بلد الأجبان والألبان يفاجئ عالم السيارات بتحفة ميكانيكية مميزة

إنتاجها يقتصر على 15 نسخة «لإحداث صدمة» في صناعة السيارات

زينفو إس تي آي.. تحدي الدنمارك لعالم السيارات («الشرق الأوسط»)
TT

الدنمارك، بلد الأجبان والألبان، لا تزال أحد أكثر بلدان العالم بعدا عن الفساد في الإدارة والحياة العامة. واستنادا إلى إحصاءات أجريت العام الماضي، تأتي الدنمارك في المرتبة الثانية في العالم بالنسبة لمعدل الجرائم المرتكبة فيها. وعلى الصعيد الدولي تتباهى الدنمارك بأن لا عدو لها وأنها صديقة الجميع. ولكن كل هذه الصفات لا توحي بأن الدنمارك مرشحة لأن تدخل قطاع صناعة السيارات من بابه الواسع، فلا وجود لهذه الصناعة على أرضها. وإذا كان القطاع الصناعي الدنماركي تجاوز في العقود المنصرمة صناعة الألبان والأجبان فإن توسعه انحصر في صناعة الفولاذ والصلب والخلائط المعدنية التي تستخدم لأغراض خاصة، إضافة إلى بعض الصناعات الدقيقة الأخرى.

من هنا المفاجأة التي أثارتها بدخولها، ولو متأخرة، مضمار صناعة السيارات، ومن بابه العريض، وتطير سيارة متفوقة لم تشهد صناعة السيارات مثلها حتى الآن. السيارة الدنماركية – المفاجأة تدعى «زينفو إس تي آي». أما صفاتها المميزة فتبدأ بكونها سيارة مؤلفة من محرك عملاق مشحون ومؤازر توربيني، مؤلف من ثماني اسطوانات على شكل V، سعة سبعة لترات، يولد قوة خارقة قدرها 1104 أحصنة.. أي أكثر من أقرب السيارات المنافسة لها، وهي، بالمناسبة «بوغتي فيرون» بـ 1.3 حصان.

يقبع محرك سيارة «زينفو إس تي آي» مثبتا في وسط السيارة، وليس في مقدمتها أو مؤخرتها، ضمانا لثبات توازنها واستقرارها على الطرقات. أما السرعة القصوى فقد جرى تحديدها بـ 233 ميلا في الساعة على الرغم من أنها قادرة على بلوغ سرعة 250 ميلا في الساعة بكل سهولة. ومن الصفر تصل إلى سرعة 60 ميلا في الساعة في أقل من ثلاث ثوان.. أما سعرها فيبلغ 750 ألف يورو فقط.

وبالطبع فإن مثل هذه السيارة ذات القدرة الهائلة، مغلفة بجسم من الألياف الكاربونية الخاصة بالاستخدامات العسكرية، نظرا إلى متانتها الفائقة ووزنها الخفيف على الرغم من تكلفتها العالية. تقول الشركة الدنماركية الصانعة لهذه السيارة إنها لن تنتج منها سوى 15 سيارة فقط.. وقد تنظر، مستقبلا، في إمكانية فتح باب الإنتاج مجددا، ولكن على نطاق محصور جدا أيضا.

أحد كبار مؤسسي شركة «زينفو»، جيسبر جينسين، يعترف بأن الهدف من المشروع كله «إحداث صدمة في صناعة السيارات». ولذلك يرفض حتى الكشف عن موقع مصنع هذه السيارة الخارقة، كاشفا فقط عن أنه يبعد مسافة رحلة 45 دقيقة في السيارة باتجاه جنوب العاصمة كوبنهاغن. وهو لا يحدد مكان المصنع تماما، لأنه غير راغب في أن يتحول المكان إلى مزار أو معلم سياحي ليشاهد فيه الزوار أقوى سيارة في العالم.

ويقول جينسين إن فكرة هذه السيارة اختمرت في ذهنه منذ أكثر من عقد من الزمن، وإنه حصل على الضوء الأخضر لمشروعه من الحكومة الدنماركية في العام 2005. وهو يتولى في الشركة الأمور الإدارية والمالية، في حين يتولى شريكه تروليس فولرستين، الذي كان الدماغ المصمم وراء بناء هذه السيارة الرائعة، الشؤون الهندسية.

وتقول روايات غير مؤكدة، إن ما شجع فولرستين على مشاركة جينسين في هذا المشروع امتلاكه لصلات وثيقة مع جهات في منطقة الشرق الأوسط من عشاق القوة والسرعة في السيارات قد يكونون مستعدين لمساعدته، أو حتى وعد سلفا بشراء سيارته هذه حال الانتهاء من صنعها.

في أي حال فإن السيارة الجديدة تتفوق في قوتها على أفضل السيارات المتفوقة المعروفة اليوم، مثل «كوينجسيغ سي سي إكس آر» و«سي سي إس ألتميت إيرو» و«9 إف إف جي تي 9»، فضلا عن سيارة «بوغاتي فيرون» التي تأتي على رأس اللائحة.

