الأزمة المالية تضغط على قطاع السيارات في الهند.. والشركات المصنعة تعيد النظر في خططها الاستثمارية

«تاتا موتورز» تعلق الإنتاج في مصانعها 3 أيام في الأسبوع

ماروتي ـ سوزوكي : تراجعت مبيعاتها 7 في المائة («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت الأزمة المالية العالمية تنال من قطاع السيارات في الهند، وأخذ التباطؤ في الاقتصاد يضرب الاستثمارات الأجنبية في القطاع. وتقوم كبرى الشركات المصنعة بـ«مراجعة» خططها الاستثمارية التي وضعتها في السابق والجداول الزمنية لعمليات الإنتاج. يأتي ذلك رغم أن السوق الهندية كانت، حتى فترة قريبة، تتقدم بقوة، وتسجل نموا سريعا ساعد على بروز مجموعة من المشترين الأثرياء الذين دفعوا العديد من شركات السيارات العالمية إلى فتح خط مباشر على الهند. ولكن أزمة الائتمان العالمية والتكلفة المرتفعة للاقتراض والشروط الصارمة الخاصة بالقروض، أثرت على مبيعات السيارات، وأجبرت العديد من كبار اللاعبين في قطاع السيارات على تخفيض وتيرة العمل في مشروعاتهم الحالية والمستقبلية. يذكر أن الهند تنتج 1.5 مليون سيارة سنويا بقيمة تصل إلى 34 مليار دولار ويساهم ذلك في 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الهند. وتواجه كبرى شركات السيارات مثل «ماروتي سوزوكي الهند» و«هوينداي موتور الهند» و«تاتا موتورز» و«هوندا سيل كارز الهند» و«نيسان» و«رينو» و«جنرال موتورز» و«فورد موتور الهند» و«ماهيندرا آند ماهيندرا» تراجعا في مبيعات السيارات، ولذا قامت بإرجاء مشروعات واستثمارات جديدة. ويقول تنفيذيون بارزون ووكلاء إن عدد المرتادين على أماكن عرض السيارات قد تراجع بمعدل 50-70 في المائة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وكانت الهجمات الأخيرة على مدينة مومباي الهندية بمثابة المسمار الأخير الذي يدق في نعش قطاع السيارات. شركة السيارات اليابانية الكبرى «هوندا» عمدت الى إرجاء توسعات كانت قد خططت لها في مصنعها الثاني في راجاستان، بالإضافة إلى تخفيض الإنتاج في المنشأة الحالية في غريتر نويادا، بالقرب من دلهي. وقالت الشركة، التي تدير عمليات في الهند عبر مشروع مشترك مع «سيل غروب» - «هوندا سيل كارز الهند»، إنها سوف ترجئ توسعات وعمليات تجميع في مصنعها الثاني في تابوكارا، راجاستان. وقد أرجئت توسعات في الطاقة الإنتاجية، كان مخططا تنفيذها في الربع الرابع من عام 2009، على ضوء التباطؤ الاقتصادي الحالي مما أدى إلى تراجع الطلب، حسب ما قاله مسؤول بارز في «هوندا سيل كارز الهند». وتقول مصادر إن الشركة سوف تقلل من الاستثمارات المقترحة، وستخفض عدد العاملين خلال المرحلة الثانية من المصنع الجديد. ويتخوف رئيس مجلس إدارة «هوندا سيل كارز» ماساهيرو تاكداجوا أن تضطر شركته إلى مراجعة المرحلة الثانية من العمليات والاستثمارات .

