تزايد إقبال أثرياء الهند على السيارات الرياضية.. يفاقم حوادث السير

مبيعاتها تضاعفت بين 2009 و2010

حطام سيارة رياضية مسرعة.. منظر بات مألوفا في الهند
TT

مع تسجيلها لمعدل نمو بلغ الـ 36 في المائة، تشهد سوق السيارات الرياضية الهندية الفاخرة انتعاشا كبيرا يعكسه التدفق السريع للأموال على هذه السوق. ويقود أبناء الطبقة الهندية الثرية الجديدة، الذين يتطلعون إلى العالم الخارجي لإشباع رغباتهم بالسيارات الفخمة، سيارات فارهة تقدر أثمانها بنحو المليار دولار. هذا وتتوسع هذه السوق بنسبة 40 في المائة سنويا على حد تقدير محللين وشركات أبحاث تعمل في هذا المجال.

وكما هو معروف، تقبل الشركات العالمية الكبرى المصنعة للسيارات باطراد نحو الهند، الأمر الذي يتسبب في مشهد غريب بالبلاد: سيارات رياضية فخمة تسير جنبا إلى جنب مع الأبقار وعربات «الريكشو» على طرقات تملؤها الحفر.

ولا يشعر أي مسؤول تنفيذي هندي بأن أسلوب حياته أصبح مكتملا ما لم يقتنِ سيارة صالون ألمانية الصنع، بينما تعتبر السيارات الرياضية الإيطالية بمثابة بطاقة تعريف جديدة عن الأثرياء. وفي دولة يزيد عدد المليونيرات فيها على مائة ألف وتعاني من اختناق مروري مزمن، يزداد الإقبال على السيارات الفاخرة. وهكذا، بعد غزو سيارتي «بنتلي» و«لامبورغيني» طرقات الهند، انضمت «آستون مارتن» و«فيراري» و«مازيراتي» و«بوغاتي» إليها لتبدأ باقتطاع حصة من السوق آخذة في التوسع.

منذ خمسة أعوام، كانت شركة «دايملر إيه جي» المصنعة لسيارة «مرسيدس بنز» هي الشركة الوحيدة التي تسوق سيارات فاخرة في الهند. ونادرا ما كانت تظهر سيارات رياضية فارهة على الطرق المتربة. أما اليوم فقد بدأ المستهلكون الهنود الأثرياء بشراء سيارات مثل «أستون مارتن رابيد» التي يزيد سعرها على 300600 دولار علما بأنهم يعيشون في دولة يقل الدخل اليومي لسكانها - الذين يزيدون على الـ500 مليون نسمة - عن 1.25 دولار.

إلا أن للقصة جانبا آخر، فمع ارتفاع هدير محركات السيارات الرياضية كمؤشر لازدهار سوق هذه السيارات، يعتبر تزايد حوادث السير على طرقات العاصمة الهندية دلهي دليلا على أن أسلوب قيادة السيارات بسرعة فائقة تحول إلى إنذار على أن السيارات الرياضية قد لا تكون مناسبة لطرقات الهند في الوقت الحاضر على الأقل. وفي الآونة الأخيرة تناولت الصحف الهندية أنباء عديدة عن تكرار الحوادث المميتة منها، على سبيل المثال، فقدان شاب يبلغ من العمر 26 عاما حياته، مؤخرا، وهو يقود سيارة «لامبورغيني» جديدة حين اصطدم براكب دراجة قبل أن يصدم بسيارته محطة حافلات في جنوب دلهي. وقبل ذلك ببضعة أشهر، توفي سائق سيارة «بورشه كاريرا» يتراوح سعرها ما بين 10 و15 مليون روبية عندما اصطدم بسيارته بجدار متنزه للأطفال بالقرب من «إنديا غيت». وكانت هناك حادثة أخرى قبل ذلك تسبب خلالها قائد سيارة «أودي» في مقتل راكب دراجة نارية.

إلا أن وفاة أنكول ريشي، البالغ من العمر 26 عاما، في سيارته الـ«لامبورغيني» برتقالية اللون تحول إلى تحذير لعشاق السيارات الرياضية في دلهي. وبحسب الشرطة المحلية، لا تصلح طرق دلهي، بوضعها الراهن، لقيادة هذا النوع من السيارات خصوصا بالسرعة الكبيرة التي كان أصحابها يقودونها بها، فهذه السرعة غالبا ما تؤدي إلى وقوع حوادث سيارات مميتة، فذلك الشاب كان يقود سيارته بسرعة 200 كلم/ساعة عندما انحرفت سيارته الإيطالية الفارهة، التي يبلغ سعرها 35 مليون روبية، واصطدمت بمحطة حافلات، ثم بلافتة مرورية. وقذف جسد ريشي، بفعل الاصطدام، إلى خارج السيارة التي أصبحت كتلة من الخردة.

يقول راكيش باترا، الشريك والمدير الإقليمي في «إرنست آند يانغ»: إن هذه السيارات أصبحت «مدعاة للتفاخر والمفاضلة بسبب سرعتها الفائقة، فهي قادرة على الانتقال من نقطة الثبات إلى سرعة تفوق 100 كلم في ثوان، لكن لا توجد في الهند طرقات تصلح لمثل هذه السرعة». ويضيف أن الوضع في الهند يختلف كثيرا عن الدول الأخرى، حيث معظم المركبات التي تسير على طرقاتها من السيارات فقط، فيما تضم طرقات الهند أعدادا ضخمة من الدراجات العادية والنارية إضافة إلى السيارات وعربات الريكشو». ويقول نائب قائد شرطة المرور في دلهي، ساتيندرا غارغ: «السؤال هو أين يمكنك قيادة مثل هذه السيارات التي يمكن أن تصل سرعتها إلى 250 كم/ساعة، بينما السرعة المحددة في أكثر مناطق دلهي هي 60 كم/ساعة. تتضمن قيادة هذه السيارات مخاطرة كبيرة، حيث لا يوجد أي هامش للخطأ. إن الأمر يزداد خطورة عندما يكون القائد مخمورا».

