بريطانيا مرشحة لانطلاقة ثورة السيارات الكهربائية في أوروبا

سيارات لندن «تتكهرب»

موقف خاص للسيارات الكهربائية في العاصمة البريطانية (تصوير: حاتم عويضة)
TT

يتوقف مستقبل السيارات الكهربائية التي تسير على البطاريات على تغيير البنية الأساسية لمحطات الوقود وتحويلها، أو تحويل بعضها إلى محطات لشحن هذه البطاريات، أو استبدالها بواحدة مشحونة سلفا. ومثل هذه العملية كبيرة ومكلفة جدا، وقد تتطلب تقنيات متطورة ومعقدة، لكن يبدو أن بعض بلدان العالم ماضية في هذا السبيل منذ العام الماضي، بحيث قد نرى مثل هذه المحطات في المستقبل القريب جدا. وحتى البطاريات الحديثة المصنوعة من الليثيوم المؤين تنفد شحنتها بعد قطع مئات الأميال، إلا إذا كانت الرحلة المقطوعة تبتدئ من المنزل، وتنتهي به. من هنا تخطط شركة «إيفويسيس» في الولايات المتحدة لإنشاء مثل هذه المحطات.

ويعتمد تصميم هذه الشركة الرائدة على إقامة محطات، تستوعب كل منها 24 نقطة شحن، أي 24 سيارة في وقت واحد، عن طريق تيار كهربائي تصل شدته إلى440 فولت - لا 220 فولتا كالعادة - بحيث يمكنه شحن السيارة خلال 20 دقيقة فقط. وبسبب الأخطار المحدقة بمثل هذه «الفولتية» العالية، فان عملية الشحن ستجري على أيدي خبراء من موظفي المحطة، في حين يمضي أصحاب هذه السيارات، أو سائقوها هذه الفترة القصيرة في احتساء القهوة والشاي اللذين يقدمان إليهما مع مشاهدة التلفزيون وتصفح بعض الجرائد والمجلات. وسيكون هناك في الطابق الأعلى أجهزة كومبيوتر لتمضية هذا الوقت القصير على الإنترنت والتراسل بالبريد الإلكتروني. وقد اختارت هذه الشركة الأميركية العاصمة لندن لتشييد محطتها الأولى، نظرا إلى كثافة السكان، ولأنها كانت الأولى التي شرعت منذ فترة في إقامة نقاط شحن مبسطة بواسطة مجلس بلدية ويستمنستر، بشكل خاص، التي أقامت 60 نقطة خاصة بها مركبة في مواقف السيارات، ونحو 28 نقطة أخرى في بعض الشوارع والطرق المعينة.

ويدفع المشتركون من أصحاب السيارات الكهربائية أو مستأجريها، 75 جنيها استرلينيا سنويا كرسوم تتيح لهم فك نقاط الشحن، ومد الكابل إلى السيارة ليتلقوا، في ما بعد، فاتورة بالتيار الكهربائي المستهلك. لكن المشكلة هنا أن نقاط الشحن تشابه المآخذ الكهربائية الموجودة في المنازل، مما يعني أن عملية الشحن في الشارع قد تستغرق ساعات بكاملها. وهذا يعني ترك السيارة من دون رقابة طوال هذه المدة، والكابل موصول فيها. ومحطات الشحن الكهربائية «إيفويسيس» هذه التي يجري تطويرها بالاشتراك مع شركة «إي بي آر أرتيتيكت» قد تكون الحل المناسب للسيارات التي تسير بالكامل على التيار الكهربائي. ومن المتوقع افتتاح أول ست محطات من هذا النوع قبل نهاية العام الحالي، على حد قول أنغوس كلارك المدير التنفيذي لشركة «إيفويسيس»، الذي يفضل أن تكون قريبة من محطات السكك الحديدية التي تتطلب عادة طاقة كهربائية كبيرة لتسيير قطاراتها، والتي تستمدها من الشبكة العامة، والتي تسير جميعها اليوم بهذه الطاقة.. فالكهرباء اليوم باتت الطاقة الأولى والرئيسية في جميع المرافق الأوروبية، وليس قطاع النقل فحسب. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن ولاية كاليفورنيا، التي هي أكثر الولايات الأميركية حرصا على استخدام الطاقة النظيفة، تستخدم التيار الكهربائي لتشغيل غالبية رافعاتها وشاحناتها الثقيلة، بدلا من محركات الديزل، وذلك عن طريق شبكة مؤلفة من خمسة آلاف نقطة شحن موجودة في المناطق التجارية والصناعية، حيث يقوم مشغلوها بشحنها طيلة الليل، مع تعزيز طاقة الشحن هذه أثناء فترة الغداء.

