«فولت» نقلة نوعية من السيارة الكهربائية إلى المركبة الكهربائية ذات المدى الطويل

«شيفروليه» تريدها أقوى وأكثر تعقيدا من مثيلاتها الأوروبيات واليابانيات

«فولت».. مشروع إنقاذ مزدوج («الشرق الأوسط»)
TT

شرع في تطوير السيارة الكهربائية منذ عقد من الزمن تقريبا ولكن أغلبية النماذج التي أنتجت حتى الآن لم تكن سوى مجرد مركبات بدائية، أو ما يشبه الدراجات الهوائية رباعية العجلات، أي عربات بسيطة جدا بغطاء بالكاد يمكن تسميتها «سيارات». ومع ذلك كانت أسعارها لا تقل عن 10 آلاف جنيه إسترليني في بريطانيا مثلا.

ولكن هذا الوضع بدأ يتغير بعدما عمدت كبريات شركات السيارات العالمية إلى تطوير هذه الصناعة الجديدة كليا، لا عن طريق تحوير أو تعديل طرازات موجودة سلفا لديها وتحويلها إلى كهربائية، بل عن طريق صنع سيارات كهربائية من الأساس. وهذا سيعني، لأول مرة، إنتاج مركبات نظيفة من انبعاثات العادم، وانعدام التلوث كليا، ومراعاة البيئة إلى أقصى الحدود الممكنة، وبالتالي محاولة إنقاذ الكرة الأرضية مما يتوقع كثير من العلماء أنها كوارث محتملة. كما يعني أيضا دخول كبريات شركات السيارات في سباق كبير للسيطرة على هذه السوق الجديدة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي لا تزال تؤثر على مبيعات السيارات وترغم بعض الشركات على إقفال عدد من مصانعها وتسريح المئات من عمالها. وتتميز السيارات الكهربائية الجديدة، كمثيلاتها الأخريات بكفالات وتأمينات للتغطية، ونوافذ كهربائية، ووسائد هوائية، ومكيف هواء، ومقاعد وثيرة تتسع لأربعة ركاب، أو أكثر أيضا، شأنها شأن سائر السيارات العادية تماما. ومن هذه الشركات شركة «جنرال موتورز» (جي إم)، عملاق صناعة السيارات الأميركية، التي واجهت صعوبات مالية قبل فترة قصيرة. ولكن متاعبها لم تمنعها من إنفاق مليارات الدولارات على أبحاث وتطوير مشروعها الأخير، سيارة «فولت» الذي بلغ مراحله النهائية الآن. هذه السيارة لا تبدو مصممة لإنقاذ الكرة الأرضية من الكوارث ورفع الشعار الأخضر عاليا وخفاقا فحسب، بل إلى إنقاذ شركة «جنرال موتورز» أيضا من وضعها المالي المتردي. وقد بات من المتوقع أن تطرح «جي إم» هذه السيارة في الأسواق العالمية مع بداية عام 2011. في بريطانيا سوف تحمل اسم «فوكسهول أمبيرا». وفي الولايات المتحدة أحدثت ضجة كبيرة بحيث تبارى أعضاء الكونغرس في الإشادة بها كمنقذة للعالم، والقطاع الصناعي كمنقذة للشركة الأميركية الشهيرة، وللاقتصاد الأميركي ككل.

ولكن ما الذي يجعل «جي إم» تعتقد أن هذه السيارة ستنجح في وقت لا تزال فيه الشركات الأخرى تلهث وراء هذه التقنية الجديدة وتسعى جاهدة لكي تحولها إلى تقنية ناجحة وعملية قابلة للتطبيق على نطاق واسع؟

بادئ ذي بدء، لا ترغب «جي إم» في وصف هذه السيارة بـ«السيارة الكهربائية» بل بـ«المركبة الكهربائية ذات المدى الطويل». والسبب هو أنها على الرغم من تجهيزها بمحرك كهربائي، فإنها مزودة أيضا بمحرك بترولي صغير. ولكنها خلافا للسيارات الهجين الأخرى، كسيارة «تويوتا برايوس» مثلا (التي يمكن قيادتها إما عن طريق المحرك الكهربائي، أو البترولي) فإنها تندفع حصرا بفعل محرك كهربائي تبلغ قوته 149 حصانا مكبحيا. أي إن المحرك البترولي الآخر سعة 1.4 لتر ليس إلا مولدا كهربائيا مهمته تزويد محرك «فولت» بالتيار الكهربائي حالما تنفذ شحنة بطارية الليثيوم المؤين التي تبلغ 16 كيلوواط بعد أن تقطع السيارة نحو 40 ميلا. وتأمل الشركة الصانعة أن يتمكن هذا النظام من تذليل العقبة الكأداء التي تقف حجر عثرة في وجه السيارات الكهربائية، أي احتمال توقف السيارة في منتصف رحلتها لأنها لا تملك المدى الكافي للسير كسائر السيارات الأخرى.

