رفع الفائدة على القروض في الهند والصين يقلل مبيعات السيارات في أكبر سوقين واعدتين

هل تعيد الشركات الكبرى النظر في توقعاتها لحجم مبيعاتها؟

TT

لأول مرة منذ سنوات تتراجع مبيعات السيارات في الصين والهند، أكبر اقتصادين في آسيا، في أعقاب رفع سلطات البلدين سعر فائدة الاقتراض المالي بغية لجم التضخم. ولم تعد الصين التي أصبحت من أكبر أسواق السيارات في العالم منذ عام 2009، أمل صناعة السيارات العالمية مما يطيح بآمال صناعة السيارات في تحقيق النمو الذي كانت متوقعة قبل عام واحد فقط.

في الصين، رفع المصرف المركزي أسعار الفائدة المالية خمس مرات متتالية بين أكتوبر (تشرين الأول) ويوليو (تموز) كما رفع حجم احتياطي المصارف الضروري لمنح القروض ست مرات هذا العام للجم التضخم وإبطاء وتيرة ارتفاع أسعار العقارات.

وبعد عامين من النمو السريع، بات من المتوقع أن تتراجع مبيعات السيارات في السوق الصينية التي تعتبر، حاليا، أكبر سوق للسيارات في العالم، بسبب انتفاء حوافز الشراء وفرض المزيد من القيود على القروض.

وفي الهند عانت سوق السيارات من التراجع الأكبر في مبيعاتها منذ عشر سنوات، وهو أقوى مؤشر على اتجاه الاقتصاد الهندي نحو تباطؤ مفاجئ. وقد تراجعت مبيعات السيارات في الهند بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي من جهة، وارتفاع أسعار الوقود ومعدلات الفائدة على القروض، من جهة أخرى. وقد رفع المصرف المركزي الهندي معدلات الفائدة 13 مرة على الأقل منذ عام 2010. وهذه العوامل أثرت سلبا على إنفاق المستهلكين.

وبدورها أسهمت الإضرابات التي شهدتها شركة «ماروتي سوزوكي إنديا لميتيد» في توقف إنتاج ما يزيد على 40 ألف سيارة الشهر الماضي في الدولة التي تعد من أكبر المنتجين في ثالث أكبر سوق سيارات في آسيا. وقال ديبيش راثور، المدير التنفيذي في «آي إتش إس أوتوموتيف إنديا»: «لقد كنا نتوقع حدوث تباطؤ، لكن ما حدث فاق التوقعات. لقد ارتفعت أسعار الفائدة بسرعة كبيرة العام الماضي ولم يعد ممكنا الحصول على قرض لشراء سيارة بسعر فائدة معقول مما أثر سلبا على المبيعات».

ويأتي تراجع مبيعات السيارات بعد أيام من خفض رئيس الوزراء الهندي توقعات النمو الاقتصادي خلال العام الحالي من 9 في المائة إلى 8.2 في المائة. غير أن خبراء الاقتصاد الأقل تفاؤلا من رئيس الحكومة يتوقعون أن يتراوح معدل النمو الاقتصادي في الهند في حدود الـ7 في المائة. وبحسب إحصاءات جمعية الشركات المصنعة للسيارات في الهند، تراجعت مبيعات السيارات بنسبة 23.8 في المائة مما يمثل أكبر تراجع تشهده منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2000 عندما انخفضت بنسبة 35 في المائة. وقد تراجع إجمالي مبيعات السيارات الهندية، بما في ذلك الشاحنات والدراجات النارية، بنسبة 1.1 في المائة إلى 1.44 مليون في أكتوبر من 1.46 مليون خلال العام السابق، وهو أول تراجع شهري منذ يناير (كانون الثاني) عام 2009. وهذا التراجع يتناقض بوضوح مع مبيعات العام الماضي التي سجلت خلالها الشركات المصنعة للسيارات متوسط نمو شهري بلغت نسبته 20 في المائة. وقد اعتبرت جمعية الشركات المصنعة السيارات الهندية أن مجموعة من العوامل السلبية أدت إلى تراجع مبيعات السيارات بهذا الشكل الجذري. وقال رئيس الجمعية سانديليا: «بعيدا عن أسعار الفائدة وأسعار النفط، أدى التضخم إلى فتور الرغبة في الشراء».

ودفعت النظرة المتشائمة الجمعية إلى مراجعة توقعاتها لمبيعات السيارات وخفضها في بيانها ربع السنوي. وقال سانديليا: «بعد ما كنا نتوقع زيادة في مبيعات السيارات تتراوح ما بين 16 و18 في المائة، نتوقع حاليا زيادة تتراوح نسبتها ما بين 2 و6 في المائة فقط. وقد تأثر قطاع السيارات سلبا بالتباطؤ الاقتصادي وسيستغرق وقتا ليستعيد نشاطه من جديد».

وتقترب أسعار الفائدة حاليا على قروض السيارات في الهند من 13 في المائة. وتتأثر بذلك شركات عدة مثل «ماروتي سوزوكي» و«هيونداي» و«تاتا موتورز». وعليه خفض الكثير من الشركات حجم إنتاجه للتأقلم مع انخفاض الطلب. واستنادا إلى بعض محللين، زادت أسعار الفائدة المرتفعة الأقساط الشهرية لقروض المنازل مما أدى إلى انخفاض الدخل المتاح للإنفاق على الكماليات. وقال أحد المحللين في شركة سمسرة في مومباي: «فضل الكثيرون تأجيل شراء سياراتهم إلى وقت لاحق».

