السعودية: مطالبة بإنشاء منظمة للتثمين العقاري لضمان سير السوق

مكة المكرمة تشهد أكبر عمليات التثمين في مشاريع «أبراج البيت» و«الشامية» و«جبل عمر»

TT

تعد عملية التثمين العقاري من أهم الركائز الاساسية في عمليات البيع والشراء في السوق العقارية، حيث تأتي في مقدمة العمليات لاتخاذ قرار البيع أو الشراء أو دراسة جدوى هذه المشاريع من حيث الدخل مقارنة مع قيمة العقار. وعادة ما يكون التثمين العقاري ممارسا من قبل أشخاص لهم خبرة طويلة في عمليات البيع والشراء والسمسرة للاراضي أو المباني أو حتى المنتجعات والمنشآت الصناعية والتجارية، حيث يتم في بداية بيع أي مشروع تقييم ارضه سواء من حيث الحجم او من حيث الموقع.

وعادة ما تخضع عمليات التقييم لعدد من الأساسيات في تلك العملية، إذ الأساسية الاولى تكون من حيث تحديد سعر العقار المراد بيعه او شراؤه، حيث ترتفع الاسعار في المناطق التي تحمل الكثافة السكنية او تقع ضمن شريط تجاري مرغوب فيه من قبل المستثمرين. وفي السعودية، وبالتحديد في مكة المكرمة والمدينة المنورة يعمل الحرمان الشريفان على تحديد اسعار العقارات المحيطة بهما حيث تؤثر عليهما من حيث القرب وسرعة الوصول إليهما، بالاضافة الى ما يعطيه العقار من إطلالة مباشرة وغير مباشرة.

بالاضافة الى المؤثرات السياسية والمحلية والخارجية والأوضاع الاقتصادية المحلية، ومعدلات العرض والطلب، والتغيرات التي تطرأ على القوانين والنظم المؤثرة سلبياً أو إيجابياً بالسوق العقارية وأسواق المنافسة والفرص البديلة كسوق الأسهم والعلاقة العكسية.

ويشير عقاريون في السعودية الى أن عملية التثمين تعتبر مهنة لابد منها في أي شخص يرغب في العمل العقاري، حيث أن ممارسة عملية التثمين من قبل أشخاص غير متخصصين قد تلحق ضررا بالراغبين في البيع او الشراء في العملية العقارية وتعمل على إضعاف دراسات الجدوى العقارية على المستوى البعيد. وفي السعودية، عادة ما يكون المثمن العقاري الشخص المتابع والملم وذا موهبة ودراية كاملة لعملية تناول الأموال على اختلافها بالتقييم الفني وما يتبع ذلك من تقييم مادي ومعنوي ووضع أهداف لتسويقها للراغبين في إطار من الأمانة والشرف من دون غش أو دلس.

وأضاف العقاريون أن مهنة التثمين العقاري تمتلك حيزا كبيرا من الاهتمام في دول الغرب، إذ أنشئت شركات ومنظمات لعملية التقييم العقارية لحساب الأصول العقارية للشركات والمؤسسات والافراد، وذلك لما للسوق العقارية من تأثير مباشر على الاقتصاد بشكل عام، حيث كانت الامثلة كثيرة في خسارة وانهيار عدد كبير من الشركات العقارية في الالفية السابقة نتيجة خلل في نظام التقييم العقاري، مما دفع بعض الحكومات الغربية الى إنشاء تلك المنظمات والشركات تحسباً لإنهاء تلك العيوب في عمليات التثمين العقاري.

وفي السعودية، عادة ما تتخذ كبرى الشركات التجارية والبنوك والمصانع مثمنين عقاريين غير معلنيين للبحث عن عقار لهم يساعدهم على تطبيق دراسات الجدوى لأي نوع من ممارسات تلك الجهات لأعمالهم، وذلك لعدم استغلال اصحاب الاراضي وملاك المباني تلك أسماء تلك الجهات ورفع الايجارات او رفع اسعار المتر المربع الواحد في الاراضي أو رفع سعر المباني كون المشتري يمثل بنكا او مصنعا او شركة تجارية.