كما خفضت «نيسان» و«رينو» من وتيرة العمل في خططها للاستثمارات المشتركة في الهند بعد التراجع الحاد في مبيعات السيارات في المنطقة. وأعلنت «نيسان»، التي تُراجع استراتيجيتها للتوسع في الوقت الحالي، أنها سوف تقلل الاستثمارات لرفع معدل التدفق النقدي ومن المحتمل أن تؤجل بعض الاستثمارات حتى توفر 120 مليون يورو من خطة الاستثمار الأولية على ضوء الوضع الاقتصادي الذي لم تتحدد معالمه حتى الآن. وقد أفادت الشركة، التي تعد ثالث أكبر شركة سيارات في اليابان، أنها ما زالت تنوي البدء في إنتاج السيارات بالتعاون مع «رينو» خلال النصف الأول من عام 2010، كما كان مخططا، في مصنع بمدينة تشيناي الجنوبية. ولكن المصنع، الذي يتوقع أن يصل إلى طاقته الإنتاجية الكاملة المقدرة بـ400.000 سيارة سنويا سوف يبدأ بحلول عام 2015، بتشغيل الموظفين دواما واحدا بدلا من اثنين. وأضافت الشركة إنها سوف تؤجل إنتاج الشاحنات لمدة ستة أشهر في استثمارها المشترك مع شركة «أشوك ليلاند» الهندية. وقال المتحدث باسم الشركة إن الإرجاء أمر مقنع على ضوء تراجع مبيعات الشاحنات. وتراجع الطلب عليها في الهند بمعدل أكثر من 60 في المائة خلال العام الماضي بسبب أزمة الائتمان والتراجع الحاد في قطاع التشييد. كما أرجأت شركة «رينو» الفرنسية خططا لدخول قطاع السيارات متعددة الأغراض بالشراكة من «ماهيندرا آند ماهيندرا». وقال سيلفيان بيلين، من شركة «رينو الهند» في تصريحات للصحافيين: «أجرينا دراسة سوقية للسيارات التي تحتوي على سبعة مقاعد، ولكن لسوء الحظ لم تكن النتيجة جيدة، لذا قررنا إرجاء المشروع». وكانت السيارة متعددة الأغراض قد عرضت في «أوتو إكسبو» الذي أقيم بداية العام 2008 في الهند. وعلاوة على ذلك، أرجأت «ماهيندرا رينو» إنتاج لوغان سيدان لنصف عام على الأقل بعد تراجع المبيعات بصورة كبيرة خلال الأشهر الماضية. وسوف تنتج الشركة حوالي 1000 سيارة لوغان في مصنعها بمدينة ناشيك مقارنة بنحو 2500 وحدة في الشهر قبل ذلك. وفي الوقت الذي تضرب فيه الفوائد الكبيرة، مع التراجع الاقتصادي، قطاع السيارات في الهند، تراجعت مبيعات السيارات بمعدل 19.38 في المائة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008، وتراجعت الأرباح التي تحققها شركات السيارات بصورة ملحوظة. وتتكدس في صالات العرض المئات من السيارات التي كان من الطبيعي أن تكون في الشوارع قبل عام. وقد تغير الحال بصورة كبيرة حيث يساور العملاء القلق بشأن ما إذا كانوا سيتمكنون من المحافظة على وظائفهم وما إذا كانوا سيستطيعون تحمل تكاليف الوقود وما إذا كانوا مؤهلين للحصول على قرض لشراء سيارة»، حسب ما قاله ممثل بارز في رابطة اتحاد وكلاء السيارات. وقد قررت شركة السيارات الأكبر في اليابان، والأكبر عالميا من حيث المبيعات، «تويوتا موتور»، خفض إنتاجها في الهند بمعدل 30 في المائة خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) بسبب التراجع في المبيعات. وتعمل الشركة في الهند من خلال استثمار مشترك مع «كيرلوسكار غروب» يعرف باسم «تويوتا كيرلوسكار موتور». وقد أنتجت الشركة 2886 سيارة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ولكن قررت تخفيض الإنتاج بسبب التراجع في المبيعات، حيث سجلت تراجعا نسبته 48.55 في المائة من المبيعات خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، فقد باعت 2,087 وحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 مقارنة بـ4.056 وحدة في نفس الشهر من العام نفسه. وعادت «فورد الهند» الى دائرة المديونية خلال عام 2007 ـ 2008، بعد أن سجلت أرباحا خلال العام السابق للمرة الأولى منذ أن بدأت عملياتها في الهند قبل عقد مضى،إذ منيت بخسائر متراكمة تقدر بـ8.64 مليار روبية. وتصل خسائر «جنرال موتورز الهند» إلى 1.87 مليار روبية، وتملك الشركة مصنعا في هالول بولاية غوجارت فيما شيدت مصنعا في تاليغاون في ماهاراشترا. وتقول مصادر في قطاع السيارات إن «فولكسفاغن» تعاني أيضا من تراجع في مصنعها في الهند. وقد أغلق العديد من شركات السيارات المحلية مصانعه بصورة مؤقتة لتلافي تراكم السيارات غير المباعة. وقالت شركة «تاتا موتورز»، أكبر شركات السيارات التجارية في الهند، إنها سوف تعلق الإنتاج في منشآتها في جامشيدبر وبون لمدة ثلاثة أيام أسبوعيا بسبب التراجع في الطلب. وقررت«أشوك ليلاند»، ثاني أكبر شركة في الهند من حيث المبيعات لصناعة الشاحنات والحافلات والسيارات التجارية الأخرى، تخفيض أيام العمل في مصانعها بمقدار النصف لتنتج بمعدل من سيارة إلى ثلاثة في الأسبوع حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول). وتراجعت مبيعات السيارات، ومعها الشاحنات والدراجات البخارية، بنسبة 14 في المائة، ويعد ذلك أكبر تراجع منذ ثمانية أعوام. وتراجعت مبيعات «ماروتي سوزوكي» بنسبة 7 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول)، فيما تراجعت مبيعات «تاتا موتورز» بنسبة 6 في المائة، حسب ما أفادت به بيانات المبيعات الشهرية من الشركات. وأعلنت «ماهيندرا آند ماهيندرا»، التي تعد أكبر شركة لتصنيع سيارات (SUV) والجرارات، عن انخفاض في الأرباح نسبته 20.6 في المائة، ويرجع ذلك إلى أسباب مشابهة. ولا يعتبر الوضع أفضل بالنسبة لـ«رولز رويس موتور كارز»، فالمشترون المحتملون يفكرون أكثر من مرة قبل التوقيع على شيك بسعر السيارة البالغ 20 مليون روبية على الأقل. ويقول شاراد كاتشاليا، المدير التسويقي في «نافنيت موتورز»، الوكيل المعتمد الوحيد لـ«رولز رويس» في الهند، إن نقص التمويل أفسد مخططات الشركة. ولا يقتصر الأمر على رولز رويس، إذ يتردد صدى نفس الكلمات في توكيلات سيارات بورشه ولامبورغيني وبينتلي ومرسيدس. ويعاني قطاع الدراجات البخارية في الهند من نفس المشكلة، حيث تخفض ثاني أكبر شركة لتصنيع الدراجات البخارية، «با جاج أوتو»، من إنتاج الدراجات البخارية بتعليق الإنتاج لمدة يومين أسبوعيا بسبب الطلب المتراجع.

