القطاع العقاري في لبنان يحافظ على قوته وتفاؤل في النصف الثاني من العام الحالي

في أعقاب صدمة اغتيال الحريري

TT

يشهد قطاع العقارات في لبنان، منذ سنتين واكثر، فورة قلّ نظيرها عززها الاقبال الخليجي على التملك رغم ارتفاع سعر المتر المربع في مختلف عمارات الواجهة البحرية الى ما بين 3000 و6000 دولار. وفي هذا السياق نفذت مجموعة «كابيتال تراست» المالية مشروعاً عقارياً سكنياً وتجارياً عند الواجهة البحرية لبيروت هو «أفنيو بلازا» وقد بيع بأكمله ويفترض تسليمه خلال شهر مايو (أيار) المقبل. ونظراً للنجاح الذي حققته المجموعة في مشروعها الاول، باشرت منذ اشهر في تنفيذ عمارة ثانية عند الواجهة البحرية ايضاً اطلقت عليها اسم «كابيتال بلازا». ويفترض انجازها في نهاية العام 2007 . لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما مدى تأثير اغتيال الرئيس رفيق الحريري على قطاع العقارات في لبنان؟ وهل سيدخل مجدداً في نفق الجمود؟ هذا السؤال طرحته «الشرق الاوسط» على عدد من اصحاب وممولي ورش العمارات الفاخرة التي تشهدها مناطق مختلفة من العاصمة اللبنانية ولا سيّما الواجهة البحرية التي تقام عليها عمارات في غاية الفخامة.

حول مصير هذا المشروع ومستقبل القطاع العقاري ككل، تحدثت «الشرق الاوسط» الى مسؤول التسويق في المجموعة كريم شمس الدين، الذي استهل حديثه قائلا: «اغتيال الرئيس الحريري جريمة بحقّ لبنان وبالتأكيد ان غيابه سيحدث فراغاً ما. لكن ما لمسناه منذ حادثة الاغتيال وحتى اليوم تزايد تعاطف المستثمرين واصبحوا يؤمنون اكثر بهذا البلد. بالنسبة الينا لم نطلق فعلياً عملية بيع مشروع «كابيتال بلازا» بعد وإن كان لدينا قبل الحادثة استفسارات من بعض الزبائن العرب، وما زالت مستمرة. كما ان هناك من حجز فعلا ولدينا حتى اليوم اربعة حجوزات. وسعر المتر يبلغ 4000 دولار تقريباً. أما المستثمرون الذين نعمل معهم فلم يعدلوا عن تعاملهم معنا بعد الحادثة وكلّ من تحدثنا معه اكد لنا دعمه لكافة مشاريعنا لاجل ازدهار لبنان».

وعن التأثير على المدى الابعد، قال شمس الدين: «يعتبر قطاع العقارات من اكثر القطاعات أمنا في عالم الاستثمار اذ يصمد بوجه العقبات وبالتالي يستغرق وقتاً ليلحق به اي ضرر او ان يتبدّل وضعه. وضع البلد نوعا ما مستقر. الخوف يبدأ بالتسرب الى نفوسنا في حال امتد وضع الاضطراب الى اكثر من اربعة او ستة اشهر. أما في حال استقر الوضع بعد شهر يونيو (حزيران) واقبل السياح كما تعوّدنا خلال السنوات الماضية فهذا يعني ان البلد عاد مجدداً الى الطريق الصحيح».

وفي الاطار نفسه، من المعروف ان ورشة برج «بيروت تاور» انطلقت في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2002 وهي مملوكة من قبل شركة «بيروت تاور» القائمة على رؤوس اموال لبنانية وعربية ويرأس مجلس ادارتها فيصل القدسي. ويفترض انجازها في اواخر العام 2006 .

ولغاية الصيف الفائت كان قد بيع من برج «بيروت تاور» 65 بالمائة من الشقق، و 40 بالمائة لصالح لبنانيين فيما تتوزّع نسبة 60 بالمائة من المبيعات على مشترين كويتيين وسعوديين وقطريين وبحرانيين. ويتراوح سعر المتر في هذا البناء الذي يتألف من 27 طابقاً، ما بين 3 و5 الاف دولار. وتنفذ المجموعة ايضا مشروعين آخرين هما «فوش رزيدانس» الواقع عند جادة فوش في الوسط التجاري و«تو بارك أفنيو» الواقع على الواجهة البحرية ايضا.

