الهند: «انتكاسة» لصناعة السيارات العاملة بالبنزين.. والشركات الكبرى تتجه لتصدير محركاتها

«بريو».. رهان شركة «هوندا» على قطف ثمار ارتفاع أسعر النفط
TT

يؤثر الارتفاع غير المسبوق في سعر البنزين سلبا على صناعة السيارات الهندية، حيث يشعر مصنعو السيارات بقلق بالغ حيال تراجع الطلب على السيارات العاملة بالبنزين بسبب فارق السعر بين البنزين وزيت الديزل. ويعد انخفاض قيمة الروبية عاملا آخر من عوامل تثبيط معنويات الصناعة، خاصة الصناعات التي تعتمد على استيراد مكوناتها من الخارج.

ارتفعت أسعار البنزين في الهند بمقدار 7.50 روبية بحيث أصبح سعر اللتر الواحد يتراوح بين 74 و79 روبية، فيما يبلغ سعر لتر الديزل 40 روبية كحد أدنى، و46 روبية كحد أقصى. وبذلك أصبح سعر الديزل في الهند أرخص من البنزين بنسبة 40 في المائة، بعد أن أحجمت الحكومة عن زيادة سعر الديزل خوفا من حدوث رد فعل سياسي على القرار، على الرغم من ارتفاع تكلفة استيراد النفط الخام نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية، وانخفاض قيمة العملة الهندية مقابل الدولار.

نتيجة لذلك، ارتفعت بنسبة 60 في المائة مبيعات السيارات التي تعمل بالديزل خلال العام المنتهي في 31 مارس (آذار) عام 2012، بحسب جمعية مصنعي السيارات الهندية، فيما ارتفع سعر الوقود بشكل عام خلال الأرباع الثلاث الأولى من العام الماضي بمقدار 6 روبيات، مما أدى إلى تراجع مبيعات البنزين بنسبة 16.2 في المائة تقريبا مع تحول الطلب إلى السيارات التي تعمل بزيت الديزل. وكانت مبيعات السيارات في الهند قد ارتفعت خلال العام المالي 2011 - 2012 بنسبة 2.19 في المائة فقط، وهي النسبة الأدنى منذ عام 2008 - 2009 على حد تأكيد جمعية مصنعي السيارات الهندية. ويعد الديزل وقودا فعّالا، إذ إن بمقدور اللتر الواحد منه أن يؤمن للسيارة قطع مسافة أطول بنسبة 50 في المائة من المسافة التي يؤمنها لتر البنزين. وبغية جذب المستهلكين لشراء السيارات التي تعمل بالبنزين، أعلنت كل الشركات الهندية الكبرى، أي «سوزوكي ماروتي» و«تاتا موتورز» و«هيونداي موتورز» عن تقديم هدايا مجانية للمشترين.

وبينما عرضت أكبر شركة تصنيع سيارات في الهند، أي «سوزوكي ماروتي»، خلال الأشهر القليلة الماضية، تخفيضا مقداره 30 ألف روبية على أسعار موديلات السيارات التي تصنعها في محاولة للحؤول دون تراجع مبيعاتها عرضت شركة «تاتا موتورز» المنافسة تخفيضا يتراوح بين 10 آلاف روبية و50 ألف روبية على موديلاتها العاملة بالبنزين. وقال متحدث باسم شركة «تاتا موتورز»: «نحن نعرض تخفيضات على الأشكال المختلفة من (إنديكا) و(إنديغو). وسوف يتراوح التخفيض بين 10 آلاف و50 ألف روبية بحسب الموديل».

أما فيما يتعلق بالسيارة الصغيرة «نانو» فقد أعلنت شركة «تاتا موتورز» أنها تقدم هذه التخفيضات شهريا. وعرضت شركة «هيونداي» تخفيضات على عدد من سياراتها العاملة بالبنزين، مثل «إيون» و«سانترو» و«i10» و«i20» و«أكسينت» و«فيرنا».

ووضعت شركة «هيونداي موتور إنديا» في الهند برنامج ضمان ثبات السعر لحماية المستهلك من ارتفاع أسعار الوقود. ويقضي هذا البرنامج بتقديم تخفيضات للعملاء على موديلات السيارات التي تعمل بالبنزين. ويهدف هذا إلى تعويض سائقي السيارات عن ارتفاع أسعار الوقود خلال الأشهر السبعة المقبلة.

