«أستون مارتن» تنطلق من جديد بقوة الاستثمار العربي

فلسفة التوفيق بين التناقضات تنتج سيارة عائلية كبيرة وأخرى صغيرة لا تتشابه مع شقيقاتها

بعض التجارب على سيارات أستون مارتن على مضمار «ميلبروك» شمال لندن (صور خاصة بـ«الشرق الأوسط»)
TT

أتاحت شركة «أستون مارتن» مؤخرا فرصة قيادة معظم سياراتها في مناخ مناسب لها بعيدا عن الطرق المزدحمة والسيارات الأخرى الأقل قدرة. واختارت الشركة مضمارا خاصا بها يقع في مقاطعة بيدفورد شمالي لندن، يدعى «ميلبروك» لإجراء التجارب لمدة يوم كامل. وتستخدم الشركة هذا المضمار في إجراء تجاربها الخاصة على سياراتها، أثناء فترة الإنتاج والتصميم. وكانت «الشرق الأوسط» ضمن نخبة بريطانية قليلة دعيت للمشاركة في التجربة واختبار معظم سيارات أستون مارتن الرياضية بالإضافة إلى سيارة أستون مارتن العائلية الوحيدة وهي «رابيد». وعلى الرغم من أن «رابيد» سيارة عائلية كبيرة الحجم وبتصميم جديد يسمى «فاستباك» فإنها خاضت كافة التجارب على المضمار بكفاءة مثلها مثل كل السيارات الرياضية الأخرى التي تحمل علامة «أستون مارتن».

وبين التجارب المختلفة التي جرت طوال اليوم التقت مجموعة الإعلام بكبير مصممي الشركة ماريك رايكمان الذي شرح فلسفة الشركة في التصميم والفكرة الجديدة التي دفعتها لأن تطلق سيارة دقيقة الحجم أطلقت عليها اسم «سيغنت» ولا تبيعها إلا لزبائن الشركة الذين اشتروا السيارات الرياضية.

ولمن لا يعرف الشركة، فهي واحدة من أصغر شركات السيارات حجما في العالم وتتخذ من منطقة غايدون في مقاطعة واريكشير البريطانية مقرا لها. وكانت الشركة تتبع مجموعة «فورد» الأميركية بين عامي 1994 و2007 قبل أن يشتريها مجموعة من المستثمرين الكويتيين والبريطانيين بمبلغ 479 مليون استرليني. وما زالت شركة «فورد» تحتفظ بحصة في الشركة يبلغ حجمها 77 مليون دولار. وتصل القيمة التقريبية للشركة حاليا إلى نحو المليار دولار. وهي تشتهر منذ تأسيسها في بداية القرن الماضي بإنتاج السيارات الرياضية المتفوقة التي طالما ظهرت في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية واشتهرت بعد ظهورها المتكرر في أفلام «جيمس بوند».

* تجارب متعددة

* وبدلا من إتاحة فرصة القيادة لعدة ساعات كما تفعل شركات السيارات الأخرى، نظمت الشركة يوما كاملا على المضمار شمل تجارب على سيارات «دي بي إس» الجديدة، وهي من أقوى سيارات الشركة بالإضافة إلى سيارات «دي بي 9» و«رابيد» «في 8 فانتاج». ولم يتخلف عن الركب سوى السيارة «وان 77» التي لم تصنع منها الشركة سوى 77 سيارة فقط، بيعت بالكامل، والصغيرة «سيغنت» التي لا تحتاج إلى مضمار لاختبارها.