ولكن هل تعمل مثل هذه التقنية الجديدة؟

يقول العاملون في المركز التقني التابع لـ«جي إم» في ضواحي مدينة ديترويت الأميركية إن السيارة أقوى بكثير، وأكثر تعقيدا من منافساتها الأخريات من الإنتاج الأوروبي، أو الياباني. فهي ناعمة سلسة إلى أبعد الحدود. كما أن أداءها لا غبار عليه إطلاقا، وذلك يعطي الضوء الأخضر لـ«شيفروليه» التابعة لـ«جي إم» بالمضي قدما في إنتاج السيارة هذه تجاريا، خاصة بعدما أثبتت أنها قادرة على تحقيق تسارع من سرعة الصفر إلى سرعة 62 ميلا في الساعة خلال تسع ثوان فقط، وأن تبلغ سرعتها القصوى 100 ميل في الساعة. كما أن عزم دورانها العالي يضعها في مصاف سيارات الصالون العادية ذات الأسطوانات الست (V6). لكن بعد تجاوز سرعة 60 ميلا في الساعة، تبدأ سرعة السيارة في التناقص، علما أنها ليست سيارة رياضية سريعة مخصصة للسباقات. كما أن مثل هذه المركبات تعمل على محركات بترولية صغيرة لتوليد الكهرباء، كما هو حاصل مع «فولت» بالذات، أو على البطاريات محدودة الشحنات، التي لا تستطيع بعد ـ على الرغم من التقدم الحاصل في أبحاثها ـ مجاراة التيار الكهربائي الوفير والمستمر الصادر عادة من الشبكة الكهربائية المركزية في البلاد، كما هو الحال عادة مع القطارات الكهربائية في اليابان وأوروبا التي تستطيع بلوغ سرعات خيالية تتجاوز الـ300 كيلومتر أو أكثر في الساعة.

قيادة «فولت» توحي للسائق أنها سيارة عادية تماما، فهي لا «تغص» كما تفعل بعض الآليات الكهربائية، أو تثير شعورا بأن هناك تمورات (زيادات كبيرة مفاجئة) عالية أحيانا في الطاقة. ولدى الضغط على المكابح تبدأ السيارة بإبطاء سرعتها تدريجيا في الوقت الذي تتولى فيه هذه المكابح شحن البطاريات، خلافا لسيارة «ميني الكهربائية» التي حالما ترفع قدمك عن دواسة البنزين تشعر وكأنك ضغطت فعلا على المكابح، أو ألقيت مرساة في البحر.

والجدير بالذكر أنه حال نفاذ شحنة البطارية بعد قطع مسافة 40 ميلا، لا يتولى المحرك الصغير شحن البطارية، بل يوفر التيار مباشرة إلى المحرك الكهربائي عبر مولد قوته 53 كيلوواط، مما يضعف قوة السيارة إلى نصفها تقريبا، لكن مثل هذه التقنية تجعل السيارة تقطع مسافة 300 ميل بسهولة إلى وجهتها النهائية، قبل إعادة شحن البطارية مجددا في أقل من ثلاث ساعات عن طريق مقبس كهربائي منزلي. وتبلغ فترة خدمة البطارية عشر سنوات قبل استبدالها بواحدة جديدة. ومن الداخل تتألف لوحة القيادة من شاشتين من البلور السائل (إل سي دي) تعملان باللمس. كذلك فهي، خلافا لـ«الميني الكهربائية» التي حلت البطاريات محل المقعدين الخلفيين، تحولت رزمة البطاريات إلى حرف T لاتيني عملاق يمتد من أسفل السيارة، مكان «تروس نقل الحركة» (السيارات الكهربائية لا تحتاج إلى هذه الآلية) إلى أسفل المقاعد الخلفية، مما يعني أن «فولت» تتسع لخمسة ركاب بسهولة. وهذه السيارة التي ستسوق في بداية عام 2011 بسعر 42 ألف دولار (25 ألف جنيه إسترليني في بريطانيا) ليست كهربائية بالكامل تماما ولا هجين بالكامل، بل نوع جديد من الهجين تأمل «جي إم» أن تسهم، عبرها، في عمليتي إنقاذ: إنقاذ الكرة الأرضية من التلوث البيئي. وإنقاذ نفسها من أسوأ وضع اقتصادي مرت به منذ تأسيسها.