ويقول أرفيند ساكسينا، مدير التسويق والمبيعات في شركة «هيونداي موتور إنديا»: «سيحمي برنامج ثبات أسعار البنزين المستهلك من تأثير ارتفاع الأسعار. هناك ارتفاع حاد في الأسعار، ونحن بحاجة إلى تخفيف عبء ذلك عن كاهل العملاء». وتقدم شركات كثيرة أخرى تأمينا مجانيا وتخفيضات كبيرة على السيارات الهجين. إلا أن التحدي الذي يواجهه مصنعو السيارات هو تصريف مخزونها من السيارات العاملة بالبنزين. ومن غير المستبعد أن تضطر إلى وضع خطط وبرامج لزيادة مبيعات السيارات التي تعمل بالبنزين إذا لم تحافظ على مستواها وتحول دون تراجعها.

وعلى مستوى آخر، سيتعين على تلك الشركات تطوير استراتيجيات لتلبية الطلب المتزايد على السيارات العاملة بالديزل نظرا لاتساع فارق السعر بين أنواع الوقود المختلفة بما يتراوح بين 34 و36 روبية للتر.

وصف مايانك باريك، المدير التنفيذي ومسؤول التسويق والمبيعات في شركة «سوزوكي ماروتي إنديا» الارتفاع الأخير في أسعار البنزين بـ«الكارثي»، وقال: «إن الارتفاع هذه المرة أكثر من أي ارتفاع شهدناه خلال الثلاثة أرباع الأولى من العام الماضي. وسيستمر الطلب، المرتفع أصلا، على السيارات العاملة بالديزل في الارتفاع. والمفارقة تكمن في أنه لم يعد لدى أي من الشركات المصنعة سيارات إضافية تقدمها على اعتبار أننا نعمل بكامل طاقتنا. وسوف يؤثر ذلك بشدة على مبيعات السيارات المتواضعة التي تعمل بالبنزين فقط».

وقال أرفيند ساكسينا، مدير التسويق والمبيعات في «هيونداي موتور إنديا»: «هناك ضغوط على الطلب بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. هذا الارتفاع الكبير ليس في صالح العميل ولا الصناعة». وشهدت مبيعات سيارات الركاب في الهند نموا خلال أبريل (نيسان) يعد الأبطأ خلال عشر سنوات بنسبة 3.4 في المائة، مع تدني حماسة العملاء، بسبب ارتفاع الأسعار إلى ما هو أعلى من حدود الميزانية، وكذلك ارتفاع أسعار الفائدة. ويعد قطاع محدودي الدخل القطاع الأكثر تأثرا بذلك.

وقال نيغل وارك، المسؤول التنفيذي ومسؤول المبيعات والتسويق والخدمات في «فورد إنديا»: «لقد كنا نتوقع ارتفاعا في الأسعار، لكن ليس إلى هذا الحد. وسيزيد هذا تراجع قطاع صناعة السيارات سوءا». وأدى الارتفاع السريع في الطلب على السيارات التي تعمل بالديزل على مدى العامين الماضيين إلى مشكلة فريدة بالنسبة إلى صناعة السيارات. ولم يتم استخدام قدرات تصنيع محركات البنزين الكبرى اليوم، في الوقت الذي يزيد مخزون تجار ومصنعي السيارات من السيارات العاملة بالبنزين. ويفكر مصنعو السيارات القلقون من تراجع عائدات الاستثمارات الكبيرة في تكنولوجيا السيارات العاملة بالبنزين حاليا في تصدير محركات البنزين إلى الأسواق الخارجية، إذا استمر ازدياد الطلب على سيارات الديزل. وقد يفكر البعض في التوقف عن إنتاج جزء من تجميع محركات البنزين، على حد قول أحد المصادر القريبة من الصناعة، بينما سيؤدي ارتفاع الأسعار إلى تكدس مخزون السيارات التي تعمل بالبنزين.

