مصر: اتجاه لبناء مصالح حكومية فاخرة بمستوى 5 نجوم ومباني الدولة تنشط شركات المقاولات

TT

تفاخرت الحكومة المصرية بالبناء الجديد لوزارة الاستثمار وهيئة الاستثمار ومجمع الخدمات الذي افتتحه رئيس الوزراء المصري بنفسه أوائل الشهر الجاري، فالبناء الذي يأخذ موقعا متميزا بشارع صلاح سالم أحد الشوارع الرئيسية في القاهرة، يعد من أفخر المصالح الحكومية المصرية فقد روعي فيه استخدام أحدث الانشاءات الهندسية المعمارية واستخدام أفخر أنواع الرخام، وتبلغ مساحته 28.500 متر مربع مقسمة إلى خمسة أدوار مساحة كل دور 5171 متر بتكلفة بلغت 40 مليون جنيه (نحو 6.7 مليون دولار).

هذا البناء فتح شهية عدد كبير من شركات المقاولات المصرية وعدد من الوزارات والمصالح لإنشاء مبان حكومية جديدة وعدد من الوزارات والمصالح لإنشاء مباني حكومية جديدة على غرار مبنى وزارة الاستثمار، فهناك بالفعل أبراج وزارة المالية التي تنتظر افتتاحها رسميا بعد الانتهاء من التشطيبات النهائية المميزة، كذلك مبنى الصندوق الاجتماعي الذي يتم حاليا بناؤه وهو يبعد عدة أمتار عن مبنى وزارة الاستثمار بالإضافة إلى عدد من المستشفيات الفاخرة التي تشرف عليها وزارة الصحة.

هذا الاتجاه أنعش سوق العقارات وشركات المقاولات من ناحية لكنه أثار الخلاف حول هل من حق الحكومة الاستمرار في إنشاء مثل هذه المباني الفاخرة أم يجب عليها ترشيد الانفاق، وهل يوجد لدى شركات المقاولات العامة استشاريون على هذا المستوى، أم ستلجأ الحكومة إلى القطاع الخاص في كل مبانيها المقبلة.

تجربة إنشاء مبنى وزارة الاستثمار ومجمع الخدمات الخاص بالهيئة العامة للاستثمار يرويها المهندس عبد الجليل محمد عراقي المشرف على قطاع مجمع خدمات الاستثمار قائلا كانت مكاتب هيئة الاستثمار موزعة على شقق في مبان سكنية بوسط العاصمة وقد اتخذ قرار إنشاء مبنى جديد يضم كل مكاتب هيئة الاستثمار في عام 2000، وكان الهدف من المبنى هو تحقيق وظيفة تتوافق مع عمل هيئة الاستثمار من الترويج للاستثمار في مصر وتأسيس الشركات وإدارة المناطق الحرة، لذلك تم تصميم المبنى وفقا لتداول أوراق المستثمر داخل مكاتب هيئة الاستثمار بطريقة التوالي، بحيث يخدم الشكل المعماري وظيفة تخليص الأوراق الرسمية بالإضافة إلى تجهيزات الكهرباء والإنذار والإطفاء الآلي وشبكات الهاتفات والمعلومات بتكلفة بلغت 40 مليون جنيه فيما عدا تكلفة الحواسب.

ويشير المهندس عراقي الى ان الأرض قد خصصت لوزارة الاستثمار بقرار جمهوري، كما ان جميع الخامات المستخدمة صناعة محلية، مما قلل من التكلفة الإجمالية، والحكومة لا تبحث بهذا البناء عن الاستثمار العقاري فلا يوجد عائد مباشر منه أو أجر حق الاستخدام وإنما العائد غير مباشر يتمثل في زيادة الاستثمار الأجنبي وخلق فرص عمل جديدة وقد تحقق بالفعل زيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الأول من عام 2005 بنسبة 68% عن الربع الأول في 2004.

ويشير المهندس عراقي الى ان المباني الحكومية يتم بناؤها لتبقى للأجيال المقبلة، فالمباني الخرسانية عمرها الافتراضي من مائة إلى مائتي عام، لذلك فالعمر الافتراضي لمبنى وزارة الاستثمار يستمر حتى عام 2205 وفخامته ستبقى دليلا على مدى نهضة المجتمع المصري في الوقت الذي بنيت فيه. وربما يحتل المبنى الفخم أولوية متأخرة في معظم الهيئات الحكومية لعدم توافر اعتمادات مالية كبيرة، لكن الاتجاه العام يشير إلى قيام عدد كبير من الهيئات الحكومية بالتخطيط لهذه الخطوة والانتقال من المباني المكدسة داخل العاصمة إلى مبان جديدة أكثر رحابه وفخامة.

