أسعار العقارات في بغداد تتجه للارتفاع

منح القروض يدفع السوق لانتعاش حذر

TT

في سابقة لم يشهدها بلد في العالم قفزت أسعار العقارات في العراق إلى أكثر من 25% وخلال مدة قياسية لا تتجاوز 18 شهراً ورغم الأوضاع الأمنية المتردية التي يشهدها البلد، ومن ضمن المشاكل العديدة التي تواجهها الحكومة طفت على السطح مشكلة أخرى تمثلت بسندات العقار الصادرة من جهات مختلفة فمنها يحمل ختم قوات التحالف والآخر صادر من الجمعيات الإنسانية وأخرى عن طريق مؤسسات المجتمع المدني وحتى الأحزاب والنقابات المهنية أخذت تقتطع من الأراضي ما يحلو لها وتوزيعها حسب الرغبات والولاءات، مقابل ذلك باتت هيئة دعاوى الملكية العراقية عاجزة عن أداء مهامها. فهناك القضايا القديمة المتمثلة بأملاك العرب والأجانب والمهجرين والمهاجرين والقضايا الحديثة التي أطلق عليها التجاوزات وبين هذا وذاك توقع المعنيون أن يبقى الحال على ما هو عليه.

وعن الأسباب التي أدت إلى ازدياد أسعار العقارات بهذا الشكل السريع حاورت «الشرق الأوسط» مدير عام الأبحاث الاقتصادية في البنك المركزي العراقي الدكتور مظهر جاسم الذي أكد أن هذه الظاهرة تعد ضمن الظواهر الشاذة فكل مكان يعاني من عدم الاستقرار الأمني تهبط مستويات أسعار الأملاك والعقارات فيه وقد يضمحل النشاط الاقتصادي والتجاري هناك أيضاً، كما أن أي بلد يخرج من صراعات وحروب يتعرض اقتصاده إلى هزات عنيفة قد تسحبه إلى مشاكل وتبعات أخرى تكون بالأخص اقتصادية وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار مسألة موازنة النفقات المرهونة بالإيرادات تضاف لها بعد ذلك المنح والقروض والتخلص من الديون الخارجية واستهداف التضخم الذي زادت معدلاته في العراق خلال العام الماضي نتيجة الخلل المفاجئ الذي طرأ على جانب العرض وارتفاع المستوى العام للأسعار وبالتالي تعاظم أسعار العقارات. اضافة إلى وجود مؤشرات سجلت ارتفاعا بمستويات التضخم حيث بلغت أعلى نسبة لها خلال شهر تشرين الثاني الماضي وكان 8،5% واستمر بالصعود بشكل تراكمي، موضحاً أن هناك عاملا آخر عمل على زيادة أسعار العقارات وهو حجم المتداول من النقد الكلي للعملة العراقية داخل الأسواق فقد جرى إصدار 8 تريليون ونصف دينار عراقي وحجم المتداول من هذا الرصيد يصل إلى 85% والسبب يرجع إلى سياسة الانفاق التي تقع خارج نطاق الخدمات خاصة في المجال الأمني تقابل ذلك عوائد حكومية لا تكاد تذكر ويجب هنا موازنة حجم الانفاق مع العوائد للحد من التضخم النقدي في السوق المحلية.

وذهب خبير مالي آخر إلى أبعد من ذلك فقد تطرق إلى موضوع انعدام الثقة بالعملة العراقية من قبل أصحاب رؤوس الأموال فهم يميلون دائماً إلى تحويل أرصدتهم إلى عملة أخرى أو شراء العقارات كجزء من الاستثمار المحلي، ومع وجود هذه الكمية من النقد المتداول فعلاً فقد تواجه الخزينة مشكلة في تأمين النقد المحلي للدوائر الحكومية خاصة وأنها أعلنت عن استحالة لجوئها لسياسات الإصدار الإضافي كما كان متعارف عليه من قبل النظام السابق والذي تسبب بكارثة تضخمية للبلد. ويذكر في هذا الصدد أن الحكومة العراقية خصصت موازنة فيدرالية للعراق لعام 2005 ما مقدارها (35981168) مليون دينار (خمسة وثلاثون ألفا وتسعمائة وواحد وثمانون مليار دينار عراقي) وذلك يعني حاجة الخزينة إلى تأمين هذا المبلغ لتوزيعه على المؤسسات الحكومية وقد تؤدي عمليات بيع الدولار من قبل البنك إلى هبوط أسعاره مقابل الدينار العراقي.