وكشفت مصادر عقارية أن العديد من ملاك الاراضي في مختلف مناطق السعودية سعى الى رفع أسعار العقار عندما علم ان المشتري يمثل جهة بنكية او جهة مالية، مما جعل تلك الجهات تبحث وتتفاوض عن طريق مثمنين عقاريين للابتعاد عن تلك الممارسات من قبل الملاك في رفع الاسعار، في حين لا تزال المحاكم الشرعية تستعين بمثمنين عقاريين لحل بعض النزاعات فيما يتعلق بالعقارات المتخصصة بالورثة. وتمارس عملية التثمين العقاري في السعودية كل المكاتب العقارية من دون النظر إلى الخبرة أو التأهيل. وكانت وزارة التجارة السعودية قد أنشأت لجنة لتقييم وتثمين العقارات قبل فترة خصيصاً لإحدى المساهمات العقارية غرب السعودية بعدما كثرت عليها الشبهات حول سعر المتر الذي تم طرحه بسعر مرتفع على حد تعبير عقاريين في تلك الفترة، مما دفع وزارة التجارة التي قامت بدورها بإنشاء لجنة معتمدة من قبلها لتقييم سعر الارض المطروحة كمساهمة عقارية لحفظ حقوق المساهمين من رفع اسعار المتر المربع لتلك الارض.

كما سعى عدد من الشركات العقارية العاملة في السوق السعودية الى إنشاء أقسام ضمن منظومتها العقارية تختص بالتثمين العقاري، يعمل في تلك الاقسام أشخاص مهنيون في العمل العقاري ويملكون خبرة كبيرة في عمليات البيع والشراء في العقارات ويكونون على دراية تامة بالنواحي الاقتصادية والعلمية والتاريخية والفنية والاجتماعية التي يقومون باستثمارها في خدمة المجتمع، وهذا يتطلب أن يكونوا ذوي كيان قانوني، بالاضافة الى تقييم الاشياء من واقع طبيعتها، الامر الذي أكسبهم خبرة كبيرة في عمليات التثمين بمعادلات حسابية دقيقة، تعطى الصورة الحقيقة لسعر العقار المثمن.

كما أعلن في فترات سابقة إنشاء شركة مختصة ينصب عملها أساسا على مهنية وضع أسعار للعقارات فقط، وذلك بقصد تحديد الثمن.

وذكر محمد الحربي، مثمن عقاري، أن التقييم العقاري هو لتقييم وتحديد سعر العقار المراد بيعه، ويتأثر ذلك التقييم بعدد من العوامل كموقع العقار، واستخدام العقار، بالاضافة إلى طبيعة البلد الواقع فيه العقار كالمدن الساحلية والصحراوية، والدورة الاقتصادية فيه التي لها تأثير مباشر على تحرك سعر العقار، مشيراً إلى أن هذه العوامل توضح في عقارات دبي التي تزداد سنوياً، وذلك بفضل كثرة دخول المستثمرين وخروجهم من الاستثمار العقاري او التجاري في المدينة.

وأضاف أن هناك مدنا تحمل نفس المواصفات لمدينة دبي لا يزداد عقارها بسبب الاحوال الاقتصادية فيه. وزاد أن المثمن العقاري يجب أن يكون مورثا لمهنة العقار، لمدة لا تزيد عن عشر سنوات، وأن تكون سمعته طيبة ومعروفا لدى المجتمع، بالاضافة إلى أنه لا يرتبط ارتباطا وثيقا مباشرا او غير مباشر بالعقار المراد بيعه.

وبين الحربي أن التثمين العقاري في السعودية يختلف على نحو ثلاث طرق; حيث أن الطريقة الاولى تشمل الطريقة القديمة، والتي تحسب دخل العقار على تكلفته، وإن كان يمثل 10 في المائة، كان ذلك العقار جيدا وهذه الطريقة قد لا تكون صحيحة مائة في المائة كون الظروف المحيطة بالعقار متغيرة. الطريقة الثانية هي طريقة المقارنة التي تقارن بعقار محيط بالعقار المراد بيعه واحتساب سعره على غرار اسعار العقارات بجانبه. والطريقة الاخيرة معدلة بحساب قيمة الأرض ومتوقع الدخل وقيمة رأس المال وتكلفة العقار، موضحاً أن الشركات العقارية في الوقت الحالي تتبع دمج الطرق الثلاث لتثمين العقار وتقييمه.