عن وضعية هذه المشاريع في الوقت الراهن بعد التطورات التي شهدها لبنان اخيرا، قال داني خرّاط مسؤول التسويق لـ «الشرق الاوسط»: أنه منذ اغتيال الرئيس الحريري وحتى اليوم فإن شركة إعمار وتطوير وسط بيروت «سوليدير» باعت اراضي بقيمة 75 مليون دولار. العمل في ورشنا ما زال سائرا وسنسلمّ حسب المهل المحددة. صحيح أنّ الوتيرة أصبحت أبطأ نوعاً ما بسبب أيّام الاضراب التي شهدتها العاصمة منذ حادثة الاغتيال، وانخفاض عدد العمال من جرّاء مغادرة عدد كبير من العمال السوريين. لكن لو استمر الأمر على حاله فسنأتي بيد عاملة بديلة باكستانية او هندية على سبيل المثال».

وعن تأثير اغتيال الرئيس الحريري على المشروع قال ازهري لـ «الشرق الاوسط»: بالتأكيد لهذا الحدث الاليم تأثير بالغ على لبنان يكفي الحزن الكبير في نفوس الناس، لكننا متفائلون بمستقبل لبنان لان الرئيس الحريري قاد البلد من الدمار والخراب ووضعه على السكة الصحيحة للنمو والازدهار. وهو اليوم من اكثر البلدان العربية تطوراً ونمواً. لذلك فكثيرون متفائلون بمستقبل لبنان. وما من مشاريع أوقفت سواء من قبل المستثمرين او من قبل مطوري الاعمال. أعلم بمشاريع ما زالت متابعة في مختلف القطاعات. صحيح انه منذ الاغتيال ولغاية اليوم الوتيرة اصبحت أبطأ لكنها ما زالت مستمرة، وخلال الشهر الماضي، بعنا ثلاث شقق لخليجيين في برج «مارينا غاردن».

ومن العمارات المميزة على الواجهة البحرية لبيروت برج «بلاتينوم تاور» الذي تولى تصميمه المهندس العالمي الاسباني الاصل ريكاردو بوفيل. ويتميز هذا البناء بواجهته الخارجية المغلفة بزجاج من نوع خاص عاكس للانوار المحيطة به. ويتألف البرج من 33 طابقاً بارتفاع 150 مترا. ويتراوح سعر المتر ما بين 3.5 و6 ألاف دولاردولار. وقد تمّ لغاية اليوم بيع 45 بالمائة من المشروع. حصة اللبنانيين من المشترين تبلغ 63 بالمائة فيما تبلغ حصة السعوديين 22 بالمائة وحصة السوريين 7.5 بالمائة وحصة موازية للقطريين، وهذا المشروع، الذي انطلقت ورشته صيف العام 2003، تعود ملكيته لرجال اعمال سوريي الاصل هم طلال الزين وعبد الرحمن حورية ونزار الاسعد.

وعن حال المشروع اليوم، قالت بسمة طلال الزين عضو مجلس الادارة: «ما من احد الغى حجزه. وعلى رغم الحزن الشديد الذي اصابنا من جرّاء اغتيال الرئيس الحريري إلاّ اننا متفائلون لان لبنان مقبل على فترة ازدهار. ويفترض ان ننتهي من اعمال الحفر في غضون الاشهر المقبلة ونشرع بعملية البناء. تأخرنا بالحفريات كان من جرّاء بعض التعقيدات البيروقراطية وقد سوّى الامر ويفترض ان نسلّم المشروع في نهاية العام 2007».

رجل الاعمال السعودي محمد الفضل نائب رئيس مجموعة الفضل للتجارة والمقاولات ومقرّها جدّة، شرع منذ الصيف الماضي بتنفيذ مشروع سكني ضخم عند منطقة عين المريسة، على زاوية قبالة الكورنيش. وهذا المشروع هو عمارة «هورايزون» التي تتميز بإطلالة على البحر وعلى حدائق الجامعة الاميركية في بيروت. ومع انتهاء اعمال الحفر، اتصلت «الشرق الاوسط» بمحمد الفضل في جدة لسؤاله عن اي تعديلات على برنامج مشروعه، فأجاب: «يصعب عليّ التوقف عن العمل او اجراء اي تأخير لانني بدأت في الصيف الماضي واعمال الحفريات انتهت في فترة اغتيال الرئيس الحريري. اعتقد ان من يفكّر بمشروع يمكنه تأخيره ليرى الى ما ستؤول اليه الامور، اما انا فمجبر على المتابعة. وما زلنا سائرين حسب جدول العمل لتسلّم وفق المدّة المحددة وهي نهاية العام 2006 ويفترض ان تنطلق عملية البناء خلال الأيام القليلة المقبلة».