اما المحطة الثانية والتي تعد المسؤولة عن أملاك العرب في العاصمة فقد أكد أحد العاملين في ديوان المحافظة أن هناك أكثر من 230 عقارا منها بيوت وأراض وفنادق تعود ملكيتها إلى مواطنين من الكويت والسعودية عملوا على شرائها في عقد الثمانينات والسبعينات بهدف الاستثمار وانقطعت علاقتهم بها بعد دخول العراق الأراضي الكويتية نهاية الثمانينات. بعدها قرر النظام السابق تحويل ادارة هذه الأملاك إلى محافظة بغداد وفعلاً عملت المحافظة على ذلك وقامت بفتح حساب خاص لعوائد هذه العقارات وهي موثقة بسجلات وبمقدور أصحابها الآن مراجعة المحافظة لاستلامها مع الفوائد، مضيفاً ان هناك بعض التجاوزات نحن بصدد ازالتها. أما بخصوص أملاك المهجرين والمرحلين فهي من اختصاص عقارات الدولة ووزارة العدل وهيئة دعاوى الملكية فقد جرى حصرها بعد مراجعة أصحابها وأحيلت إلى الهيئة ومثل هذه القضايا تحتاج إلى وقت طويل للبت بها. فقد عمل النظام السابق على مصادرتها وبيع قسم منها بالمزاد العلني وتحويل ملكية القسم الآخر إلى دوائر الدولة خاصة الأمنية.

مجلس القضاء العراقي أوضح ان الانتهاء من حسم هذه القضايا يحتاج إلى وقت طويل فيجب إخراج الأوراق الثبوتية لكلا الطرفين والتأكد منها بعدها يصار إلى تعويض أحد الطرفين وهنا تبرز مشكلة أخرى تكمن بكيفية تخمين وتقدير قيمة العقار خاصة مع هذه الزيادات غير الطبيعية بأقيامها وبعض العقارات تجاوزت العدة مليارات من الدنانير وهي التجارية وهي مصادرة قبل عدة عقود ويجب تعويض أصحابها بأجور بدل المثل.

وعن مصير الأراضي التي قامت جهات عدة بتوزيعها على المواطنين أكدت وزارة البلديات والأشغال العامة عدم شرعية هذه الأوراق فكافة الأراضي السكنية يجب قبل توزيعها ان تمر على دائرة التخطيط العمراني ولذلك عملت الوزارة على إزالة 23 الف تجاوز على المال العام خلال مدة سنة واحدة، وعن أسباب زيادة أسعار العقارات فقد أوضح أحد العاملين في دائرة التخطيط أن هناك عدة عوامل أدت إلى ذلك أهمها قرار حق التملك بغض النظر عن مسقط الرأس، فقد حرم النظام السابق مواطني المحافظات الأخرى من تملك عقارات داخل بغداد وبعد القرار حدثت موجة تنافسية لامتلاك عقارات وبأي ثمن استغلت من قبل الراغبين ببيعها يضاف إلى ذلك سوء التخطيط العمراني، فعلى عكس عواصم الدنيا والتي تتوسع بشكل عامودي استمرت بغداد بالتوسع أفقياً ومن العوامل الأخرى ارتفاع أجور البناء فقد كانت مواد البناء تباع عن طريق الدولة وبأسعار مدعومة وتوقف المعامل الحكومية أدى إلى الاعتماد على الاستيراد الذي يحتاج إلى مبالغ طائلة زادت من تكلفة البناء.

