بين «ترابانت» البائدة و«ميلكوس» الواعدة.. قفزة نوعية في صناعة السيارات في ألمانيا الشرقية السابقة

«ميلكوس»... 25 نسخة فقط سنويا
TT

إذا ما سألت أحدهم أن يسمي لك سيارة من صنع ما كان يعرف بألمانيا الشرقية في عصر النظام الشيوعي السابق، لبادرك فورا باسم «ترابانت»، تلك السيارة الأعجوبة الرخيصة الصنع الشبيهة بعلبة الكارتون، التي تنفث الدخان الأسود الملوث باستمرار حتى بات اسمها ملازما للأشياء الرخيصة جدا في العالم. والطريف أن هذا الواقع أكسبها شهرة عالمية لا ترقى إليها أفضل سيارات اليوم وأشهرها رغم كل حملاتها الدعائية.

ومن دواعي شهرتها أن تحولت، حتى داخل ألمانيا الشرقية، إلى موضوع شعبي لمجموعة من النكت التي كانت، في نهاية المطاف، تصب في خانة انتقاد النظام السياسي في البلاد. ومن أشهر هذه النكات التي راجت آنذاك سؤال يقول: «كيف تضاعف سعر سيارة (ترابانت) بعد شرائها؟»، والجواب على هذا السؤال كان: «بملء خزانها بالوقود».

وحين انهار النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية، وانهار معه جهاز استخباراته الشهير آنذاك، «ستازي»، الذي كان يستخدم عملاؤه هذه السيارة، تقاطر هواة جمع السيارات من كل حدب وصوب إلى برلين للحصول على إحداها «كتحفة تذكارية» لأيام غابرة، علما بأنها كانت تحفة سياسية بعيدة كل البعد عن أن تكون تحفة ميكانيكية.

خلال بضعة أسابيع اختفت جميع سيارات «ترابانت» من الأسواق، سواء الجديدة منها أو القديمة، فقد تم جمعها وشراؤها كلها من قبل هواة السيارات، لتضحي متصدرة السيارات الكلاسيكية المعروضة في مرائب أصحابها الجدد.. كمركبة فريدة نقيضة لكل السيارات الرائعة الأخرى من الماركات المعروفة، نظرا لما تحتويه من تقنيات ضعيفة قد يصح القول بأنها تعود إلى العصر الحجري.

هكذا كانت صناعة السيارات في ألمانيا الشرقية السابقة. لكن ما إن ولى الحكم الشيوعي حتى بدأ الشطر الشرقي من ألمانيا الجديدة الموحدة باستعادة سمعته في قطاع الصناعات الحديثة، وفي مقدمتها صناعة السيارات التي تشكل الواجهة الحديثة لأي تقدم تقني أو صناعي في أي بلد كان.

بين هذه السيارات الألمانية «الشرقية» سيارة قد لا يكون الكثيرون سمعوا بها، هي سيارة «ميلكوس» التي تنتجها شركة ألمانية تتخذ من دريسدن (ألمانيا الشرقية) مقرا لها. والطريف في موضوع شركة «ميلكوس» أنها حاولت، قبل نصف قرن أو أكثر، أن تنتج في أعقاب الحرب العالمية الثانية سيارات رياضية خاصة بدول العالم الشيوعي، إلا أنها لم تتمكن من إنتاج سوى عدد ضئيل منها لا يتجاوز الأرقام الثلاثة بسبب الأوضاع الاقتصادية التي كانت سائدة في العالم الشيوعي والتي انعكست سلبا على دخل المواطن. آنذاك لم يكن بمقدور المستهلك العادي في الدول الشيوعية تحمل تكاليف الوقود والصيانة لسيارة رياضية، فكيف باقتناء مثل هذه السيارة؟ حتى «ترابانت» نفسها كانت، رغم رخصها، وقفا على عدد محدود من المواطنين المحظوظين على اعتبار أنها كانت تشكل ترفا في مجتمعات تلك الأيام.

ولكن مع تغيّر الظروف تنوي «ميلكوس» إنتاج سيارة رياضية جديدة جميلة الشكل تدعى «ميلكوس آر إس 2000 جي تي إس»، هي أشبه بلعبة صغيرة رغم قوتها النسبية، فهي «كوبيه» ببابين يفتحان إلى الأعلى أشبه بجناحي طائر النورس، مما يجعل البعض يعتقد خطأ أنها سيارة «لوتس»، تلك المركبة الرياضية الصغيرة نسبيا هي الأخرى.

