اختيار اللبناني لسياراته تتحكم فيه عوامل مادية ونفسية واجتماعية

المراهقون يفضلون السريعة والراشدون المتوسطة المقتصدة.. والميسورون يتسابقون على علامات الفخامة والضخامة

TT

الشعوب، مثل الأفراد، لها مزاجها واختياراتها، وميولها. وهذا الأمر ينطبق على كل الحقول والمجالات، ولا سيما قطاع السيارات. وقد تجد شعبا يؤثر طرازا معينا من السيارات، وقد تجد سيارة أخرى تنتشر أكثر من غيرها لدى شعب آخر. ولكن من يمحص إحصاءات السيارات في لبنان ويعاين صفوفها في شوارع العاصمة وعلى الطرقات خارجها يدرك أن اللبنانيين، مثل غيرهم من الشعوب، يبدلون من اختياراتهم في اقتناء السيارة، وفق الظروف المتغيرة.

في فترة ما قبل الحرب اللبنانية (1975 – 1990) كانت الطرازات الأوروبية هي السائدة في لبنان في ضوء تنوع أسعار عملاتها وانخفاضها نسبيا، وفي ضوء الانفتاح التقليدي للبنان على القارة القديمة. وكانت سائدة على المستويين: العمومي والخصوصي، فيما كانت الطرازات الأميركية خيار القطاع الخصوصي والميسورين لكون هذه الطرازات كبيرة الحجم وغير موفرة في الطاقة في مقابل ما توفره من الراحة والقوة. أما في المراحل الأخيرة من الحرب، وما بعدها، فقد احتلت الطرازات اليابانية الساحة اللبنانية بالنظر لتنوع أحجامها الصغيرة والمتوسطة، وما توفره من الطاقة، وما تتيحه وكالاتها من تسهيلات في الدفع وانخفاض في السعر قياسا إلى السيارات الأميركية ولا سيما الأوروبية التي أصبحت أسعارها في غير متناول معظم اللبنانيين بسبب ارتفاع سعر صرف اليورو إزاء الدولار وبالتالي الليرة اللبنانية، وحتى الشريحة التي «أدمنت» شراء الطرازات الأوروبية انصرفت إلى استيراد المستعمل منها من الولايات المتحدة بسبب تراجع سعر صرف الدولار إزاء اليورو.

وإذا كان عام 2008 هو عام مميز على صعيد المبيعات بحيث بلغ العدد الإجمالي المبيع من السيارات الجديدة 33 ألف سيارة مقابل 19 ألفا كمعدل سنوي في السنوات العشر الأخيرة، فإن الطرازات اليابانية ظلت في موقع الصدارة إذ استحوذت، بحسب إحصاءات الشهر السابع من العام الماضي، على 45.6% من إجمالي المبيعات، تلتها الطرازات الأوروبية بنسبة 26.7%، والكورية الجنوبية بنسبة 18.1%، والأميركية بنسبة 9.2%، والصينية بنسبة 0.18%، والملاحظ في مجمل إحصاءات العام الماضي أن مبيعات الطرازات الأميركية سجلت أعلى نسبة (152.9%) بسبب ضعف الدولار إزاء اليورو وسائر العملات، تلتها مبيعات الطرازات الكورية بنسبة 122.4% بسبب التسهيلات في السعر والدفع. وجاءت الزيادة في المبيعات اليابانية في المرتبة الثالثة بنسبة 93.3%، فزيادة المبيعات الأوروبية بنسبة 77.2% في حين لم تتعد نسبة الزيادة في المبيعات الصينية 7.4%.

وبحسب ترتيب الطرازات تناوبت كل من «نيسان» و«تويوتا» المرتبة الأولى في المبيعات على مدى العام الماضي، فيما احتلت «كيا» و«هيونداي» الكوريتان المرتبتين الثالثة والخامسة وبقيت «بيجو» الفرنسية في المرتبة الرابعة.

ويكفي أن تدخل إلى إحدى صالات العرض الخاصة بهذه السيارات في لبنان حتى تجد زحمة المشترين والمستطلعين والسائلين عن الأسعار والتسهيلات، يقابلها زحمة موظفين لا يستطيعون حك رؤوسهم، كما يقول المثل اللبناني، وبالكاد يصغون إلى أسئلتك، ويجيبونك بخير الكلام ما قل ودل.

ويمكن تقسيم طلاب السيارات إلى ثلاث فئات وهم: المراهقون، والراشدون، والنخبة.

فبالنسبة إلى المراهقين ـ والمراهقات طبعا ـ يختارون السيارات السريعة، أو «الشبابلية» كما يقولون. ولا هم عندهم حيال السعر أو الحجم، «المهم أن الوالد هو الذي يدفع»، كما يقول أحدهم. ويقول آخر: «تهمني سيارات «السبور» ذات الراكبين بصورة خاصة، ولكن اختيار الحجم والسعر يتوقف على موازنة الوالدين، وإذا تعذر الشراء بالمبلغ المتوفر أذهب إلى السيارات المستعملة، ولا سيما منها ما يلبي الحاجة إلى (التشفيط) كالـ«بي. ام. دبليو» على أنواعها». أما الهادئون والهادئات من المراهقين فيختارون السيارات الصغيرة، التي توفر الوقود، وتستطيع اختراق زحمة السير والوقوف حتى في الزواريب الضيقة.

