ديترويت تتجه نحو السيارات الكهربائية ولكن هل يحذو السائقون حذوها؟

الولايات المتحدة قد تواجه أزمة بطاريات السيارات

شيفروليه «فولت».. تطرح للبيع اعتبارا من عام 2010 («الشرق الأوسط»)
TT

داخل «فورد موتور كومباني» يُطلق مسمى «بروجيكت بي» (أو المشروع ب) على اتجاه جديد، يهدف إلى تصنيع نموذج مبدئي لسيارة تعمل بطاقة تولدها بالكامل البطارية الكهربية.. وذلك في غضون 6 أشهر فقط. وعندما بدأ العمل في هذا المشروع الشهر الماضي، اعتبر هذا المجهود ترتيبا طويل الأمد، يتولاه فريق صغير من المديرين والمهندسين المكلفين بتلك المهمة. ومع كل ذلك، قد يستغرق الأمر سنوات قبل أن يتوصل صناع السيارات إلى تطوير السيارات الكهربية، إلا أن شركة فورد شعرت بالضغط من قبل منافسيها، وقررت أنه لا يمكنها أن تحتل منزلة متأخرة في السباق السريع الجاري حاليا للترويج للسيارات الكهربية في معارض السيارات الدولية. ويقول ويليام فورد، الرئيس التنفيذي للشركة، في مقابلة صحافية أُجريت معه «صراحة، أعتقد أنها مغامرة ألا نقوم بذلك، فمن الواضح أن المجتمع ماض في هذا الطريق». ومن المؤكد أن شركة فورد، وشركات السيارات الأخرى، تراهن بمليارات الدولارات في هذا الاتجاه الجديد، وذلك في وقت لا يمكنها أن تتحمل فيه هذه الأعباء المالية، وفي وقت تتعرض فيه ديترويت لمراقبة حكومية صارمة، بعد تقديم خطة إنقاذ مالية قوامها 17.4 مليار دولار لشركتي «جنرال موتورز»، و«كرايسلر». وفي قاعة ديترويت أوتو شو (معرض ديترويت للسيارات)، تنافست شركات السيارات هذا الأسبوع علي تقديم موديلاتها من السيارات الكهربائية التي تعمل «بالطاقة النظيفة » أمام زوار المعرض. ومع افتتاح المعرض أبوابه أمام الجماهير، أعلنت شركة فورد عن خططها الرامية إلى تصنيع السيارات الكهربائية. وتتضمن هذه الخطط هدفا يتمثل في التخطيط لبيع السيارات الكهربائية بحلول عام 2011. وهذا الأمر يعد مجازفة كبرى، فلا توجد أي ضمانات بأن سائقي السيارات ومقتنيها سيتجهون إلى شراء كمية كافية من هذه السيارات، رغم مخاوفهم الواضحة من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، والاعتماد على النفط الخارجي، وعلى التقلبات غير المتوقعة لأسعار الوقود. وقد يعتري قرارهم شراء السيارات بعض المخاوف، مثل معرفة المسافة التي يمكن للسيارة أن تقطعها بعد عملية شحن كهربائية واحدة؟.

ومع ذلك، قد تحصل شركات السيارات الأميركية على بعض العون من الرئيس المنتخب باراك أوباما، إذ أوضح أنه ملتزم بتشجيع استخدام السيارات الصديقة للبيئة، وأنه قد يطلب بعض الحوافز لتشجيع وحمل المستهلكين والشركات على شراء تلك السيارات. وتخطط شركة فورد لصناعة 10,000 سيارة كهربائية فقط سنويا في بادئ الأمر ـ وهو عدد صغير للغاية بالنسبة إلى مقاييس ديترويت - بغية اختبار مدى قابلية السوق لها.. بحذر. ومع ذلك، فإن اهتمام أوباما، وحجم المشروعات التي قامت بها شركة فورد، وشركات السيارات الأخرى، حمل المدافعين عن البيئة إلى الاقتناع بأن شركات صناعة السيارات جادة بشأن السيارات الكهربائية.

ويقول دانيال بيكر، مدير «سيف كلايمت كامبين» (حملة المناخ الآمن) - وهي جزء من جماعة الدفاع عن حقوق المستهلك، المسماة بـ «سنتر فور أوتو سيفتي» (مركز أمن السيارات): «أعتقد أن أيام السيارات التي تعمل بالبنزين معدودة، حتى وإن كنا لا نعلم عددها بالضبط».

