اعتماد نظام «الباركمتر» في شوارع بيروت عزز «سرقة» المواقف وجيوب السكان

هل حلت العاصمة اللبنانية مشكلة الازدحام.. أم عقدته؟

TT

من ينظر إلى بيروت من الجو يظن نفسه أمام مرآب كبير، يتكون من السيارات المتوقفة على جوانب الطرقات والشوارع، والسيارات المتوقفة وسط الشوارع بفعل زحمة السير، التي بلغت ذروتها مع غياب التنسيق بين الإدارات الرسمية في مجال الأشغال العامة، الذي أخرج وزير الداخلية زياد بارود، عن هدوئه في الآونة الأخيرة مهددا المتعهدين والإدارات الرسمية.

وإذا كان من المتعذر وضع حل جذري لزحمة السير في بيروت، وبالتالي لندرة المواقف العامة والخاصة، ارتئي اللجوء إلى نظام العداد الآلي، أي «الباركمتر»، في وسط بيروت بصورة خاصة، وبعض الشوارع خارج هذا الوسط، ولا سيما الشوارع القديمة التي تخترق غابات من الأبنية القديمة، التي لم يكن القانون يفرض عليها تخصيص مواقف للسيارات، التي تحولت إلى شوارع سكنية وتجارية، وفي الوقت نفسه ساهمت في زيادة عدد عابريها والمترددين إليها من دون استحداث أي مواقف جديدة للسيارات. ولكن هل حل العداد الآلي مشكلة مواقف السيارات في شوارع بيروت؟

الجواب يختلف بين وسط بيروت التجاري وخارج الوسط. فبالنسبة للوسط التجاري، يقول أحد المسؤولين في بلدية بيروت: «إن الباركمتر جاء لينظم زيارات الزبائن والرواد، ومكملا للمواقف الكثيرة المنتشرة في أرجاء الوسط، وتعود في معظمها للعاملين والموظفين في الشركات والمؤسسات القائمة في المنطقة. أما الذين يكتفون بزيارة قصيرة للوسط من أجل لقاء أو شراء سلعة ما فإنهم يفضلون دفع 500 ليرة للباركمتر لمدة نصف ساعة، على أن يدفعوا 250 ليرة ثمن التوقف في الموقف العمومي، إذا توفر مكان للتوقف نهارا». ويضيف المسؤول، أن الباركمتر في الوسط حل أيضا المشكلة التي كان يعاني منها أصحاب المحال التجارية، لجهة عدم عثور الزبائن على مواقف لركن سياراتهم.

أما خارج وسط بيروت التجاري، فكان الحل مشكلة لفئة من الناس وحلا جزئيا لفئة أخرى. وبمعنى آخر مشكلة للسكان وحل لأصحاب المحال التجارية. وقد استثنيت شوارع الأشرفية (شرق العاصمة) من هذه الازدواجية، وكان «الباركمتر» حلا لأصحاب المحال التجارية على غرار ما هو بالنسبة إلى شوارع وسط بيروت، باعتبار أن النظام الجديد اعتمد في الشوارع ذات الطابع التجاري، وعلى جانب واحد من هذه الشوارع. ولكن العداد الآلي لم يشكل حلا للشوارع المكتظة بالبنايات القديمة الخالية من مواقف السيارات، التي تجمع بين السكن العائلي والتجاري، كما هي الحال في شارع «الجميزة»، الذي يشهد ضغطا هائلا من الرواد، كونه تحول إلى شارع سياحي وتجاري، إلى جانب كونه منطقة سكنية، ولطالما حصلت تظاهرات بثياب النوم في هذا الشارع احتجاجا على الضجيج الذي تسببه الأندية الليلية والمطاعم والمقاهي، فكيف بالحري اليوم مع استحالة عثور القاطنين في تلك المباني على موقف يركنون فيه سياراتهم؟

وما ينطبق على شارع الجميزة ينطبق على شوارع منطقة «مار مخايل» (شمالي مرفأ بيروت)، التي تغيب فيها المواقف العمومية وحتى الخصوصية بالكامل، باستثناء موقف خاص للمشتركين الشهريين من سكان الحي، الذي لا يتسع لأكثر من 60 سيارة، وموقف صغير للعموم لا يستوعب سوى عدد محدود من السيارات.

وبعد اعتماد العداد الآلي في بعض هذه الشوارع، بات السكان يتسابقون صباحا لنقل سياراتهم من الشارع العام إلى الشوارع الفرعية، تجنبا لدفع بدل إيقاف سياراتهم أمام منازلهم، التي تقع في الشوارع العامة، علما أن الموظفين العاملين في مؤسسات المنطقة يتهافتون باكرا إلى مراكز عملهم بحثا عن موقف لسياراتهم، وكأنهم في حالة سباق يومي مع السكان.

وربما كانت ربات البيوت هن اللواتي يدفعن أكثر من غيرهن «ثمن» هذا الحل، باعتبار أنهن لا يخرجن بسياراتهن نهارا إلا لساعات محدودة، ثم يعدن ليوقفنها أمام منازلهن ضمن الخط الأبيض المرسوم، ويدفعن بدلا يوميا يصل في بعض الأحيان إلى 8 آلاف ليرة. وتقول إحدى السيدات في هذه المنطقة: «لا أعرف كيف يحلون مشكلة ناس على حساب ناس آخرين. وصدقني أنني أدفع يوميا بدل ركن السيارة بقدر ما تكلفني الوجبة اليومية».

ويختصر صاحب محل المجوهرات في الجميزة ايدي مزنر، مشكلة «الباركمتر» في هذه المنطقة بالقول: «أنا أقطن هذه المنطقة منذ عام 1967. ولم نكن نعيش المشكلة التي نعيشها اليوم. فكثيرا ما أضطر للبقاء في منزلي لعدم عثوري على موقف أركن فيه سيارتي. وإذا عثرت أضطر لدفع 8 آلاف ليرة يوميا. هذا حل بالنسبة إلي كصاحب محل تجاري، ولكنه مشكلة معقدة لي أيضا كقاطن في المنطقة».