قطاع السيارات الياباني يستعد للتحديات.. وخسائره المالية تضغط على فرصه

عيوب السيارات اليابانية أقل خطورة عليها من تطويرات منافسيها الأميركيين

«فيستا».. رد «فورد» الأميركية على المنافسة اليابانية
TT

بالنسبة إلى الكثير من شركات السيارات يمكن الجزم بأن الأسوأ قد انقضى. مع ذلك لا يزال استقراء المستقبل محكوما بالحذر، خاصة أن الخسائر المالية لبعض الشركات تضغط على خططها التوسعية وتحد من قدراتها على تطوير نماذج جذابة تصميما وتقنية، علما أن الكثير من الشركات الكبرى تنفق مبالغ كبرى على تطوير تقنيات حديثة تحول من دون تخلفها عن مواكبة التطور المتوقع في صناعة السيارات.

ربما كان أفضل تعبير عن أجواء الحيرة التي تخيم على قطاع صناعة السيارات حاليا التوقيعين المتناقضين الصادرين عن كبرى شركات السيارات «تويوتا»، فقد أعرب مديروها التنفيذيون، في فبراير (شباط) الماضي، عن موقفين متعارضين حيال عودة الشركة إلى تحقيق أرباح مرة أخرى بعد الخسارة التي منيت بها العام الماضي، والتي بلغت 437 مليار ين (4.7) مليار دولار.

عمليا، تعكس هذه المواقف المتناقضة استمرار حالة «التشكيك» في ازدهار قريب لقطاع صناعة السيارات وخصوصا اليابانية. وبغض النظر عن الضجة التي أثيرت حول استدعاء «تويوتا» لنحو 8.5 مليون سيارة وشاحنة (وقيام شركة «هوندا» باستدعاء أكثر من مليون من سياراتها)، فإن أكبر قطاع تصديري في اليابان يحقق انتعاشا. وفي شهر مارس (آذار) 2010، رفعت معظم شركات السيارات اليابانية الكبرى توقعاتها بشأن الأرباح بالنسبة إلى العام التي تنتهي 31 مارس مدعومة باقتصاد عالمي أكثر استقرارا ومحفزات تعزيز الطلب من جانب الحكومات في الخارج.

وتتوقع شركة «هوندا»، ثاني أكبر منتج للسيارات في اليابان، أن يبلغ صافي أرباحها 265 مليار ين، وهو ما يعادل ضعف الأرباح التي حققتها العام الماضي. أما شركة «نيسان»، ثالث أكبر منتج للسيارات في البلاد، فتراجعت عن توقعاتها السابقة بخسارة تصل إلى 40 مليار ين، إلى تحقيق مكاسب صغيرة.

وقد أعلنت شركة «تويوتا»، أكبر شركة سيارات في العالم حاليا، توقعاتها بشأن الانتعاش على الرغم من المعوقات الضخمة، التي تتمثل في فاتورة صيانة للسيارات التي جرى استدعاؤها قدرها 100 مليار ين، إلى جانب 80 مليار ين قيمة المبيعات المتوقع أن تفقدها الشركة. وتحاول الشركة الالتزام بهدفها الذي أعلنت عنه في أواخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بتحقيق نمو بنسبة 6 في المائة خلال العام الذي ينتهي في شهر ديسمبر (كانون الأول).

وانعكست التوقعات الجيدة لهذا القطاع على أسعار الأسهم، حيث تضاعفت، تقريبا، القيمة السوقية لشركة «هوندا» بعد وصولها إلى أدنى مستوى لها في أواخر عام 2008، عقب انهيار بنك «ليمان براذرز» واندلاع الأزمة المالية، بينما ارتفعت القيمة السوقية لشركة «نيسان» إلى ثلاثة أضعاف تقريبا. بل إن شركة «تويوتا» تحقق تداولا يرتفع بنسبة 25 في المائة عن أدنى مستوياتها على الرغم من حركة البيع الواسعة لأسهمها منذ أواخر شهر يناير الماضي، التي سببها استدعاء السيارات.