التجارب التي أجرتها الشركة للإعلام في يوم الاختبار كانت متعددة ومن بينها:

- الانطلاق السريع على مدرج مستقيم لمسافة ميل واحد بسرعة تصل إلى 160 ميلا في الساعة، قبل التوقف مرة أخرى. وتصل السيارة، وهي من نوع «دي بي إس»، إلى هذه السرعة قبل نهاية الميل، وهي سرعة تتحول فيها الأشكال على النوافذ الجانبية إلى ما يشبه السراب ويظهر امتداد الطريق وكأنه شريط سينمائي مضاعف السرعة. ولا يتطلب الأمر مهارة كبيرة من السائق، فقط البقاء على خط مستقيم وعدم الانحراف بالسيارة مهما كانت الظروف، حتى لو اصطدم بطائر.

- دورة كاملة على المضمار بالسيارتين «في 8 فانتاج» ثم «رابيد»: وهو اختبار أصعب قليلا لأنه يتطلب الانطلاق السريع على المنحنيات وزوايا صاعدة وهابطة ودائرية وحادة في دورة تشبه دورات سباقات سيارات الفورميولا - 1. ويوضح الاختبار مدى استقرار السيارة وتفاعلها مع كافة ظروف الطريق مع إمكانات أخرى بعضها يصحح للسائق أخطاء رد الفعل. وبعد عدة دورات يكتسب السائق ثقة أكبر في إمكانات السيارة ويزيد من السرعة على المنعطفات، بينما تلبي السيارة كل المناورات الحادة بلا تردد. وأنجزت السيارة رابيد كافة المناورات الرياضية مثلها مثل أخواتها الرياضيات على الرغم من أنها «عائلية» صالون بأربعة أبواب.

- اختبار نظام الاستقرار الديناميكي: في سيارة «دي بي 9» كان الانطلاق دائريا حول نافورة مياه تبلل الأرضية. ومع تسارع السيارة على دائرة صغيرة قطرها بضعة أمتار، يتفاعل نظام الاستقرار الديناميكي لكي يكبح العجلات الخارجية في الدائرة ويحافظ على استقرار السيارة وانطلاقها في خط دائري. ولكن مع عزل النظام بضغطة زر في لوحة القيادة وإجراء التجربة مرة أخرى، يفقد السائق سيطرته على السيارة في غضون عدة ثوان حيث تدور السيارة على محورها بدلا من الانطلاق حول الدائرة.

- اختبار دقة توازن السيارة في الانطلاق السريع: وجرى هذا الاختبار على مضمار دائري مقعر ومكون من ثلاث حارات للسير أعلاها يدور حول السياج العلوي لأسرع السيارات انطلاقا بسرعات لا تقل عن مائة ميل في الساعة. وبعد دخول الحلبة تمر السيارة «دي بي إس» على الحارة الأولى ثم الثانية برفع السرعة تدريجيا، وصولا إلى الحارة السريعة وبلوغ سرعة مائة ميل في الساعة. وهنا يتعين تشغيل نظام كروز لتثبيت السرعة على المائة ميل، ثم رفع اليدين تدريجيا من على المقود وترك السيارة تدور بمفردها على خط دائري تماما يميل إلى الجانب الأيسر بجوار سياج الحلبة وبسرعة عالية. وتؤكد الشركة أن السيارة لو تركت على هذا الوضع فسوف تستمر في الانطلاق على الخط نفسه بلا انحراف حتى تفرغ من الوقود. وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي جرت فيها قيادة سيارة في خط دائري بلا توجيه من المقود.

* فلسفة التصميم

* في أحدث استفتاء حول أكثر العلامات التجارية جاذبية في بريطانيا، كانت المفاجأة أن أستون مارتن كانت العلامة الفائزة، متفوقة بذلك على علامات أخرى مشهورة بين الشباب مثل آبل ونوكيا وغوغل. ويعود نجاح أستون مارتن إلى جمال التصميم بالإضافة إلى ندرتها وفخامتها.

ويشرح كبير مصممي الشركة رايكمان فلسفة التصميم فيها بأنها تجمع ما بين الابتكار في أفكار التصميم وبين ضرورات التصنيع، بين النظرة الفنية والحماسة الخلاقة، فهي توفق بين المتناقضات. وتجمع سيارات الشركة بين أفكار المصممين ومطالب المهندسين الذين يسعون نحو هدف واحد وهو بناء أفخم وأقوى سيارات رياضية.