رغم أن سعر السيارات الرياضية يتراوح بين 6 ملايين و40 مليون روبية، فقد زاد الإقبال على هذه السيارات لزيادة عدد القادرين على شرائها في الهند. ودشنت «لامبورغيني» موديل «أفينتادور إل بي 700-4» في الهند في نوفمبر (تشرين الثاني) بسعر 36.9 مليون روبية. وزاد عدد طلبات الشراء في الهند على 20 سيارة. ويتوجب على المشتري الانتظار 18 شهرا لاستلام سيارته.

وتعزو آمي أرورا، مدير العلامة التجارية في «بنتلي» ازدياد الإقبال على شراء السيارات الرياضية إلى زيادة الوعي بها، وتقول: «تضاعفت مبيعات ما ننتجه من سيارات رياضية ولا تزال المبيعات في ازدياد رغم أن الهند تعد سوقا للسيارات الصغيرة». وتضيف أن سوق صناعة السيارات يركز على القيادة المسؤولة العاقلة. مؤكدة أن «لدينا برامج تدريب وتوجيه يشرف عليها متخصصون يقدمون النصح والمشورة بشأن السيارات الرياضية. وهناك فرق تدريب سنوية على كيفية التعامل مع السيارات الرياضية وكذلك قيادة كل السيارات».

ويقول غولفر أبهوياديا سانغي، البالغ من العمر 25 عاما وسليل عائلة تمتلك واحدة من أكبر وكالات السيارات في دلهي، عن ثقافة التباهي الجديدة: «إذا لم تتنقل في سيارة فاخرة وتذهب إلى أفضل الأماكن مرتديا أشهر العلامات التجارية، تشعر بأنك لا تحظى بالاحترام».

ويوضح قطاع السيارات الفاخرة تأثير زيادة الثروات على أوضاع قطاع البيع بالتجزئة، إذ تشير جمعية مصنعي السيارات الهندية إلى ارتفاع مبيعات السيارات الفاخرة من 7500 سيارة عام 2009-2010 إلى أكثر من 15 ألف سيارة عام 2010-2011. وشهدت السنوات الأربع الأخيرة ظهور جيل يافع طموح من أصحاب المشروعات الرائدة، وهم من يعود إليهم فضل الازدهار الذي يشهده قطاع السيارات في الهند. ويقول مايكل بيرشك، رئيس «أودي إنديا»: «نعتزم العام الحالي مضاعفة عدد وكلائنا وبيع 8 آلاف سيارة على الأقل». والجدير بالذكر أن شركة «أودي» باعت600 سيارة في شهر فبراير (شباط) الماضي وحده. وفيما تعتزم كل من «بي إم دابليو» و«أودي» و«مرسيدس» و«جاغوار» غزو الأسواق البكر الثرية في مختلف أنحاء الهند، سوف يقتصر بيع سيارات رياضية مثل «أستون مارتن» و«مازيراتي» على دلهي ومومباي. ويعتقد فرهاد فيجاي أرورا، خبير السيارات الفاخرة في «ألتيميت لايف ستايلز»، أن ازدهار السيارات الرياضية مستمر، لكنه يلقى قبولا فقط في أوساط الشباب. ويقول إن سيارات «فيراري»، موديل الـ 8 سلندرات، نفدت بالكامل.

والمثير للاهتمام هو إنتاج شركات مثل «آستون مارتن» و«بورشه» و«مازيراتي» و«فيراري» سيارات من أربعة أبواب سعيا لاجتذاب زبائن من شريحة جديدة متوسطة الحال تفضل سيارات السيدان الفاخرة ذات الأربعة أبواب على السيارات الرياضية ذات البابين. يقول موكيرجي: «على عكس البلدان الغربية، تعتبر الهند والصين سوقين للتوجهات أسرية، لذلك بات من الضروري لتلك الشركات الترويج لسيارات السيدان ذات الأربعة أبواب في الهند والتي تبلي بلاء حسنا». ويرى نيكيل كانا من «أفيان ميديا»، الذي كان كاتب عمود صحافي ويراقب السوق، إن النمط الاستهلاكي هو سبب الفوضى، مضيفا أن «المستهلك الهندي الجديد يسعى من اقتنائه للسلع الفاخرة إلى نمط حياة يتضمن امتلاك أشياء مميزة يعد اقتناؤها دليلا على امتلاك الثروة والسلطة. وهناك تحول كبير يحدث هنا، فالناس تنتقل من طبقة «مرسيدس بنز إي» إلى السيارات الفاخرة. وتقيم بعض الشركات المصنعة للسيارات مثل «بي إم دابليو» و«أودي» دورات تدريبية لتعليم الناس الذين يملكون قدرات مالية قيادة تلك السيارات، ويمثل هذا مجازا عما حدث في دلهي على مدى الأشهر القليلة الماضية من حوادث طرق مريعة بسبب السيارات الرياضية».