ويقر جينسين بأن بلاده، الدنمارك، لا تملك أي خبرة سابقة في تصميم وصناعة السيارات، ولا في أي مجال يتعلق بتراثها أو تاريخها، «لذلك امتنعنا من الكشف عن أي شيء، أو الإدلاء بأي تصريح، حتى يتحول الحلم إلى حقيقة قائمة، وبتنا جاهزين لمواجهة عالم صناعة السيارات بسيارة فريدة من نوعها» على حد قوله. «كما أننا لم نرغب في إعطاء أي وعود لا نستطيع الوفاء بها، على الرغم من أن بعض ممولينا وشركائنا كانوا يتهكمون على السرية التي أحطنا بها المشروع كله منذ البداية»، كما يضيف.

ويعترف جينسين بأن ما ساعد المشروع، أن التمويل اللازم كان متوفرا، وفي الوقت المناسب، وحتى قبل المباشرة بالمشروع. ويقول: «عندما رأى الممولون السيارة كاملة جاهزة بشكلها الصارخ الذي يوحي بأنها تتأهب لنهب الطرقات.. صدقوا ما رأوا، وقالوا إن أي مشروع جديد من هذا النوع في المستقبل سيهمهم أيضا».

ويكشف جينسين عن أن الاختبارات على السيارة الجديدة لا تزال جارية منذ أكثر من سنة. ويصر على أنها رغم عدوانيتها وشراستها، فإنها من النوع الذي يمكن قيادته بشكل عادي من قبل أي سائق، حتى وإن لم يكن من محترفي السباقات. ومع وجود مثل هذه القوة الهائلة، فإن العجلات وتعاملها في الدفع على الأرض يشكل مشكلة، «من هنا قمنا بتطوير نظامنا للجر والسحب، فضلا عن توازن السيارة واستقرارها المجزأ إلى طورين، أو نمطين. ففي نمطها الأول هي سهلة القيادة بحيث يمكن حتى لسيدة المنزل قيادتها كما لو أنها سيارة عادية. أما في نمطها الثاني فهي تتحول فورا إلى وحش ضار لا يمكن ترويضه، أو كبح جماحه، إلا من قبل سائق خبير في السباقات والسرعات العالية، فهي تشكل تحديا مستمرا لسائقها، بحيث إنها قادرة على التعامل مع المنعطفات الحادة بقسوة كبيرة حتى ولو كانت تسير على السرعة الرابعة في نظام نقل الحركة». وترتكز سيارة «زينفو إس تي آي» على هيكل سفلي (شاسي) من الفولاذ ملبس بألواح من الألياف الكاربونية زيادة في المتانة، أما المحرك العملاق فهو من صنع أميركي لم يكشف النقاب عن صانعه، وإن كان يعتقد أنه من إنتاج «جنرال موتورز» بسبب شبهه بمحرك «كورفيت زد 06». وهو يستخدم شاحنا توربينيا مسيرا بسير للسرعات المنخفضة والعالية معا، وآخر مسيرا بغازات العادم للسرعات العالية، لزيادة قوة المحرك إلى أقصاها من دون الإفراط في استهلاك الوقود. أما ناقل الحركة فهو يدوي سداسي السرعات مع فاصل - قابض (كلتش) ثنائي الألواح من تطوير «زينفو»، في حين قامت شركة «أوهلنز» الخبيرة بأنظمة التعليق بتجهيز «زينفو إس تي آي» بنظام متطور لمخمدات صدمات غازية - هيدرولية يجري تعديلها وفقا للطلب، كما أن نظام التعليق مؤلف من شوكتين مزدوجتين على العجلات الأربع إمعانا في الصلابة. وتتألف المكابح من أقراص فولاذية مهواة، فضلا عن عجلات كبيرة، الخلفية منها أكبر قليلا من الأمامية. صمم شكل السيارة كريستيان براندت، المصمم السابق لسيارات «ألفا روميو»، الذي قال إن التعليمات الأولية التي أعطيت له كانت جعل السيارة تبدو «عدوانية» انسجاما مع قوتها وسرعتها. وهي أطول قليلا من سيارة «بورشه كاريرا جي تي» وأعرض من «لامبرغيني مورسيالاغو». لكن الناظر إليها تبدو متناسقة من كل الجوانب، بحيث إنها تبرك على الأرض أشبه بسيارة «أودي آر8»، فالدنماركيون عرفوا بتقاليدهم وحبهم للأمور المتناسقة والدقيقة، لذلك لم يكن هناك أي تهاون على صعيد الجودة والنوعية، من هنا لا يمكن للمرء أن يستهين بهذه المركبة كونها من إنتاج الدنمارك الذي اشتهر شعبها بالزبدة والألبان، لا بالسيارات من أي نوع.

يبقى القول فقط بأن عزم دوران «زينفو إس تي آي» هو 1055 رطل قدم لدى دوران المحرك بسرعة 4500 دورة في الدقيقة، وهو عزم لم تسجله سيارة رياضية حتى الآن.