كارلوس غصن لـ«الشرق الأوسط»: لم يعد المستهلك السعودي يهتم بالسلعة فقط.. بل بالأداء

في حوار لرئيس تحالف «رينو ـ نيسان» يلقي الضوء على التغيير الأخير في وكالة الشركة الفرنسية بالسعودية

كارلوس غصن.. والتحدي الجديد («الشرق الأوسط»)
TT

قد لا يفاجأ محاور كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي لشركتي «نيسان» اليابانية و«رينو» الفرنسية، من تملكه للغة العربية بقدر ما يعجب باحتفاظه بلهجته اللبنانية أيضا. كارلوس غصن، رجل الأعمال اللبناني الأصل، والعالمي الإطلالة، نسيج نفسه في عالم السيارات. وحده بين نظرائه التنفيذيين يجمع المجد من طرفيه؛ الآسيوي، بصفته رئيسا تنفيذيا لشركة «نيسان» اليابانية، والأوروبي، بصفته رئيسا تنفيذيا لشركة «رينو» الفرنسية.

ورغم ما يلقيه المنصبان الكبيران من مسؤوليات جسام على عاتقه، لا يتوانى «الرئيسان»، كارلوس غصن، عن متابعة العلاقات العامة لشركتيه، شخصيا، وأين ما كان ذلك مطلوبا، فيحرص على إشراك الإعلاميين في كل مناسبة تطلق فيها إحدى شركتيه طرازا جديدا، أو تحقق إنجازا تقنيا ملموسا. وقد تكون أفضل شهادة على نجاحه الإعلامي حصوله على لقب «نجم الأعمال» في اليابان، إضافة إلى نشر كتاب رسوم كرتونية عن حياته.

واللافت في تواصل كارلوس غصن مع الإعلام، حرصه على أن تظل مساهمته الشخصية في إنجازات «نيسان»، وفي ما بعد «رينو»، بعيدة كل البعد عن «الأنا»، التي يستحقها بامتياز، لو شاء التباهي بدوره.

عام 2000 تسلم كارلوس غصن مقدرات شركة «نيسان»، وهي تعاني من عجز مالي يبلغ العشرين مليار دولار. وبعد سنة واحدة من قيادته للشركة ارتفعت أرباحها إلى 2.7 مليار دولار، بينما كانت خسائرها، في السنة السابقة، تبلغ 6.1 مليار دولار.

وبعدها بخمسة أعوام، تسلم قيادة شركة «رينو» الفرنسية، وعاد ليكرر دور المنقذ للشركة الفرنسية، فأطلق خطة طموحة لخفض تكاليف الإنتاج، مكنت الشركة، خلال ثلاث سنوات، من النهوض من عثراتها، ومن ثم التأهل للاندماج مع «نيسان» في تحالف قوي، أتاح لهما منافسة «إمبراطوريات » «تويوتا» و«فولكسفاغن» و«فورد» في الأسواق العالمية.

نجاحات كارلوس غصن في «نيسان» و«رينو» تعكس قدرة فائقة على الرؤية المستقبلية لصناعة السيارات؛ فقد سبق كل نظرائه بالتنبؤ برواج السيارة الكهربائية، وطبق توقعاته ميدانيا، بحيث أصبح تحالف «نيسان» - «رينو» أكبر منتج، على نطاق واسع، للسيارات الكهربائية.

الفرع الآسيوي لمجلة «فورتيون» اختاره، عام 2003، «رجل العام». كان ذلك قبل سبع سنوات. أما اليوم فقد يكون اللقب الأكثر ملائمة له هو «رجل كل الفصول».

«الشرق الأوسط» التقت كارلوس في بيروت، وأجرت معه حوارا مطولا، حول التطورات المستجدة على استراتيجية تسويق تحالف «نيسان» - «رينو» على ضوء تزامن قرار التحالف استبدال وكيل «رينو» في المملكة، مع إطلاق حملة ترويج لمنتجات «رينو» في الأسواق الخليجية، والسوق السعودية بشكل خاص. نص الحوار مع الرئيس التنفيذي لشركتي «نيسان» و«رينو»:

* نعرف أن «نيسان» تحقق نتائج جيدة في أسواق الخليج، والآن تركزون على الترويج لشقيقتها في التحالف، سيارة «رينو» الفرنسية. هل تعتقدون أن المستهلك الخليجي، والسعودي بصورة خاصة، سيقبل عليها مثل إقباله على «نيسان»؟

- لا بد من الاعتراف بأن «رينو» لا تزال سيارة أوروبية بالدرجة الأولى. ونعرف من الإحصاءات أن سوق السيارات الأوروبية يشهد تراجعا، وأن هذا التراجع سيستمر خلال عام 2010 الحالي. لذلك قد تحتاج «رينو» إلى بعض الوقت لتحقيق نتائج ملموسة. ولكنني واثق من أن هذه النتائج ستظهر وستكون جيدة. وما أنجزناه على مدى السنتين الماضيتين سوف يعطي مردوده.