وتمزج سيارات أستون مارتن بين القوة والفخامة وهي تحاول الاعتماد على نفسها في التصميم والتصنيع. كما تمتلك أحد أحدث استوديوهات التصميم ضمن مجمع التصنيع في منطقة غايدون. وكانت الشركة تعتمد في الماضي على التعاون مع شركات إيطالية. ولكن فريق الهندسة وحده بلغ حجمه الآن نحو 300 مهندس. ويصف رايكمان المصنع بأنه أحدث مصنع في إنجلترا من حيث المحافظة على البيئة.

وتبدأ تصميمات الشركة على الكومبيوتر ثنائية وثلاثية الأبعاد، ثم تتحول النماذج الإلكترونية إلى نماذج فعلية من فريق التصميم في الشركة الذي ينقسم إلى تصميم خارجي لجسم السيارة وتصميم داخلي لأرجاء مقصورة الركاب. ويتمتع استوديو الشركة بجوانب زجاجية تتيح الكثير من الضوء الطبيعي كما يتم عرض نماذج التصميم خارج قاعات الاستوديو لمشاهدتها على الطبيعة.

ويؤكد رايكمان أن الاستوديو الجديد سوف يشهد مولد أجيال المستقبل من سيارات أستون مارتن وأنه حيوي لمستقبل الشركة خلال السنوات العشر المقبلة. وبنت الاستوديو شركة نمساوية مستخدمة الأخشاب التي تقول إنها من مصادر متجددة.

وعودة إلى السيارة الصغيرة «سيغنت» التي لا تتشابه مع بقية سيارات الشركة لا في الحجم ولا القدرة. ويشرح رايكمان الفكرة وراء هذه السيارة بأنها تماثل الزورق الصغير الذي يمتلكه أصحاب اليخوت الفارهة للرحلات القصيرة إلى الشاطئ ذهابا وإيابا من اليخت.

وأضاف أن الشركة اكتشفت أن العديد من زبائنها يملكون أكثر من سيارة وأنهم يستخدمون سيارات أستون مارتن في المناسبات الخاصة فقط. أما رحلات المدن والتسوق فهي تتم بسيارات صغيرة من أنواع أخرى. وكان الاستنتاج هو أن معظم زبائن الشركة سوف يفضلون سيارة أستون مارتن صغيرة لو أتيح لهم الاختيار، لكي توفر لهم الفخامة المعهودة في إطار مدمج. ولذلك كان قرار بناء السيارة «سيغنت» التي تعتزم الشركة بيع ثلاثة آلاف سيارة منها سنويا بسعر 30 ألف إسترليني للسيارة.

ولكن مصادر أخرى من السوق لم تصدق هذا التعليل لإنتاج السيارات الصغيرة وتؤكد أن الأمر لا يزيد على ضرورة إنتاجية لمواكبة مطالب السلطات الأوروبية فيما يتعلق بنسب التلوث التي يجب أن تلتزم بها كل شركة لإجمالي إنتاج سياراتها. وكان يتعين على أستون مارتن أن تعادل نسبة العادم الكبيرة من سياراتها الرياضية بنسبة ضئيلة من قطاع صغير تلتزم بإنتاجه. ومهما كان سبب إنتاج الصغيرة «سيغنت» فهي تبدو أنيقة كسيارة ثانية على رغم الشبه الكبير بينها وبين سيارة «آي كيو» التي تنتجها شركة تويوتا. وتتعاون «أستون مارتن» مع شركة تويوتا في إنتاج السيارة ولكن كافة التجهيزات الداخلية فيها أصيلة من الشركة البريطانية وتلتزم بمعايير الفخامة المتاحة في السيارات الكبيرة.