أحد الطلاب الجامعيين اختار سيارة «سمارت 42» العائدة إلى تشكيلة المرسيدس لأنها، كما يقول، «لا تستهلك الكثير من الوقود (صفيحة واحدة في كل 400 كيلومتر). وهي صغيرة الحجم والوحيدة في لبنان ذات الراكبين، وتوفر التنقل السهل داخل العاصمة والمدن، وبالإمكان الصعود بها إلى الجبل، ولا تنزلق على الثلج، وسعرها في متناول اليد، وخضعت مثل الكثير من السيارات الصغيرة لعروض بيع مغرية».

طالبة أخرى اختارت «بيجو 107» الصغيرة الحجم وعزت اختيارها إلى كونها اقتصادية (400 كلم/صفيحة)، ومجهزة بأحدث الخدمات، وسهلة التصليح، «والأهم من كل ذلك مشاركتها في موجة التسهيلات والعروض في السعر والدفع». ومن سيارات الطلبة الصغيرة أيضا «سيتروين CA» ذات الثلاثة سيلندرات والعشر أحصنة، والباب الواحد والـ«ABS»، والكيسين الهوائيين والزجاج الكهربائي، وبالأخص الاقتصادية وذات السعر المقبول (نحو 12 ألف دولار).

أما الراشدون من أرباب الأسر والموظفين والمعلمين، رجالا ونساء، فيختارون السيارات المتوسطة الحجم والمقبولة السعر، ويركزون على الناحية الاقتصادية في مشترياتهم. يقول أحد الموظفين: «سيارتي القديمة صارت تعذبني، فقررت أن أستبدل بها سيارة تويوتا كورولا الجديدة، مقسطة على خمس سنوات وفي فترة عرض خاص لم يتجاوز السعر فيه 22300 دولار». ربة منزل (زوجة مهندس) اختارت «نيسان» نوع «صاني» «لأنها ذات حجم مقبول، وشكل جيد، وقدرة توفيرية وتسهيلات جمة مع عروض مغرية». سيدة أخرى (زوجة مدير أحد الفروع المصرفية) اختارت جيب «هوندا» «لأنه عائلي، وسعره في متناول اليد، وإصلاحه غير معقد، وقطع الغيار الخاصة به متوافرة على نطاق واسع».

وفي خضم المعركة القاسية التي تخوضها المصانع الأميركية لطرح السيارات المتوسطة والصغيرة الحجم، واستعادة ما فقدته من حصص السوق نتيجة الهجمة اليابانية والكورية، يحاول وكلاء هذا النوع من السيارات الأميركية استعادة بعض ما خسروه في السوق اللبناني أمام الزحف الياباني والكوري. وإذا كانوا قد حققوا بعض النجاح فإنهم لم يستطيعوا التقدم إلى المرتبة الأولى ولا حتى إلى المراتب الخمسة الأولى. ويقول أستاذ جامعي: «لقد استبدلت بسيارتي الأوروبية سيارة أميركية من نوع شفروليه «سبارك» لأنني كنت دوما أطمح إلى السيارات الأميركية، ولكن سعرها العالي وضخامتها كانا يحولان دون شرائي واحدة منها، أما الآن فأصبح الحجم والسعر في متناول يدي، فضلا عما تمتاز به السيارة الأميركية بالمطلق من راحة ومتانة». وتقتضي الإشارة إلى ان علامة شفروليه شهدت نموا بنسبة 133% خلال الشهور التسعة الاولى من عام 2008. أما تشكيلتها الصغيرة نسبيا من نوع «سبارك» و«آفيو» و«اوبترا» و«ابيكا» فقد حققت نموا بنسبة 207%.

تبقى فئة النخبة من رجال الأعمال والسياسيين والكوادر العليا، الذين يفضلون السيارات الضخمة من طراز «مرسيدس» و«هامر» و«بي.ام.دبليو» بالإضافة إلى السيارات الكبيرة والفخمة الأوروبية والأميركية.

تجدر الإشارة إلى أن طرازات «مرسيدس» المختلفة، المستعمل منها والجديد بقيت لفترة طويلة نجمة الشوارع في بيروت وسائر المدن والمناطق في مجال نظام النقل المعروف «بالسرفيس» والتاكسي «لأنها متينة وتصمد»، بحسب قول احد سائقي السرفيس القدامى. أما اليوم فتحول السائقون العموميون إلى السيارات الصغيرة، والاقتصادية، والسعر المقبول. أحد السائقين يقول: «لقد اخترت تويوتا «افانزا»، لأنها اقتصادية، وهي الوحيدة ذات السبعة ركاب، والمقبولة الحجم».