وأصبح التنافس على تطوير السيارات الكهربية يسير على وتيرة سريعة، كما أنه جذب العديد من اللاعبين الآخرين، فشركة تويوتا - التي ركزت جهودها حتى الآن على صناعة وتقديم السيارات الهجين - تعرض سيارة تسير بالقوة الكهربية في معرض ديترويت للسيارات. كما تعهد كارلوس غصن، المدير التنفيذي لشركة نيسان، بطرح السيارات الكهربائية للبيع في الولايات المتحدة واليابان مع مطلع العام المقبل. وبدورهما، تجرب شركتا «ميتسوبيشي»، و«فوجي هيفي إنداستريز» اليابانيتان - وهما الشركتان الأم لشركة سوبارو للسيارات - إنتاج سيارات كهربائية هي الأخرى. ومن جانبها، تعهدت شركة كرايسلر - أكثر شركات السيارات المنكوبة بين مجموعة الثلاث الكبرى - بإنتاج أول سيارة كهربية للشركة بحلول عام 2010. ويبدو أن فورة الاندفاع نحو تصنيع السيارات الكهربية أوجدت استثمارات ناشئة في مجال إنتاج البطاريات المتقدمة في الولايات المتحدة، إذ ستعلن شركة «جنرال موتورز» عن خطط لبناء مصنع بالولايات المتحدة لتجميع البطاريات الحديثة المعدة لسياراتها من طراز شيفروليه « فولت»، التي تتوقع الشركة الشروع في بيعها تجاريا خلال العام المقبل. وجدير بالذكر أن مديري شركات السيارات الأميركية حذروا من أنه بدون وجود موردين محليين للبطاريات، من المحتمل أن تعتمد البلاد على البطاريات آسيوية الصنع، مثلما هو الحال بالنسبة لاستيراد النفط من الشرق الأوسط، والكثير من المناطق الأخرى. ويقول بريت سميث، المحلل الصناعي في «سنتر أوتوموتيف ريسيرش» (مركز أبحاث السيارات) في آن آربور بولاية ميتشغان: «لا يمكن لصناع السيارات أن يتحملوا شراء البطاريات، حتى يتم إنتاجها بالقدر المطلوب، كما أنهم لا يمكنهم إنتاجها بالقدر المطلوب، حتى تتجه الشركات إلى تقديم استثمار صناعي كبير».

ويتعين أن يكون الطلب القوي من جانب المستهلك جزءًا من هذه المعادلة أيضا. ومازال من غير الواضح.. هل سيكون المستهلكون مستريحين ومستسيغين فكرة شراء سيارة كهربائية، أم لا، وهل سيتم تسعير تلك السيارات لتتنافس مع الموديلات الأخرى المناظرة لها العاملة بالوقود العادي، أم لا. ولم توضح شركة فورد كم ستتكلف سيارتها الكهربائية. جدير بالذكر أنه من المتوقع أن يبلغ ثمن السيارة شيفروليه فولت حوالي 40.000 دولار. ويقول ديريك كوزاك، مدير تنمية الإنتاج العالمي بشركة فورد: «إنه الوقت الملائم لاتخاذ هذه الخطوة، لكنه من المفترض محاولة توقع كيف سيكون السوق في النهاية». وحتى الآن، أثبت المستهلكون تقلبهم بشأن مدى اهتمامهم بالاقتصاد في استهلاكهم للوقود، فحين ارتفعت أسعار الوقود العام الماضي إلى أكثر من 4 دولارات للغالون، ارتفعت مبيعات السيارة «بريوس» الشعبية بسرعة في السوق، رغم أن شركة «تويوتا» لا تملك إمكانات تصنيع هذه السيارة بالسرعة الكافية لتلبية الارتفاع السريع في الطلب، إلا أن الطلب على هذه السيارة عاد إلى الانخفاض، تدريجيا، مع انخفاض أسعار الوقود إلى دون الدولارين للغالون. ويعتقد محللو الصناعة أيضا أن تسويق موديلات السيارات الكهربائية قد يكون أصعب من تسويق السيارات العادية، حتى مقارنة بالموديلات الهجين، ومرد ذلك إلى أن السيارات الهجين مزودة بمحركات تعمل بالبنزين؛ تساعد سير السيارة إلى أن يتسنى إعادة شحن بطارياتها، الأمر الذي يعفيها من الحاجة إلى المسارعة في إعادة شحنها بالكهرباء.

وتحتاج أغلب الموديلات الكهربية المتوقع إنتاجها إلى أن تجري إعادة شحنها لعدة ساعات؛ لتتمكن من تغطية قيادتها طوال اليوم. وتقدر شركة فورد أن سيارتها ستحتاج إلى فترة 6 ساعات من الشحن على الأقل، لتأمين رحلة يصل مداها إلى 100 ميل. ويمكن للسيارة «فولت» أن تسير لمسافة 40 ميلا ـ على الأقل ـ بطاقة البطارية وحدها، فضلا عن أنها مزودة بمحرك صغير يعمل بالبنزين، يساعد على استمرار سير السيارة لغاية بلوغها أقرب مولد كهربائي لإعادة الشحن من جديد. وطبقا لآخر الإحصاءات الفيدرالية.. يقود الأميركيون سياراتهم لمسافات لا تقل، في المتوسط، عن 35 ميلا في اليوم. ومن المحتمل أن تستغل صناعة السيارات هذه الإحصاءات في حملاتها الإعلانية عن تلك السيارات. ومن المحتمل أن نرى الكثير من العائلات تعتمد على سيارتين.. سيارة عادية، وأخرى كهربائية تُخصص لتنقلاتها لمسافات قصيرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»