دونكرفورت.. سيارة هولندلة تنافس نماذجها الأولية «أستون مارتن» و«بورشه»

تجمع بين خفة الوزن والسرعة العالية والمحرك الصغير

دونكرفورت.. التحدي الهولندي للسيارات الرياضية العريقة («الشرق الأوسط»)
TT

اشتهرت هولندا بطواحينها الهوائية، وترعها المائية، وأجبانها، وأبقارها، ومقاهيها، وزهورها التي تصدرها إلى العالم كله، ولم يعرف عنها أنها تميزت في صناعة السيارات، وخصوصا الرياضية منها، إلى أن قررت شركة هولندية إنتاج ماركة مختلفة منها كل عام تقريبا. وجديد هذا العام سيارة سباق خفيفة الوزن جدا، لكنها سريعة وقوية، يمكن مقارنتها تقريبا بسيارة السباقات الكبرى «فورميولا وان».

اسم هذه السيارة «دونكرفورت دي8 جي تي»، وتنتجها شركة من بدايات متواضعة، إذ إنها باشرت أعمالها في عام 1978 باسم «دونكرفورت». وما كادت تنقضي فترة وجيزة على بدء نشاطها، حتى أصبح لها عدد من المعجبين بإنتاجها، ليس في هولندا فحسب، بل في جميع أنحاء أوروبا أيضا، بعد أن عمدت إلى استنساخ سيارة «لوتس سيفين» الباهظة السعر بهندسة متواضعة، وخفضت سعرها، بحيث باتت في متناول جيل الشباب من عشاق السيارات الرياضية.

لم تتوفر معلومات عما إذا كان هذا «الاستنساخ» قد جرى باتفاق بين الطرفين، ولكن الشركة الهولندية الصغيرة استمرت في النجاح كمشروع عائلي بامتياز، فمؤسسها والمصمم الرئيسي فيها، جووب دانكرفورت هو رئيس الشركة، وابنه دينس يشارك في السباقات بسيارات الشركة ،ويختبر طرازاتها الجديدة. أما ابنته «عنبر»، فقد تخصصت في إدارة شؤون مكتب الشركة، والاهتمام بالنواحي الإدارية المتعلقة بها. واستطاع هذا الثلاثي العائلي إنتاج أكثر من ألف سيارة من مصنع الشركة الصغير في ليليشتادت في شمالي هولندا.

وما بدأ بنسخ رخيصة الثمن لسيارات أخرى، تحوَّل إلى سيارات رياضية ذات سمة خاصة تتميز بها. ففي السباق الأخير للاتحاد الأوروبي لرياضة السيارات FIA GT4 استطاعت النماذج الأولية من «دونكرفورت دي بي جي تي» التي هي أحدث طرازات سيارات هذه الشركة الهولندية الصغيرة الناشئة أن تنافس، بل تقارع سيارات أكبر حجما وقوة منها، مثل «أستون مارتن»، و«بورشه». وكل ذلك بفضل وزن المركبة الخفيف، ومحركها الصغير المشحون توربينيا لتعزيز قوته. واستطاعت في إحدى لفات السباق، الذي تعتبر حلبته البالغ طولها 13 ميلا في نيوربيرغرينغ الأصعب في العالم، أن تحتفظ لبرهة بالرقم الأعلى في السرعة.

والعامل الحاسم في سرعة «دي8 جي تي» هو وزنها الخفيف جدا الذي يقل عن 650 كيلوغراما، والذي يقل حتى عن وزن سيارات «الفورميولا وان» مع سائقها. والسر في خفة الوزن هنا هو الألياف الكربونية التي صُنع منها الهيكل الأساسي (الشاسي)، الذي تنتجه «أدفانسد كومبوزايتس غروب»، الشركة المتخصصة في تصنيع مواد المركبة، التي يقع مقرها في بلدة بلايتي في بريطانيا، وهي إحدى زبائن شركة «ماكلارين» الشهيرة لسباقات الجائزة الكبرى.

ويتضافر مع خفة الوزن هذه، الأداء العالي والاقتصاد في الوقود، والعديد من الميزات الأخرى.. ولكون الألياف الكربونية هذه التي تتصف بالمتانة الشديدة، وبأنها مادة لا تصاب بالتلف عادة، عالية الكلفة جدا، فإن السعر الأولي لهذه السيارة المتينة هو 89 ألف يورو (79 ألف جنيه إسترليني).