مباني الفكر الاشتراكي. ويشير د. حماد عبد الله عميد كلية الفنون التطبيقية وصاحب المكتب الاستشاري الذي قام بتصميم المبنى أن المباني الحكومية التي تستخدمها الوزارات حاليا هي قصور ومبان تم تشييدها في عصر الخديوي إسماعيل مثل مجلس الوزراء ومجلس الشعب ووزارة التعليم بالإضافة إلى حدائق الحيوان والأورمان، وكلها مبان حملت عبق التاريخ، وما زالت مستخدمة حتى الآن، لكن عندما انتقل المجتمع المصري في مرحلة الستينات إلى الفكر الاشتراكي ذلك على أسلوب البناء في شكل معماري يؤدي الغرض من إنشائه من دون فخامة أو زخرفة جمالية، ومثال ذلك مجمع التحرير، رغم أن ما يتم صرفه على المتر المسطح من المباني يتساوى في المبنى الذي يتسم بالفخامة والنظرة الجمالية والآخر الذي يفتقد إليها.

وقد اتخذت الحكومة طريقة إجراء مسابقة لبناء المباني الحكومية لتتبارى فيها أفضل الأفكار الإبداعية في افضل الأسعار ويتم طرح المشروع في مناقصة عامة.

ويؤكد د. حماد عبد الله أن مبنى وزارة الاستثمار هو المبنى الإداري الأول في مصر، سواء من الناحية الجمالية أو في الأداء وقد اسندت عملية بنائه لشركة قطاع عام هي «المقاولين العرب» وقامت بتأثيث المبنى 3 شركات هي موم وودي اند يلكس وموبيكا وعمل في البناء اكثر من 20 ألف شخص على مدى ثلاث سنوات. وقد تكلفت المباني 31 مليون جنيه والأثاث والمزروعات 9 ملايين جنيه بالإضافة إلى مسابقة أقيمت بين 35 فنانا تشكيليا لاختيار 400 لوحة فنية بلغت تكلفتها 600 ألف جنيه. ويؤكد د. حماد عبد الله أن الحكومة المصرية بإنشائها لهذا المبنى قد رشدت الانفاق، وزودت قيمة الأصول لديها وحركت سوق المقاولات وفتحت فرص عمل لعدد كبير من العمال ومع قرار رئاسة الوزراء ومحافظة القاهرة بنقل المصالح الحكومية إلى خارج العاصمة، ستزيد فرص إنشاء مبان حكومية جديدة فاخرة وستزيد فرص انتعاش القطاع العقاري وشركات المقاولات.

ويقول أحمد السيد رئيس الاتحاد المصري للبناء والتشييد كفانا مباني عشوائية قبيحة المظهر، فالمباني الحكومية وغير الحكومية لا بد أن تتسم بمظهر حضاري تليق بوجودها في القاهرة كعاصمة كبيرة، ولا بد لمبنى يخدم المستثمرين المصريين والأجانب ان يتميز عن أي مبنى حكومي آخر بالفخامة وقد نفذته شركة مقاولات عامة، بما يفتح المجال لإثبات قدرات شركات المقاولات العامة المليئة بالكفاءات على الاضطلاع بتنفيذ أفضل المباني المعمارية الحديثة الفخمة ويسمح بالمنافسة بما يؤدي لإنعاش السوق.

ويتفق المهندس صلاح حجاب الخبير المعماري في الرؤى السابقة باعتبار المباني الحكومية علامة لعصر يجب أن تراعي العوامل القابلة للديمومة، وأنه لا يوجد إسراف في البناء الفخم ما دام يؤدي وظيفته بطريقة سليمة لكنه يختلف في وجهة النظر القائلة ان المباني الحكومية تنشط قطاع المقاولات والبناء في مصر مشيرا الى أن نشاط التشييد يستهلك 40% من الخطة الاستثمارية ويتوجه لبناء وتمهيد الشوارع والطرق والمباني السكنية والمطارات والمباني الحكومية، فأنشطة تمهيد الطرق والكباري قد تكلف المشروع الواحد ما بين 300 إلى 400 مليون جنيه، وهذا ما ينشط قطاع المقاولات بينما لا ينظر للمباني العامة باعتبارها نشاطا عقاريا فهي تمثل جزءا ضئيلا من النشاط العقاري، حيث تأخذ القاهرة نسبة 20% من حجم الاستثمار عموما وما ينشط السوق العقاري هو حركة العمران من تخطيط مدن وتمهيد طرق ثم الصناعات التي تقوم في هذه المنطقة.

أما المباني الحكومية الحديثة، سواء مبنى وزارة الاستثمار أو الصندوق الاجتماعي، كذلك مبنى جريدة الجمهورية الجديد أو وزارة المالية، فهو يعد تنشيطا للفكر الإبداعي لدى المهندسين المعماريين، خاصة ان المسألة ليست رسم لوحة هندسية ولكن التأكد من وظيفة المبنى وحرفيته في أداء الغرض من تأسيسه، خاصة أن العملية التصميمية أصبحت معقدة في تصميم مداخل الشكل الخارجي.