وستحاول شركة «إيفويسيس» أيضا جعل شركات تأجير السيارات تشارك في مشروعها هذا، عن طريق تأجير سياراتها الكهربائية من محطات السكك الحديدية التي تقع بقربها نقاط الشحن هذه، أي أنه في حال نزول الراكب من القطار ليقصد المدينة، يستأجر سيارة كهربائية صغيرة مشحونة سلفا يتجول فيها خلال اليوم، قبل أن يعيدها إلى المحطة ويأخذ القطار عائدا إلى بلدته . وتعهدت شركة «إيفويسيس» أن تستعين بالطاقة الكهربائية الخضراء كلما كان ذلك ممكنا، أي الطاقة المستمدة من حركة الرياح، أو أمواج البحر، أو أشعة الشمس، أو غيرها، لكنها تزعم أن السيارات جميعها في بريطانيا يمكنها أن تسير عن طريق الطاقة المولدة بواسطة 5000 طاحون هوائي مدعومة جميعها بألواح الخلايا الشمسية التي ستركب على سطوح المحطات. وقد يكون هذا الأمر صحيحا، لو طبق هذا المبدأ في منطقة سان دييغو المشمسة في ولاية كاليفورنيا، مقر هذه الشركة الرائدة، أو مناطق أخرى في العالم العربي، لا في بريطانيا، حيث الشمس غائبة معظم أيام السنة. وتقول الشركة إن كل محطة من محطاتها ستؤسس لها مخزونا كاملا من بطاريات السيارات، القديمة منها والجديدة، لتشحنها في أواخر الليل عندما يكون معدل الاستهلاك الكهربائي متدنيا. ويؤكد كلارك أنه حتى بطاريات السيارات القديمة تحتفظ بقدرتها على تخزين نحو 65 في المائة من سعتها التخزينية الأصلية، مما يعطيها سنوات إضافية من العمل.

بيد أن بلدانا أخرى كالدانمرك مثلا تتطلع إلى أساليب شحن مختلفة، فقد انطلقت بمشروع قيمته 95 مليون جنيه استرليني لتأسيس شبكة شحن كهربائية كبيرة على طول البلاد. وقد استعانت لهذا الغرض بشركة «بيتر بلايس» الإسرائيلية لجعل محطات هذه الشبكة تقايض هذه البطاريات المشحونة بتلك الفارغة، لقاء رسم معين. وتجري هنا الاستعانة بأجهزة الملاحة الإلكترونية عبر الأقمار الصناعية (جي بي إس) لجعل السائقين، بعد قطعهم مسافة 100 ميل أو أكثر قليلا، وبالتالي بعد أن توشك شحنة بطارياتهم على النفاد، يعثرون بسهولة على مثل هذه المحطات لمقايضة بطارياتهم بأخرى مشحونة، وذلك خلال دقائق لا تتعدى عملية تعبئة خزان الوقود في السيارة العادية بالبنزين. وتكون هذه البطاريات مشحونة بأسلوب أخضر صديق للبيئة.

وعملية شحن البطاريات بالكهرباء المستمدة من الأشعة الشمسية عملية تناسب العالم العربي الغني بهذه الأشعة التي قد تثبت الأيام أن قيمتها لا تقل عن قيمة البترول تقريبا. من هنا يخطط تحالف شركتي «رينو -نيسان» للسيارات عرض سيارات كهربائية بالكامل لأغراض البيع والإيجار في بعض البلدان، ومنها أيضا العالم العربي، كما هو متوقع، بداية من عام 2011.

وعلى الرغم من حماس شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة لإنتاج السيارات الكهربائية، إلا أن الخبراء لا يعتقدون أن الولايات المتحدة صالحة لها بالنظر إلى مساحاتها الشاسعة والمسافات الطويلة التي ينبغي على السيارات قطعها من وجهة إلى أخرى، إلا إذا تمكنت هذه الشركات من تحقيق اختراق تقني كبير، والخروج ببطارية تستطيع أن تجعل السيارة تقطع 450 كيلومترا، أو ما يزيد، في الشحنة الواحدة. ولكن الخبراء يؤكدون أن دولا مثل بريطانيا، خلافا لأميركا، تناسبها السيارات الكهربائية التي ستطرح على الطرقات في المستقبل القريب، بالنظر إلى قرب المسافات، واكتظاظها بالسكان. من هنا، فإن بريطانيا هي المرشحة الأولى لانطلاق ثورة السيارات الكهربائية، وبالفعل شرعت وكالات بيع السيارات منذ الآن في إعداد العدة لمثل هذه الثورة المقبلة.