أزمة القرم امتحان لتحمل الشركات أعباءها بعد أن أصبحت روسيا سوقا رئيسة لسياراتها

«بي إم دبليو» و«أودي» الأكثر تأثرا بالنزاع السياسي

TT

بدأت أزمة ضم روسيا شبه جزيرة القرم، رسميا، إلى أراضيها في التفاعل اقتصاديا في دول غربي أوروبا الصناعية، خصوصا ألمانيا، حيث ازدادت مخاوف الشركات الألمانية الكبرى، وفي مقدمتها شركات السيارات، من تداعيات الأزمة على مبيعاتها.

وبالفعل، عكست تصريحات قيادات العديد من هذه الشركات حيال أزمة القرم وأوكرانيا أجواء الكآبة السائدة فيها، خصوصا بعد أن تراجع بعض الشيء، وللمرة الأولى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2013، مؤشر «إيفو» الخاص بأداء الشركات الألمانية وتوقعاتها.

وتبين من خلال المؤشر الذي يعتمد على استطلاع آراء المسؤولين في كبرى الشركات الألمانية بشأن مدى تفاؤلهم في المستقبل، أن هناك شعورا متناميا بالقلق بين القائمين على شؤونها حيال مستقبل شركاتهم. كما أن التراجع المستمر منذ بعض الوقت في قيمة العملة الروسية الروبل يفرض على شركات السيارات أعباء كبيرة، كما أوضح رئيس شركة «أوبل» الألمانية للسيارات، كارل توماس نويمان، في تصريح لصحيفة «أوتوموبيل فوخه» الأسبوعية.

وقد أثر تدني قيمة الروبل أيضا على شركات أخرى؛ إذ تراجعت، على سبيل المثال، عائدات شركات السيارات التي تبيع سياراتها بعملة ضعيفة مقارنة باليورو، وهي مشكلة لا تواجه الشركات المتعاملة مع روسيا فقط.

وهذه المشكلة ألقت بظلالها على شركتي «بي إم دبليو» و«أودي» إضافة إلى شركتي «زيمنس» و«لينده» اللتين تعتمدان كثيرا على الصادرات.

ويخشى عدد من هذه الشركات من عودة سيناريو فترة الجمود الاقتصادي التي سادت إبان فترات الحرب الباردة وعواقب هذا السيناريو على الاقتصاد، خاصة أن الوضع في أهم أسواق النمو الاقتصادي معقد في الوقت الراهن.

هذا ولا يزال حال الشركات الألمانية جيدا في الوقت الحالي، خصوصا شركات السيارات الكبرى التي تواصل تحقيق أرباح جيدة، حسبما أوضح خبير معهد «إيفو» المتخصص في رصد مناخ الاستثمارات، كلاوس فولرابه، الذي أكد أنه لا يتوقع على المدى القصير عواقب مباشرة لأزمة القرم على الشركات الألمانية.

ورغم ذلك، فإن هناك بعض التراجع في التطلعات المستقبلية لرؤساء العديد من الشركات الألمانية، خصوصا في حال فرض الغرب عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا قد تؤثر تدريجيا على الشركات الألمانية.

وقد باشر عدد من الشركات الألمانية وقف الاستثمار في روسيا، وأعلن مؤتمر غرفة الصناعة والتجارة الألماني أن العديد من المستثمرين بدأوا يسحبون رؤوس أموالهم من روسيا. وتوقع نائب وزير الاقتصاد الروسي، أندري كليباخ، نزوح ما يصل إلى 51 مليار دولار من الاستثمارات من بلاده خلال الربع السنوي الأول حسب تقرير نشرته صحيفة «فايننشيال تايمز» أي ما يوازي أكثر من إجمالي ما تم سحبه من روسيا من استثمارات خلال العام الماضي كله.

مع ذلك، لا تعد روسيا سوقا كبيرة إلى هذه الدرجة بالنسبة لكثير من الشركات الألمانية، ولكن مواردها المعدنية الهائلة تمثل فرص نمو واعدة، وهو مما جعلها تمثل حرف «آر» في اسم مجموعة دول «بريك» لأهم الدول الواعدة اقتصاديا التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين، مما دفع كبرى الشركات العالمية إلى ضخ مزيد من السيارات والآلات والأدوية في أسواق هذه الدول التي يزداد مواطنوها رخاء يوما بعد يوم.

وهذا الأمر هو أحد الأسباب التي جعلت مسؤولي كبرى الشركات الألمانية يتحفظون في الإدلاء بأي تصريحات تتعلق بأزمة شبه جزيرة القرم وتفضيلهم ترك الموضوع لرجال السياسة.

ورغم أن معهد «إيفو» يتوقع أن تكون آثار مثل هذه العقوبات أشد على روسيا منها على أوروبا، فإنه حذر في الوقت ذاته من عزل روسيا من خلال سياسة تجارية، فيما يرى الخبير بمعهد «إيفو» الألماني، غبريل فيلبرماير، أن «الدور الذي تلعبه روسيا في تصريف المنتجات الألمانية أهم بكثير من الدور الذي تلعبه بالنسبة لمنتجات بقية دول الاتحاد الأوروبي».