وقال بالندران، نائب رئيس شركة «جنرال موتورز» في تقرير تلفزيوني: «بالنسبة إلى نموذج (شيفروليه - بيت) الذي يتصدر المبيعات، 80 في المائة من المطروح في الأسواق يعمل بالديزل، و20 في المائة يعمل بالبنزين على عكس العام الماضي». كذلك أعلنت «سوزوكي ماروتي» تراجع مبيعات موديلات السيارات التي تعمل بالبنزين مثل «واغن أر» و«ألتو ستار» و«إم 800» بنسبة 26 في المائة، وهو ما يمثل ثلث إجمالي المبيعات. وقال شاشانك سريفاستافا، المدير العام لشركة «سوزوكي ماروتي إنديا»: «إنها انتكاسة للصناعة. من المؤكد أن ارتفاع الأسعار اليوم سيمثل ضربة للطلب على السيارات التي تعمل بالبنزين».

وبحسب كومار كانداسوامي، المدير ومسؤول التصنيع في «ديلويت»، سوف يسعى مصنعو السيارات حاليا إلى تعزيز السيارات التي تعمل بالديزل. وأضاف أن المبيعات ربما تتراجع خلال الربع التالي مع اتجاه العملاء إلى تأجيل القرار. وقال مصنعو السيارات إنهم كانوا يزيدون التعهيد المحلي والصادرات من أجل خفض التكاليف ومعادلة التأثير المعاكس لانخفاض قيمة الروبية. وتنظر بعض الشركات المصنعة للسيارات في زيادة أسعار الموديلات المختلفة من السيارات التي تعمل بالديزل، بسبب انخفاض قيمة الروبية، الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة مكونات السيارات المستوردة، ويجب أن يعوضوا التخفيضات التي قدموها على السيارات التي تعمل بالبنزين، والتي لا تشهد مبيعات كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الوقود. وفي حين أعلنت شركة «تويوتا» عن زيادة أسعار السيارات التي تعمل بالديزل بنسب 1 إلى 2 في المائة بداية من يونيو (حزيران)، من المتوقع أن تسير شركات أخرى في هذا الاتجاه. ويعد هذا هو ثالث ارتفاع في الأسعار منذ يناير (كانون الثاني) من العام الحالي. وزادت الشركات المصنعة للسيارات الأسعار بداية شهر يناير (كانون الثاني) بنسبة تتراوح بين 1.5 و3 في المائة.

وأعقب ذلك ارتفاع ثاني يتراوح بين 2 و5 في المائة لتعويض زيادة الضرائب المقدمة ضمن الميزانية. مع ذلك يشعر تجار السيارات بالقلق. ومع اقتراب أسعار البنزين من سقف يعد الأعلى وغياب السيارات التي تعمل بالديزل لدعم المبيعات، تعتزم شركة «هوندا» التعجيل بتدشين موديل «بريو» الصغير الذي يعمل بالديزل عام 2012، فقد كانت تنتوي تدشين موديل السيارة التي تعمل بالديزل عام 2013.

ولم تنتج شركة «هوندا» موديل سيارة تعمل بالديزل وهو ما يعد نقطة ضعف في الشركة. وستكون «بريو» أول سيارة بمحرك ديزل وسيلحق بها «سيتي» و«جاز». وشركة «هوندا» ليست الوحيدة التي عجلت بتدشين السيارات التي تعمل بالديزل. كذلك عجلت «رينو» بإزاحة الستار عن موديل السيارة التي تعمل بالديزل، وحتى «فولكسفاغن» تبحث عن موديلات تعمل بأنواع وقود أخرى مثل الغاز الطبيعي المسال، بينما يحاول آخرون الترويج لسياراتهم بتقديم تخفيضات وعروض مغرية. ويتفق تجار السيارات على توقع ازدياد الطلب على سيارات الديزل. ويقول سانجيف ناث بيهل، أحد تجار السيارات في دلهي: «ازداد الطلب على السيارات التي تعمل بالديزل في كل قطاع. وفيما تراجع الطلب على سيارات الديزل بنسبة 15 في المائة، تراجع الطلب على السيارات العاملة بالبنزين بنسبة 20 في المائة. وحتى الذين يشترون سيارات يتراوح سعرها بين 5 و6 ملايين روبية، يميلون إلى شراء سيارات ديزل».

وأضاف سانجيف أنه يتلقى مكالمات كل ثانية يسأل أصحابها عن موديلات السيارات التي تعمل بالديزل، وهناك ارتفاع كبير في الطلب على سيارات الديزل، ومن أسباب ذلك زيادة الأميال التي يقطعها زيت الديزل. ويتجه أكثر الناس إلى سيارات ديزل متوسطة المستوى.