يدفع السيارة محرك رباعي الأسطوانات سعة لترين، مشحون تربينيا بقوة 345 حصانا، بعزم دوران يبلغ 332 رطل/قدم، تقول «ميلكوس» إنه من صنع شركة أوروبية «مهمة». لكن إذا أمعنت النظر في التفاصيل والمواصفات والقدرة الحصانية، إضافة إلى توفره بناقل حركة يدوي أو بدواسة أصبع قرب المقود بقابض (كلتش) مزدوج، يبدو وكأنه من صنع شركة «فولكس فاغن»، «أودي»، والشركة الأخيرة معروفة بمحركاتها المتينة.

وتأتي هذه السيارة بثلاثة نماذج: «جي تي» عادية بقوة 296 حصانا مكبحيا، وأخرى «جي تي إس» معزز بقوة 345 حصانا مكبحيا لأغراض القيادة على الطرقات العادية، وخوض السباقات أيضا على حلبات السباق، ونموذج «جي تي آر» مخصص فقط للسباقات على الحلبات الرياضية.

لكن الشركة الصانعة «ميلكوس» تقول إنها ستصنع 25 سيارة فقط منها حفاظا على «قيمتها»، إلا أن العامل التسويقي اللافت فيها هو استعداد الشركة لتصميمها وإعدادها خصيصا حسب المواصفات التي قد يطلبها الراغب في شرائها. وهذه المواصفات لا تنحصر فقط في النوافذ الكهربائية، والقفل المركزي، وتعزيز نظام التعليق، ونظام العادم، والمكابح، بل أيضا بتعديل الشكل الانسيابي، وتركيب كاميرا فيديو داخلية لتصوير ذاته أثناء القيادة الحامية على الطرق الألمانية السريعة المتحررة، حتى الآن، من قيود على السرعة المسموحة.

وزن السيارة الإجمالي لا يتجاوز الـ975 كيلوغراما، أي أنها خفيفة جدا، مما يعني أن بمقدور محركها دفعها، خلال 3.8 ثانية، إلى سرعة 62 ميلا من نقطة الصفر إلى سرعة قصوى قدرها 186 ميلا. كما أن نظام التعليق على كل زاوية، الذي يشبه عظم الترقوة، يستمد تقنيته من سيارات السباق.

بيد أن مشكلتها الأساسية قد تكون سعرها المرتفع نسبيا، إذ إنها تباع بـ109.000 جنيه إسترليني (بالنسبة إلى النموذج الأساسي البسيط قبل أي إضافة عليه). وهذا يعني أنه كان بمقدور المستهلك الألماني شراء عدد من سيارات «ترابانت» أيام ألمانيا الشرقية السابقة مقابل سيارة «ميلكوس» واحدة من طراز اليوم. ويرتفع هذا السعر إلى 132 ألف جنيه إسترليني بالنسبة إلى طراز «جي تي إس»، وهو أعلى من سعر سيارة «بورشه جي تي 3 آر إس 4.0» جوهرة سلسلة 911 الشهيرة. ثم إن «بورشه» تصنع من الأخيرة 400 مركبة سنويا، وليس 25 فقط كما هو الحال مع «ميلكوس».

يبقى القول إن ناقل الحركة اليدوي سداسي السرعات، وجسم السيارة مصنوع من الألياف الزجاجية الخفيفة الوزن التي يمكن طلاؤها بأي لون يختاره الزبون، وإن كان اللون الأحمر هو الطاغي حاليا. كذلك فإن للبابين اللذين يفتحان كجناحي طائر النورس سحرا خاصا لدى المستهلكين، رغم أنهما غير عمليين في حالات ركن السيارة في الأماكن المزدحمة، كمواقف السيارات في المدن الكبرى مثلا. وتستخدم «ميلكوس» مكابح قرصية عند كل زاوية، على الرغم من وجود ثلاثة خيارات أخرى، بما فيها خيار المكابح المخصصة فقط للسباقات، وذلك مقابل 3700 جنيه إسترليني إضافية.