ردود فعل متفاوتة على اقتراحات الإدارة الأميركية لترشيد استهلاك الوقود

«فولكس فاغن» تشكو من عدم تقدير مساهمتها في تقنية خفض معدلات الاستهلاك

TT

اقرار الإدارة الأميركية الثلاثاء الماضي لمعايير جديدة لمعدلات الاقتصاد في استهلاك وقود السيارات خلال العقود المقبلة من شأنها خفض استهلاك البنزين والديزل بنسبة تصل إلى 18 في المائة، أثار ردود فعل متناقضة في أوساط صناعة السيارات.

يتخوف العديد من مصنعي السيارات الأميركيين من أن تتسبب هذه القواعد الجديدة في خلل بالسوق المحلية للسيارات، ومن أن لا تتوصل إلى تحقيق الخفض المتوقع في الطلب العام على الوقود. ولكن، مع استمرار ارتفاع أسعار النفط وضغوطها على مداخيل الأسر الأميركية، سوف يستغل الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه المعايير ليظهر أنه يعمل فعليا على معالجة هواجس الأميركيين المعيشية.

وترى الإدارة الأميركية أن القواعد الجديدة ستعود بالنفع على البيئة؛ إذ إنها ستخفض معدل انبعاث ثاني أكسيد الكربون فضلا عن الانبعاثات الغازية الأخرى إضافة إلى مساهمتها في تعزيز الأمن للولايات المتحدة من خلال خفض الاعتماد على النفط المستورد.

معايير «متوسط فعالية الوقود» تمثل آخر محاولة تبذلها الإدارة لإجبار شركات السيارات على صنع سيارات أقل استهلاكا للوقود وأكثر تطورا. وكانت آخر مرة تم فيها تشديد هذه المعايير في عام 2009.

من المتوقع أن تؤدي المعايير الجديدة، المشابهة لتلك التي نشرت العام الماضي، إلى مضاعفة متوسط فعالية استهلاك السيارات الأميركية من الوقود، بحلول عام 2025، من 27.5 ميل/ غالون إلى 54.5 ميل/ غالون.

وكان الرئيس الأميركي قد وضع هذه الخطة في يوليو (تموز) من العام الماضي بعد أن وافقت 13 شركة من كبريات شركات السيارات على دعم المعايير المعدلة، التي وصفها بأنها «أهم خطوة للحد من اعتمادنا على النفط المستورد». ويوضح تقييم رسمي لتأثير القواعد على البيئة نشرته الإدارة القومية الأميركية للطرق السريعة وأمن المرور الشهر الماضي، التغيرات التي يمكن أن تساعد على خفض الطلب على الوقود في البلاد بنسبة تصل إلى 18 في المائة بحيث يصل إلى 1.19 طن/ غالون في الفترة من 2017 إلى 2060.

وحسب تقدير رسمي وضعه الشهر الماضي المجلس الأميركي لإدارة سلامة السير حول تأثير المعايير الجديدة على البيئة، فإن التغييرات المقترحة من شأنها خفض الطلب على وقود السيارات، بين عامي 2017 و2060، بمقدار 1.19 مليار غالون أي بنحو 18 في المائة.

أما المجلس الأميركي لترشيد اقتصاد الطاقة، وهو هيئة تحظى بدعم من رجال أعمال وجمعيات خيرية وهيئات حكومية، فقد توقعت أن تؤدي مقترحات الدولة لترشيد استهلاك الوقود إلى الحد من الطلب على النفط الخام بمقدار 3.1 مليون برميل يوميا بحلول عام 2030. ويعد هذا انخفاضا بمقدار 16 في المائة عن الطلب المسجل العام الماضي والذي بلغ 18.8 مليون برميل يوميا. وقد أعلنت شركات السيارات الثلاث الكبرى في ديترويت وهي: «جنرال موتورز» و«فورد» و«كرايسلر»، دعمها مقترحات الإدارة الأميركية، فضلا عن الشركات الأجنبية التي تصنع أو تسوق سياراتها في الولايات المتحدة، مثل «تويوتا» و«نيسان» و«هوندا» و«بي إم دبليو»، ودعمها هذه المعايير علنا.

الشركات المصنعة للسيارات أبدت ارتياحها تجاه المعايير الجديدة لأنها جنبتها تفرد ولاية كاليفورنيا بوضع هذه المعايير. وتأمل معظم هذه الشركات أن تعمد الإدارة إلى إعادة تقييم هذه المعايير بعد بضع سنوات من بدء تطبيقها وأن يؤدي هذا التقييم إلى إدخال تعديلات على الخطة بحيث يتم التوصل إلى «صيغة وسط».