ويقول ماساتوشي نيشيموتو، المحلل بشركة أبحاث السيارات «سي إس إم ورلدوايد»: «لقد انتعشت الصناعة إلى حد كبير منذ صدمة (ليمان)»، ويشير إلى أن شركات التصنيع تعيد تعيين العمال وتقوم بالتوسع في الإنتاج بالمصانع، التي كانت تعمل في بعض الحالات بأقل من نصف طاقتها.

ويحذر نيشيموتو وآخرون من أنه على الرغم من ذلك لا تزال الصناعة تواجه تحديات طويلة المدى. وأول هذه التحديات التي تواجهها جميع شركات السيارات هي الشكوك بشأن الطلب. وكان نظام إحلال السيارات القديمة والدعم الذي يموله دافعو الضرائب السبب في معظم التحسن الواضح في المبيعات الذي بدأ في النصف الثاني من العام الماضي. حتى في الأسواق المزدهرة مثل الصين، قدمت الحكومات يد العون لهذه الصناعة. لكن الحزمة التشجيعية مؤقتة، وانتهت بعض البرامج بالفعل.

وهناك قضايا أخرى خاصة باليابان وحدها، إذ لا يتوقع الكثيرون حدوث انفراج في القريب العاجل نتيجة لارتفاع سعر صرف الين، الذي جعل المنتجات اليابانية غير تنافسية وخصوصا السيارات، نظرا للتحول الواضح في أميركا الشمالية نحو شراء سيارات أصغر حجما، مما يجعل هوامش الربح القليلة أكثر عرضة للفقد نتيجة لتقلبات العملة.

وتتعامل شركات السيارات اليابانية مع ذلك عن طريق نقل مزيد من خطوط الإنتاج إلى الخارج، فللمرة الأولى، فاق عدد السيارات اليابانية التي تم تجميعها خارج البلاد، العام الماضي، عدد المجمعة داخل البلاد. وفي تطور غير مسبوق، تمضي شركة «نيسان» قدما في خططها لبيع السيارات الصغيرة التايلاندية الصنع «مارش» في اليابان، بينما تعمل شركة «ميتسوبيشي موتورز» على تنفيذ خطة «الاستيراد العكسي» الخاصة بها. ويقول محللون إنه من غير المحتمل أن تهز مشكلات العيوب في سيارات «تويوتا» من صورة العلامات التجارية لشركات صناعة السيارات اليابانية ككل، فوفقا للدراسات الخاصة بالمستهلكين لا تزال شركة «تويوتا» تحتفظ بولاء معظم عملائها. ويتوقع كيرت سانغر من «دويتشه بنك» أن تتسبب الأزمة في انخفاض قدره 290 مليار ين في أرباح «تويوتا» خلال العام المالي المقبل، نتيجة للانخفاض الكبير في الأسعار، حيث تسعى الشركة إلى الحيلولة من دون تحول العملاء إلى المنافسين الآخرين.

على المدى الطويل، ربما تكون عيوب التصنيع في شركات السيارات اليابانية أقل خطورة من التطويرات التي يقوم بها المنافسون في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

وقد نالت العروض الأخيرة التي قدمتها «جنرال موتورز» الاستحسان، حيث تستهدف «فورد»، بالمنافسة المباشرة، شركة «تويوتا» والمنافسين الآخرين من أسيا عبر طرح سيارتها «فيستا» في السوق الأميركية.

وعلى الجانب الآخر، حققت شركة «هيونداي موتورز» في كوريا الجنوبية أرباحا قياسية العام الماضي. وتستهدف أن تحقق مبيعات العام الحالي تصل إلى 3.46 مليون سيارة، مما قد يجعلها تتخطى «نيسان» و«هوندا» من حيث حجم المبيعات.