* ألا تعتقد أن فتح السوق السعودية في وجه سيارة فرنسية الصنع، يشكل «مغامرة»، على اعتبار أن التوجه الأساسي لهذه السوق كان نحو السيارات الأميركية، وأن الشركات اليابانية احتاجت إلى نحو عقدين لتثبت أقدامها فيها.. فكيف تتوقعون اختراق هذه العوامل النفسية؟

- صحيح.ولكن الأمر الأهم في حال التوجه نحو الأسواق الخليجية والسعودية بشكل خاص، ليس تقديم السلعة المناسبة، بل أيضا الأداء المناسب. فعلى سبيل المثال، نعرف من تجاربنا السابقة أن المستهلك العربي يفضل سيارة «السيدان» الكبيرة على غيرها، ويفضلها أن تكون بنظام تحويل أوتوماتيكي سلس، ونظام تكييف جيّد، وصندوق واسع.. أي سيارة يمكن الاعتماد عليها.

في السابق لم يلبِّ الكثير من صانعي السيارات هذه المتطلبات. والمصنعون الذين لبّوها قطفوا الثمار، مثل الشركات اليابانية والكورية («نيسان» مثلا تحقق نتائج جيدة في السعودية). إلا أن معظم الشركات الأوروبية لم تلبِّ متطلبات المستهلك السعودي، ولكننا في «رينو» نستفيد من خبرات التحالف (مع «نيسان»)، ولذلك سنوظف معرفتنا للسوق العربية الخليجية في تسويق «رينو».

وهنا لا أتحدث عن «رينو» بصورة عامة، بل عن طرازات محددة من إنتاجها، مثل «لوغان» و«سافران» و«فليونس» التي يتم تجميعها في كوريا (الجنوبية) وتركيا، وأتوقع أن تكون سيارة ناجحة جدا. وبالمناسبة، سوف ننتج نسخة منها تعمل على الكهرباء - هذا لا يعني أننا سنسوِّق هذه النسخة في السعودية، ولكني أقول إن نموذج هذه السيارة ناجح إلى حد جعلنا نقرر إنتاج نسخة كهربائية منها. وبالفعل سوف تكون أول سيارة تعمل بالكامل بالكهرباء، تنتجها «رينو» عام 2011. إذن استراتيجية التسويق في السعودية سوف تركز على «لوغان» و«سفران» و«فليونس»، أي على ثلاثة طرازات مختلفة وثلاثة مستويات أسعار مختلفة.. ومن المعروف أن «سفران» سيارة فخمة مبنية بشكل مباشر على قاعدة سيارة السيدان SM5 التي تنتجها «رينو سامسونغ موتورز». وهذا الطراز يلبي الرغبات العملية للمستهلك الخليجي، الذي يتطلع إلى سيارة سيدان فخمة وأنيقة. ولا شك في أن «رينو» «سافران» سوف تعزز عائلة رينو في دول الخليج، مكملة مجموعتها إلى جانب كل من «ميغان الهاتشباك» و«ميغان سيدان» و«ميغان سيدان» و«ميغان كوبي - كابريوليه» و«كليو آر - إس».

و«رينو سافران»، المزودة بمحرك من 6 أسطوانات وناقل سرعة أوتوماتيكي، ينتجها مصنع «رينو سامسونغ موتورز بوسان» في كوريا الجنوبية، والمملوك بنسبة 80.1% من قبل مجموعة «رينو».

وبالإضافة إلى «سافران»، هناك أيضا سيارات الدفع الرباعي المرغوبة في السعودية والخليج، وبينها «كوليوس»، التي تصنع في كوريا (الجنوبية)، ومبيعاتها جيدة جدا في الصين وكوريا. ولدينا أيضا طراز «سانديرو»، وهي نوع من سيارات الدفع الرباعي، مبنية على قاعدة سيارة «لوغان»، وبالتالي معقولة السعر.

* لماذا اختيار هذه الطرازات بالذات للسوق السعودية والخليجية؟

- اخترنا هذه الطرازات، ليس لأننا نظن أنها جيدة، بل لأنها ناجحة في الأسواق العالمية، ولأننا اختبرناها، وتأكد لنا أنها ترضي المستهلك السعودي والخليجي.

يبقى أن أهم عامل تسويق في المنطقة هو عامل الموثوقية، والمؤشر الرئيسي عليها هو سيارة «نيسان»، فبحكم كوننا مؤسستين تعملان معا في إطار التحالف نضع معا، بالتعاون والتشاور بين «نيسان» و«رينو»، مواصفات الموثوقية والاختبار، ونظام التكييف، ومحول السرعة الأوتوماتيكي، بحكم كوننا مؤسستين تعملان معا.

