل، والمهندس السويسري في لوزان ليونارد غورتنر قد أعدا أطروحتهما حول نظام القطارات العائمة السريعة الذي نوقش في مؤتمرات وحلقات دراسة متعددة في سويسرا وانجلترا وفرنسا والنرويج وغيرها.

ولكن ما هي أهمية «نظام السير» البحري هذا؟ وكيف يمكن تطبيقه في لبنان؟

بحسب دراسة فريدريك كرم بإمكان القطار العائم السريع أن يجتاز، كل عشر دقائق الشاطئ اللبناني بأكمله خلال ساعتين ونصف الساعة بسرعة 70 كيلومترا في الساعة في حين أن السيارة تحتاج لقطع هذه المسافة ما معدله خمس ساعات. علما بأن القطار الواحد يتسع لـ200 راكب، وبإمكان قطارات أخرى أن يستوعب الواحد منها 120 سيارة وشاحنة صناعية.. أليس هذا حلما يراود اللبنانيين منذ سنوات طويلة، خصوصا أن القطارات العائمة أكثر راحة، وأكثر أمانا وأكثر سرعة؟

وإذا كان الهدف من الطريق البحري حل زحمة الاوتوستراد الساحلي والتنقل بين المدن الساحلية، فإن هذا النظام من شأنه أن يضخ في النسيج المديني حيوية جديدة من خلال محطات القطارات، ومحطات الوقود، والسيارات العمومية والتاكسي و«التلفريك»، وكل ما تفرضه تلك المراكز. يضاف إلى ذلك أن الطريق البحري سيعزز التواصل بين سكان المدن الذين باعدت بينهم الحرب وزحمة السير وحوادث السيارات، كما من شأن النظام البحري أن يعزز الحس التجاري عند اللبناني، الذي لا ينفك يوقف عربته الخشبية أو سيارته أو شاحنته الصغيرة على جوانب الاوتوسترادات لبيع بعض المنتجات المحلية وغير المحلية كالبطيخ والشمام واللوز والفستق الحلبي والتين والموز، والاوفوكادو، والليمون، والحمضيات، والافندي وسوى ذلك، مما يدفع اللبنانيين إلى ابتياع بعضها أثناء انتقالهم بين المدن والمناطق. ومن شأنه أيضا أن يخفف من استهلاك الوقود لأنه ينقل السيارات بدلا من انتقالها على الاوتوستراد.

ويمكن كذلك أن يعزز الطريق البحري صيد الأسماك والسياحة البحرية كما يحصل، على سبيل المثال، في مضيق البوسفور، ويمكن أن تتوزع النشاطات العائمة على كل مدن الساحل، ومناطقه من الناقورة جنوبا وحتى النهر الكبير شمالا.

ولعل من بين العقبات الرئيسية أمام هذه المقاربة الجديدة هي تشبع الساحل وضيق المساحة بين البحر والجبل، والبناء العشوائي، مما لا يسهل استقبال القطارات. ولكن الحل لهذه العقبة لا بد أن يكون بحريا أيضا، بحيث يتم البناء القائم على العوامات الخرسانية، والجاهزة التي تثبت في قعر البحر بواسطة أجسام جامدة من أجل امتصاص قوة الضغط الناتجة عن الأمواج.

ويقول فريدريك كرم في أطروحته إن هذا النظام البنائي أقل تلويثا من البناء «الصلب»، الذي يستلزم مواد أكثر من الخرسانة والردميات. ويعتبر أن تطبيق النظام البحري في أي بلد يجب أن يحصل على مراحل. وهذا ما يمكن أن يحصل في لبنان، حيث يمكن إنشاء أول مرحلة بين بيروت وجونية شمالا لحل اختناقات السير في أوقات الذروة على الاوتوستراد الذي يربط بين المدينتين وربما تستدعي هذه المرحلة إنشاء أربع محطات وتسيير ستة قطارات عائمة. على أن تبدأ المحطات صغيرة الحجم ويعمل على توسيعها في مراحل لاحقة يتطلبها ازدهار الحركة. وفي حال نجحت المرحلة الأولى يمكن الانتقال إلى ربط سائر المدن اللبنانية الساحلية بالنظام نفسه الذي يستدعي إنشاء 14 محطة، 7 رئيسية و7 أخرى فرعية.

ويشير كرم إلى أن تصنيع العوامات ليس مكلفا، ويمكن جمعها وتنفيذها بسرعة. يضاف إلى ذلك أن كلفة الصيانة ليست ذات شأن، إذ لا تعدو الحاجة إلى «ضربة فرشاة» لهذا القطار أو ذاك، ولكل هذه الأسباب يلجأ معظم دول الساحل إلى استعمال هذا النظام، ويبلغ عدد هذه الدول، بحسب الأطروحة، 36 دولة من بينها تركيا وكرواتيا اللتان يشبه إجمالي الناتج المحلي فيهما إجمالي الناتج المحلي في لبنان أو سريلانكا. ويكاد معظم الدول الأوروبية الساحلية تستعمل هذا النظام كوسيلة للنقل العام. ففي لندن يستخدم على نهر التايمز كمكمل لقطار الأنفاق. وفي اسطنبول يستخدم لتخفيف الازدحام على جسر البوسفور. وفي النرويج واليونان يستخدم للنقل بين الجزر ومدن الساحل. وفي نيويورك يستخدمون القطارات العائمة. فهل ينطلق النظام الجديد في لبنان مع انطلاقة الحكومة الأولى بعد الانتخابات النيابية؟