وتركيب هيكل السيارة يتصف بالبساطة الكلية، فهو عبارة عن صفائح رقيقة من الليف الكربوني الملتف حول أجزاء السيارة بطريقة ديناميكية عالية، مما يوفر لها انسيابية كبيرة في مقاومة الهواء أثناء السرعات العالية، مع خفض كبير في استهلاك الوقود. وما على السائق سوى أن ينزلق إلى مقعد القيادة ويسحب الباب الرقيق (هو من خفة الوزن بحيث إن الريح تحركه إذا كان مفتوحا) وهو ينفتح إلى الأعلى ليغلقه عليه قبل أن يطلق العنان لمحرك الـ«أودي» المشحون توربينيا سعة 1.8 لتر، بقوة 270 حصانا، وبعزم دوران يبلغ 260 رطل قدم لدى دوران المحرك 4000 دورة في الدقيقة. والأخير يصل إلى سرعة 62 ميلا في الساعة، من حالة السكون، وذلك خلال أربع ثوان فقط، وهو إنجاز يقارب أفضل طرازات «بورشه»، و«فيراري»، وإنْ كان لا يستطيع تحقيق سرعة قصوى تقاربها، لكونها، أي الأخيرة مجهزة بمحركات أكثر قوة من «دي8 جي تي» بكثير. ويصاحب هذا التسارع العنيف الذي يحقق سرعة قصوى تصل إلى 155 ميلا في الساعة صوت عال جدا أشبه بالزئير الذي يملأ حجرة السيارة الصغيرة التي تتسع لراكبين. وكل سرعة من السرعات الخمس لناقل الحركة يصاحبها ضجيج من نوع مختلف، يضفي على القيادة شعورا بالقوة والنشاط، ولكن حالما ترفع قدمك عن دواسة البنزين، حتى تبطئ السيارة في سيرها، كما لو جرى الضغط على المكابح، والسبب أنها لا تملك زخما كبيرا بسبب خفة وزنها، فالأجسام الثقيلة فقط تستمر في الانطلاق، وتتطلب كبحا قويا لإيقافها عن الحركة. وهذه الميزة التي تتفرد بها هذه السيارة تعزز من فعالية مكابحها إلى أقصى الحدود.

ونظرا إلى خفة السيارة، لا يحتاج مقودها إلى مؤازرة آلية، لكن ذلك يجعل أي حركة منه، حتى ولو كانت طفيفة، تتسبب في انعطاف السيارة بشدة، مما يتطلب من سائقها أن يكون حذرا جدا أثناء قيادتها. والذي يضاعف ذلك أيضا خفة الوزن التي تجعلها تقفز أحيانا، وتحوم كالريشة. ويقوم الترس التفاضلي المحدود الانزلاق بالحد من جموح السيارة أثناء الانعطاف، وهي خاصية تتصف بها عادة السيارات العالية الأداء. ويقول صانعها «إن هذه السيارة قادرة على تحقيق سرعة أعلى بكثير من 155 ميلا في الساعة، لكن نظام التعليق الذي صمم لغرض الأمان بالدرجة الأولى يحد من سرعتها القصوى، فضلا عن وجود نظام أمني إلكتروني خاص بالسلامة، يحول دون التطرف في القيادة والسرعة».

وسيارة «دي8 جي تي» ليست مخصصة فقط للسباقات، بل للميسورين أيضا الراغبين في استخدامها على الطرق العادية، بحيث يوجد حيز خاص مسقوف للأمتعة، وتنجيد داخلي من الجلد. ولكن كل هذه المميزات، وخاصة في ما يتعلق بتخفيف الوزن، لم تكن من دون تضحيات.. فمقابض الأبواب من الأسلاك، مع وجود نظام صوتي - سمعي ضعيف، خاصة في مقصورة غير مريحة للمسافات الطويلة، مليئة بالضجيج المستمر. وهناك خيار للحصول على مكيف هواء مبسط، تبلغ زنته ستة كيلوغرامات فقط. وهذه المركبة تقطع مسافة 28 ميلا في الغالون الواحد من البنزين، وتطلق 186 غراما من ثاني أكسيد الكربون في الكيلومتر الواحد. وفي الوقت الذي ينشغل فيه سائر الصانعين الآخرين للسيارات في إنتاج سيارات هجين، قرر أصحاب هذه الشركة الهولندية إنتاج شقيقة صغيرة لها تستخدم محرك «فولكسفاغن» الصغير الذي يستهلك وقودا أقل، ويصدر عادما ضئيلا.