هذا التبادل للمعلومات مفيد جدا، إذ يسمح للمهندس التابع لـ«رينو» أن يسأل زميله في «نيسان»: لماذا اعتماد هذه المواصفات بالذات للسوق الخليجية؟ فيأتيه الجواب، استنادا على الخبرة؛ لأن الحرارة في المنطقة تصل إلى كذا درجة مئوية، ولأن العمر الافتراضي للسيارة يبلغ كذا سنة..

* ما هو حجم المبيعات الذي تتوقعونه لـ«رينو» في السوق السعودية؟

- هنا لا بد من التوضيح بأن طموحاتنا بالنسبة لـ«رينو» ليست بمستوى طموحاتنا بالنسبة لـ«نيسان»، بل أكثر تواضعا نسبيا، فعلى سبيل المثال، بعنا العام الماضي 1500 سيارة «رينو» في السعودية. أما هدفنا على المدى المتوسط، أي خلال السنتين أو الثلاث المقبلتين، وبالتدرج، فهو بلوغ حد أدنى من المبيعات، يصل إلى 10000 سيارة.

ونعتمد، لبلوغ هذا الحجم من المبيعات، على طرازات «لوغان» و«فليونس» و«كوليوس» و«سانديرو». وأنا واثق من بلوغ هذا الحجم بوجود وكلاء مهنيين وخدمة جيدة لما بعد البيع، أي أن المستهلك السعودي سوف يحصل على سيارة جيدة وموثوقة وبسعر جيد، وسيارة بنكهة أوروبية تستند على معرفة وخبرة «التحالف» في المنطقة.

* ألا تعتقدون أن تركيز استراتيجية التسويق على أبناء الجالية العربية القادمين إلى المملكة ودول الخليج من مناطق نفوذ فرنسية سابقة، (مثل لبنان، وسورية، ودول شمال أفريقيا)، قد يشكل منطلقا أفضل للترويج لـ«رينو»؟

- من الطبيعي أن يتقبل هؤلاء السيارة الفرنسية أكثر من الخليجيين، والتركيز على هذه الجاليات جزء من هدفنا، ولكنه ليس كل هدفنا. في كل سوق تدخلها، عليك أن تدفع حدود المبيعات بعض الشيء إلى الأمام، فلو قبلنا بالأمر الواقع، لما كان لنا وجود في هذه الأسواق.

نحن في حاجة إلى التوجه نحو الذين درجوا على اقتناء سيارات أميركية أو كورية أو سيارات يابانية أخرى غير «نيسان». فهدفنا ليس منافسة «نيسان»، ومهمتنا هي تقديم سيارات أوروبية تتميز بنكهة آسيوية وخبرة آسيوية في المنطقة، علما بأننا لا نتحدث عن بيع 50 ألف سيارة، مثلا، بل 10 آلاف، وفي بحر 3 سنوات.

ولا بد من التذكير بأن «لوغان» هي أكثر السيارات الأجنبية مبيعا في روسيا، وأن «سانديرو» وحدها تستأثر بـ2% من مجموع مبيعات رينو في البرازيل، أي أننا نتحدث عن سيارات ناجحة في البلدان الأخرى، متينة وجذابة، وتشكل بديلا جيدا للموجود في السوق.

* ألا تعتقدون أنه في مكان ما قد تتناقض مصلحة «رينو» التسويقية مع مصلحة «نيسان»؟

- كلا. ونحن نعرف ذلك. صحيح أن سيارات «نيسان» و«رينو» يتم تسويقهما معا في بعض البلدان الأوروبية وفي البرازيل، ولاحقا في الهند، فنحن نمارس الـCross Shopping، أي أننا نسأل من يشتري «نيسان»، ماذا كان في ذهنك من بدائل قبل أن تشتري سيارة «نيسان»، وقد تبين لنا، نتيجة لهذا الاستطلاع، أن المستهلك الذي يشتري «نيسان» كان يرغب في اقتناء «هوندا» أو «تويوتا» أو «فورد»، أي أننا نادرا ما نجد «نيسان» على لائحة الراغبين في شراء «رينو»، والقليل ممن يشترون «رينو» يضعون «نيسان» على لائحة خياراتهم الأخرى، أي أننا في موقعي تنافس مختلفين، فـ«نيسان» موجودة على لائحة مشتري السيارات الكورية أو الأميركية أو اليابانية الأخرى، و«إنفينيتي» مثلا موجودة على لائحة مشتري «بي إم دبليو» بينما تجد «رينو» على لائحة مشتري «فولكسفاغن» و«بيجو»..