وبعد سبعة أعوام متعاقبة من النمو بمعدلات جيدة، بدأت صناعة قطع غيار السيارات الهندية، والتي تبلغ قيمة إنتاجها 18 مليار دولار، بخفض الإنتاج بنسبة تزيد عن 25 إلى 30 في المائة. وقد دفع نقص التمويل وتراكم المخزون كبار الشركات المصنعة للشاحنات إلى تقليل الإنتاج بنسبة تصل إلى أكثر من 50 في المائة من السيارات التجارية المتوسطة والثقيلة في أعقاب التراجع في الطلب. ويواجه مصنعو محتويات السيارات في الهند الأزمة الأكبر من نوعها. وحيث ان السوق المحلية تواجه ركودا ومع تراجع الصادرات إلى السوق الأميركية بصورة كبيرة، يوشك الكثير من الشركات على الإغلاق. ويقول إنيل بهاردواج، السكرتير العام باتحاد الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في الهند: «توشك حوالي 4000 وحدة مساعدة على الإغلاق، وسيتضرر حوالي 200000 شخص من الأزمة. وقد قام معظم الشركات بتقليص عدد فترات العمل وأيام العمل، من أجل خفض الإنتاج».

ومثلت الصادرات من الشركات الهندية أكثر من 3 مليارات دولار العام الماضي، ويقول دافار: «كنا نتوقع نموا مقداره 20 في المائة، ولكن في العام الحالي، تراجعت التوقعات بصورة كبيرة إلى حوالي 6 في المائة، وقد كان شهرا نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) الأسوأ بالنسبة لمصنعي محتويات السيارات». يذكر أن شركات محتويات السيارات يعمل بها حوالي 400 ألف شخص، وقد خسر الكثير منهم وظائفهم ومن المحتمل أن يشهد القطاع المزيد من عمليات تسريح للموظفين.