من جانبه، اعتبر اتحاد مصنعي السيارات، الذي يمثل هذه الصناعة، أنه كان من شأن القواعد المتضاربة أن تؤدي إلى ارتفاع تكلفة التصنيع. وأوضح الاتحاد أن كل شركات السيارات تريد سيارات عالية الفعالية بالنسبة لمعدلات استهلاكها من الوقود. واعتبر الاتحاد أن البرنامج الموحد على صعيد الولايات المتحدة ككل سوف يساعدها على إنتاج سيارات أكثر اقتصادا في استهلاك الوقود، خصوصا إذا ما تمت مراجعته على قاعدة نصف سنوية. مع ذلك، تشكك بعض الشركات المصنعة للسيارات في جدوى القواعد الجديدة المتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار السيارات عند تطبيقها عام 2017. شركة «فولكس فاغن» الألمانية رفضت هذه القواعد، وقال توني سيرفون، المتحدث باسم الشركة في الولايات المتحدة، إن شركته تشعر بقلق كبير من الأعباء المتفاوتة التي ستوضع على كاهل الشركات المصنعة للسيارات خلافا لما ستكون عليه الحال بالنسبة للشاحنات؛ إذ إنه بموجب القواعد الجديدة، تصنف العديد من السيارات الرياضية المتعددة الاستعمال، والشرهة في استهلاكها الوقود، إضافة إلى الشاحنات الخفيفة، على أنها «شاحنات» ولا تحتاج إلى تحقيق القدر نفسه من ترشيد الاستهلاك مثل السيارات.

واعتبر المتحدث باسم «فولكس فاغن» أن «الاحتمال وارد في أن يحدث ذلك تأثيرا عكسيا على استهلاك الوقود ككل، نتيجة إقدام الشركات التي تنتج بالفعل نسبة كبيرة من الشاحنات على زيادة إنتاجها من الشاحنات».

كذلك تعتبر «فولكس فاغن» أن المعايير غير منصفة وأنها متحيزة تجاه تقنيات توفير الوقود التي تسعى إدارة أوباما والشركات الأميركية المصنعة للسيارات إلى تطويرها.

وبالفعل تعطي المعايير الجديدة مكاسب ملحوظة للسيارات الهجين (هايبرد) والسيارات التي تتضمن تكنولوجيا «التوقف والانطلاق» الذاتي التي تجعل المحرك يتوقف عن العمل حتى في حال توقف السيارة لفترة وجيزة أو عندما لا تحتاج إلى طاقة. وتشكو «فولكس فاغن» التي تنتج عددا كبيرا من السيارات المقتصدة التي تعمل بالديزل، من أن تقنيتها هذه لا تحظى بالتقدير المناسب.

* المعايير الأميركية لا تخلو من أبعاد استراتيجية

* لندن – واشنطن - «الشرق الأوسط»: الهدف المعلن من المعايير الأميركية الجديدة لرفع كفاءة استهلاك السيارات من الوقود هو مضاعفة متوسط كفاءة السيارات والشاحنات الخفيفة بالمقارنة بالسيارات الجديدة الحالية، وزيادة كفاءة استهلاك السيارات والشاحنات الخفيفة من الوقود إلى 23.25 كيلومتر للتر الواحد من البنزين (55 ميلا للغالون)، وذلك بحلول عام 2025. إلا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أعطى لهذه المعايير بُعدا استراتيجيا في تأكيده أن «هذه المعايير تمثل أهم خطوة اتخذناها للحد من اعتمادنا على النفط الأجنبي». وأضاف: «سأدعم أمن طاقة أمتنا. إنه أمر جيد لعائلات الطبقة المتوسطة وسيساعد على إقامة اقتصاد وجد ليستمر».

وذكر بيان أميركي رسمي أن هذه المعايير ستوفر لسائقي السيارات والشاحنات أكثر من 1.7 مليار دولار، بالإضافة إلى خفض الاستهلاك الأميركي للبترول بنحو 12 مليار برميل. وستساعد التعليمات الجديدة على خفض معدل انبعاث غازات الأثر الصوبي (الاحتباس الحراري) من السيارات والشاحنات الخفيفة إلى النصف بحلول عام 2025.