وبالفعل يشكو مسؤولو المبيعات في الكثير من الشركات الكبرى من تراجع التعاملات مع الموزعين. ولم يكن موسم الأعياد في الهند، الذي انتهى قبل مدة وجيزة، مزدهرا كالمعتاد بسبب إحجام المشترين عن الإنفاق غير الضروري. ولا يختلف الوضع كثيرا في الصين، حيث تتراجع المبيعات باطراد.

وبحسب ما أوردت وكالة أنباء «بلومبيرغ» توقع الخبير الاقتصادي، ونائب رئيس جمعية السيارات الملاكي الصينية، كوي دونغشو، أن تقتصر الزيادة في مبيعات السيارات طوال هذا العام على نحو الـ4 في المائة. وكانت جمعية السيارات الصينية قد ذكرت، قبل أسبوعين، أن مبيعات سيارات الركاب تراجعت في أكتوبر بنسبة 4.2 في المائة عن العام السابق، حيث وصلت إلى 1.1 مليون سيارة متأثرة بارتفاع أسعار النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي ووقعهما على توجهات المستهلكين.

وتراجع إجمالي مبيعات السيارات بما فيها الحافلات والشاحنات الشهر الماضي بنسبة 1.1 في المائة ووصل إلى 1.52 مليون بحسب الجمعية. خلال العشرة أشهر الأولى من العام، زادت المبيعات بنسبة 3.2 في المائة، وارتفعت مبيعات السيارات الملاكي فقط بنسبة 5.9 في المائة ووصلت إلى 11.8 مليون سيارة.

وانخفضت مبيعات الشاحنات الصغيرة التي تستخدم في المشاريع الصغيرة في المناطق الريفية لنقل السلع والناس بنسبة 18 في المائة. أما مبيعات السيارات المتقدمة فقد كانت أكبر. ومن أسباب هذا ما شهدته السوق من نجاح مفاجئ على حد قول مسؤولين تنفيذيين ومحللين. لقد كانت الصين أكبر سوق سيارات في العالم منذ عام 2009 عندما زادت مبيعات ذلك العام بنسبة 46 في المائة ووصلت إلى 13 مليون سيارة بفضل السياسات التي تتبعها الحكومة ومنها خفض الضرائب على السيارات الصغيرة. استمر هذا الزخم حتى عام 2010، حيث زادت المبيعات بأكثر من 32 في المائة ووصلت إلى 18 مليون سيارة، لكن انتهت مدة برامج التحفيز الحكومية وتباطأ النمو بشدة عام 2011 ليصل إلى 3 في المائة.

وفي عام 2012 تقدر طاقة الإنتاج الإجمالية للـ14 شركة الكبرى لصناعة السيارات في الصين بـ23 مليون سيارة إلا أن من المتوقع ألا يتجاوز الطلب، في السنة المذكورة، الـ20 مليون سيارة بحسب إحصاءات دورية «تشاينا بيزنس جورنال».

ويقول زينغ كوينغهونغ، رئيس مجموعة «غوانغزو أوتوموبايل غروب»، الشريك الصيني لشركة «تويوتا موتور كوروبوريشين» و«هوندا موتور كومباني» و«نيسان موتور كومباني»، إن سوق السيارات الصينية تعاني كثيرا العام الحالي، وذلك واضح من خلال بيانات الفترة من يناير إلى أكتوبر.

وكانت مبيعات السيارات في الصين قد ارتفعت بنسبة 1.4 في المائة فقط خلال شهر أكتوبر مما أدى إلى خفض نمو هذه المبيعات خلال الأشهر العشرة الأولى إلى 5.9 في المائة، وذلك بعد أن رفعت الحكومة الدعم عن السيارات الصغيرة وتشددت في منح حوافز ترشيد استهلاك الوقود.

وبلغت الزيادة في مبيعات السيارات في الصين خلال العام الحالي نحو 6 في المائة وينبغي أن تظل على هذا المستوى خلال عام 2012 على حد قول زينغ. ويقول زينغ: «تتأثر المبيعات بسياسات الحكومة ومنها فرض قيود على الإقراض. يمكننا أن نشعر بذلك، حيث زادت القيود على القروض الممنوحة للمشتري وقروض تمويل السيارات».

ويدفع تباطؤ معدل زيادة المبيعات وزيادة الإنتاج بعض الشركات المصنعة للسيارات إلى خفض الأسعار أو زيادة الإنفاق على خدمات ما بعد البيع من أجل تحقيق زيادة في المبيعات. وذكرت صحيفة «تشاينا دايلي» نقلا عن فانغ كينليانغ، مدير المبيعات في شركة «غوانغزو مينغزي أوتو تريدينغ كومباني»، أن الشركة التي تبيع سيارات «إمغراند» التي تصنعها «زيجانغ غيلي هولدينغز غروب» سوف تخفض ثمن السيارة لمن يدفع ثمنها نقدا بمقدار يتراوح ما بين 2000 و3000 يوان على كل سيارة. وسوف يقدم بعض زملائه في قطاع صناعة السيارات تخفيضات تصل إلى 20 ألف يوان على كل موديل آخر.

ويقول لينوس يب، المخطط الاستراتيجي في «فيرست شنغهاي سيكيوريتيس»: «سيستمر ما شهدناه من تنافس على الأسعار في بداية العام الحالي وذلك للتخلص من مخزون الشركات من السيارات. لكن ذلك لن يكون الطريقة الوحيدة التي سيتبعها أصحاب شركات صناعة السيارات، فسوف يحاولون أيضا تقديم خدمات جيدة لجذب المشترين». ويضيف أن أسعار أسهم شركات السيارات التي تعرضها بعض الشركات الصينية المصنعة للسيارات المدرجة في بورصة هونغ كونغ تعكس هذا التراجع في حجم مبيعات السيارات.