أما شركة جميل ابراهيم العقارية بدورها لديها خمسة مشاريع عقارية في بيروت، منها ما شارف على الانتهاء ومنها ما هو في طور الانجاز. اضافة الى مشروع ضخم تمّ شراء ارضه التي تبلغ خمسة آلاف متر مربع ولم يشرع العمل به بعد. ولمعرفة مصير كل هذه المشاريع تحدثت «الشرق الاوسط» الى جهاد ابراهيم مسؤول التسويق فقال: «الحركة الايجابية التي شهدها القطاع العقاري منذ سنة ونصف السنة ولغاية اليوم دفعت بالكثير من المقاولين الى شراء الاراضي لمواكبة الفورة العقارية. بعد مرور شهر على الحادث الاليم الذي تعرّض له لبنان، لم تتبلور الصورة تماماً اذا ما كنا قد تورطنا ام هذه مجرّد فترة وستمر. اليوم نحن على المحك وعلى نقطة مفصلية بين اذا ما كنا نمر بمرحلة مؤقتة ام اننا دخلنا مرحلة جديدة. السؤال هل سنتابع بنفس الزخم، بالتأكيد لا. لكن بالمقابل لن نجمد. لدينا خمسة مشاريع في السوق وهو عدد لا يستهان به منها ما شارف على الانجاز واخرى ما زالت في طور العمل. عمارة «رملة البيضا 3646» شبه منجزة ولا يزال فيها بضع شقق خالية».

واضاف «أمّا عمارة استوريا في الروشة فانتهينا من اعمال الحفر وسنشرع بالبناء. وهناك الكثير من الشقق التي لم تبع بعد. وبالنسبة لعمارة «سكاي هوم» عند منطقة قريطم فقد بيع منها ما يفوق 60 بالمائة وبالتالي نحن مجبرون على المتابعة للتسليم وفق المهلة المحددة. أمّا برج «اتوميوم تاور» في الاشرفية فقد انتهى العمل فيه ولكن، هناك عدد قليل من الشقق التي لم تبع بعد. وقبيل اغتيال الرئيس الحريري كنا نتلقى استفسارات من خليجيين ولبنانيين حول هذه العمارة وعمارة استوريا أما اليوم فالامر لم يعد بالمثل».

وتابع قائلا: «تدفق الرساميل توقف. بالامس كانت شركة واحدة يتدفق اليها رساميل بما يتراوح بين خمسة وستة ملايين دولار. لكن مع كل ذلك لا نستطيع ان نتوقف لاننا ملتزمون. للاسف ان الضربة اتت ونحن في ذروة عملنا ومن الخطر ان تجمد هذه المشاريع وهي في القمة. المقاولون اشتروا الاراضي بأسعار غالية وكذلك الناس اشترت الشقق بظلّ ارتفاع الاسعار. القطاع العقاري كان يشهد دورة اموال ملفتة، اذ ان الفورة التي عاشها صوّبت اعين الكثيرين نحوه اذ اشترى من يبتغي السكن او من يتطلع للمتاجرة بالشقق. لذلك نخشى ان تطول حالة الجمود وان نكون اليوم على مشارف مرحلة خطيرة».

وقبل اغتيال الرئيس الحريري ولمواكبة الفورة العقارية، قامت مجموعة جميل ابراهيم بشراء ارض في منطقة عين التينة الراقية والمطلة على البحر بمساحة خمسة آلاف متر مربّع وبمبلغ 20 مليون دولار. والمشروع الذي يحمل اسم «دريم بيي» يفترض ان يضم برجين سكنيين.

وعن هذا المشروع قال ابراهيم: «يستحوذ هذا المشروع على مقوّمات هندسية رفيعة سواء من حيث التصميم الخارجي او الداخلي اذ يفترض ان يناهز علو سقوف الصالونات 4.60 متر. وعلى الرغم من ان الارض لم تشهد اي عملية بناء بعد، إلا اننا لغاية اليوم (ومنذ ما قبل اغتيال الحريري) بعنا حوالي خمس شقق على الخريطة وبالتالي لا نستطيع اليوم ان نؤخر هذه الورشة التي يفترض تسليمها خلال العام 2007 . اي نحن مجبرون على المتابعة وسنبدأ اعمال الحفر فور صدور الرخص».

الى ذلك فان بنك عودة ـ سرادار يتبع له مجموعة عقارية هي «CGI» وقد نفذت عمارتين عند منطقة الاشرفية في بيروت هما «اشرفية 784» التي انجزت وبيعت بأكملها و«هوغو 43» في طور البناء وقد بيعت غالبية شققها. وفي أواخر العام 2004 اشترت المجموعة ارض، بمساحة 7000 متر مربّع عند منطقة الجميزة لانجاز مشروع سكني وتجاري، بسعر يفوق 15 مليون دولار وبشراكة بين 30 مستثمرا لبنانيا وعربيا.