وكانت محطتنا الأخيرة عند مكاتب بيع وشراء العقارات باعتبارها أكثر الجهات تماساً بالموضوع، في بغداد يقول الحاج ابو محمود 52 عاما يعمل وسيطا بين صاحب العقار والزبون أن أسعار الدور والعقارات الأخرى ازدادت بشكل يفوق الخيال خلال السنتين الماضيتين بسبب ظهور طبقة اجتماعية واقتصادية بشكل غير مسبوق وهذه الطبقة تدفع أي مبلغ لشراء أي عقار فهم يستحوذون على ربع خزينة الدولة التي سرقت أثناء دخول القوات الأميركية العراق وهم الان يعملون على تبييض أموالهم الحرام، أما الأسباب الأخرى فهي متعلقة بالخدمات البلدية والكهرباء وغيرها فقد توقفت هذه الأعمال قبل ما يزيد على عشر سنوات واصبح التداول بنفس الأراضي المخدومة.

وعن آخر أسعار البيع والشراء بيّن الحاج شاكر أن السعر يحدده موقع العقار ونوعه وكذلك حجم البناء وتاريخ بنائه، فقد بيعت دار في منطقة المسبح بأكثر من ملياري دينار وأقل من ذلك في منطقة حي القادسية لكن في المناطق الشعبية يمكن الحصول على عقارات بأقل من ذلك بكثير. كما أن هناك مؤثرات أخرى منها الحالة الامنية للمنطقة وقربها من المناطق الحساسة والمستهدفة.

المهندس علي عبد الحسين الفتلاوي 48 عاما يعمل في مجال البناء والمقاولات وتحديداً في محافظة كربلاء أكد أن محافظة كربلاء ومن بعدها النجف لها أوضاعها الخاصة في ازدياد أسعار عقاراتها. فهذه المدن تمتاز بعدة مميزات يأتي في مقدمتها الطابع القدسي باعتبارها محط أنظار ملايين المسلمين العراقيين والعرب والأجانب مما حولها الى أكبر المدن العراقية في مجال السياحة وهذا بالطبع أضاف لها أهمية اقتصادية كبرى فقد قدرت معدلات الدخل لكل مواطن من سكنة هذه المحافظات بأعلى دخل نسبة إلى المحافظات الأخرى وكذلك نسب أرباح المشاريع الاستثمارية فيها مما نجم عنه زيادة بأسعار عقاراتها بشكل يفوق حتى أسعار العاصمة بغداد كما أنها استقبلت عددا كبيرا من المستثمرين العرب والأجانب خلال السنتين الماضيتين وأصبحت حالة من المنافسة للحصول على العقارات واستثمارها بشكل حديث، وعن العقارات التي تعود للأجانب فقد أوضح أن هذا الامر ليس بحديث في كربلاء فهناك عشرات العقارات تعود لأفراد يحملون الجنسية الهندية والاماراتية والبحرينية والباكستانية وغيرها وهي تدار من قبل ممثلين عنهم ومنها خان الهنود وفندق رئيس البهرة والخان البحريني، وأضاف الفتلاوي أن الجهاز القضائي في محافظة كربلاء تلقى العديد من الشكاوى التي قدمت من قبل المهجرين والمسفرين من قبل النظام السابق بهدف اعادة ملكيتهم المغتصبة والتي بيعت أيام النظام السابق في المزادات وحولت بعضها إلى فنادق ومطاعم وتحتاج إلى وقت طويل للبت بهذه الدعاوى المتشعبة، وعن معدلات أسعار العقارات في المدينة أكد أنها أسعار أصبحت أقرب إلى الخيال فقد بيع أحد العقارات القريبة من المرقد الشريف بعدة ملايين من الدولارات وحافظ الملاك الآخرون على عقاراتهم مرددين أن الذي يبيع عقاره في هذا المكان سيكون خسرانا.