عمليا، لا توجد سوق في العالم تتقاطع فيها مبيعات «نيسان» و«رينو»، الأمر الذي يسهل علينا كثيرا تسويق «رينو»، ولكن، بالطبع، تبقى «نيسان» علامة التحالف الرائدة في السعودية، فهي معروفة وموثوقة، وكان أداؤها جيدا عام 2009.

واستمر كذلك العام الحالي أيضا. ولكن هناك موقعا لـ«رينو» أيضا، التي تملك شخصية مختلفة. لذلك نحن نستهدف في استراتيجيتنا أولئك الذين يرغبون في شراء سيارة أميركية أو كورية، أو الشبان الذين يرغبون، للمرة الأولى، في اقتناء سيارة مختلفة بنكهة أوروبية.

* على ماذا ستركزون استراتيجيتكم التسويقية في السعودية؟

- هناك ثلاثة عوامل رئيسية في استراتيجية التسويق: أولا جاذبية تصميم السيارة ونوعيتها، من الداخل والخارج - جاذبية المنتج وجاذبية التصميم والمفهوم - أي هل هي سيارة تناسب المشتري من حيث التصميم الخارجي والداخلي، ومن حيث النوعية، هل تحتوي على خمسة مقاعد، هل سعة الصندوق مرضية؛ فإذا كان المشتري لا يرغب بسيارة «هاتشباك»، ويريد «سيدان» واسعة ومريحة، يتوجب إذن تقديم «سيدان» كبيرة ومريحة له.

ثانيا الموثوقية، فكما تعلم يهتم أبناء المنطقة كثيرا بسيارتهم وبالتالي يطلبون، إذا كان فيها نظام تبريد، أن يكون جيدا، وإذا كان فيها نظام تحويل أوتوماتيكي أن يكون سلسا، وذلك يستوجب وجود وكيل يهتم بخدمات ما بعد البيع، فنحن مدركون أنه يتوجب علينا تقديم عرض مغر للمستهلك، أي سيارة لا تتعطل، وإذا حدث أن تعطلت فإن الوكيل موجود، وقطع الغيار متوفرة، وبأسعار معقولة.

ثالثا: السعر. حين نقول إننا سننافس الأميركيين والكوريين، فنحن نعرف مستويات أسعارهم، ونعمل على تقديم عرض يكون في متناول المستهلك. وأنا واثق من أن تأميننا للعوامل الثلاثة المذكورة سيمكننا من تحقيق هدفنا؛ بيع 10 آلاف سيارة في السعودية، وربما أكثر أيضا.

* سؤال أخير: لماذا غيرتم وكيل «رينو» في السعودية عشية إطلاق استراتيجيتكم الجديدة؟

- نحن لم نغير الوكيل. «الزاهد» نفسه أراد الانسحاب من المهنة، ونحن نريد وكيلا يلتزم بعملياتنا ويستثمر فيها، وهو ليس فقط لم يرد الاستثمار، بل أراد أيضا الانسحاب من عملياتنا، وقد وجدنا الشخص المناسب الراغب في الاستثمار، والقادر على إتمام المهمة، وقد أثبت ذلك ميدانيا. وقد قلنا له إننا نريد الانطلاق من الصفر، وبناء علاقة طويلة الأمد مع المستهلك السعودي.

لماذا لم نتمكن من بيع أكثر من 1500 سيارة «رينو» في السنة، في سوق مثل سوق السعودية؟ أنا أعتبر استقرار مبيعات «رينو» في السعودية على وضعها غير مقبول مني، وأريد وكيلا راغبا في التوظيف في عملياتنا، وفي توسيع نطاق مبيعاتنا. وقد وجدنا هذا الوكيل.

* باختصار هل أنت متفائل في المستقبل القريب؟

- حين يكون حجم مبيعاتنا في السعودية 1500 سيارة فقط، لا يمكن إلا أن نكون متفائلين. ثم إننا لا نتطلع إلى بيع 50 ألف سيارة. هدفنا متواضع: 10 آلاف سيارة فقط، وبناء علاقة طويلة الأمد، علما بأننا لا نقدم إنتاجا جديدا، ولسنا غريبين على السوق السعودية.

ولا بد من التذكير بأن انخفاض سعر صرف اليورو، وعودته إلى مستويات أكثر واقعية حيال الدولار الأميركي، سوف يساعد كثيرا في ترويج سيارة «رينو»، فقد كنا نعاني في السنوات الأخيرة من ارتفاع سعره على الدولار إلى 1.50 و1.55. واعتقد أن استقرار اليورو على مستويات تراوح بين الدولار والدولار و20 سنتا، سوف يكون عاملا مساعدا على تسويق «رينو».