وأكد أن وزارة التجارة سمحت لعدد من الشركات المختصة بالعمل في التثمين العقاري إلا أنها الشركات لم تقم بدورها، مطالباً بإنشاء هيئة مستقلة يستعان بها كالجهات المرتبطة نثل المحاكم والشركات بشكل عام والمساهمة منها بشكل خاص، وذلك لتقييم اصولها العقارية، وهذا لحل ما يحدث من بحث الشركات عن جهات استشارية اقتصادية لا تمت للتثمين العقاري بأي صلة مما قد يكون مردوده سلبا على تلك الشركات.

وبين أن هناك عددا من المستثمرين السعوديين يتوجهون لدول مجاورة للبحث عن مقيمين عقاريين لتقييم عقاراتهم داخل السعودية، مما يشدد على أهمية وجود هيئة مستقلة لتثميين العقار. وذكر الحربي أن السوق العقارية بحاجة إلى تنظيم اكثر للمساعدة على الوصول إلى افضل المستويات في مؤشر الحركة. وأشاد بجهود وزارة العدل بنشر الصفقات العقارية خلال الاسبوع وذلك لمساعدة المثمنين على معرفة الصفقات وكيفية تثمينها.

وشهدت مكة المكرمة في الفترة الماضية أكبر عملية تثمين عقاري في السعودية بعدما سعت شركة جبل عمر لإنشاء مشروعها (جبل عمر الواقع في المنطقة المركزية والقريب من الحرم المكي الشريف) وذلك لنزع الاراضي والممتلكات لصالح المشروع البالغة عقاراته 1200 عقار تقدر بنحو أربعة مليارات و200 مليون ريال (1.119 مليار دولار) فيما تقدر تكلفة البناء والتنفيذ بـ 6 مليارات (1.599 مليار دولار).

وذكر أحمد الشريف، أحد المتعاملين في عقارات مكة المكرمة، أن عملية التثمين التي واجهت شركة جبل عمر كانت من أصعب العمليات على مستوى التقييم والتثمين العقاري، حيث كان الملاك يسعون لرفع الأسعار أكثر مما تم تحديدها من قبل الشركة. وكان على شركة جبل عمر التعامل مع الملاك بشكل مرن، وهو الذي حصل بالفعل حيث وافق الكثير على قبض حقوقهم عن طريق دفع المبالغ لهم أو احتساب عقاراتهم ضمن المساهمة في شركة جبل عمر والحصول على نسبة من ملك المشروع.

وأضاف الشريف أن عمليات التقييم تم احتسابها وفق معطيات اساسية في عملية التثمين العقاري في المنطقة المركزية، حيث تمثل المنطقة المركزية أغلى سعر للمتر المربع في العالم، اذ يتراوح سعر المتر المربع ما بين 300 الف (80 الف دولار) و200 الف (53.3 الف دولار) في المناطق القريبة من الحرم المكي الشريف، والذي يهبط تدريجياً كلما ابتعد العقار عن الحرم. وبين الخبير العقاري أن الحكومة السعودية سعت الى إنشاء لجنة لتقييم الاراضي والعقارات الواقعة في الطريق الموازي السريع القادم من جدة، والذي دشنه الأمير عبد الله بن عبد العزيز في نهاية العام الماضي، وبلغت أسعار العقار نحو 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار)، إضافة الى أن مكة المكرمة مقبلة على عملية تثمين أخرى جديدة تعد الأكبر لمشروع الشامية التابع لمجموعة الاولى للتطوير ومجموعة من المستثمرين، والذي تتجاوز قيمته أكثر من 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار).

وحدد الأكاديمي السعودي الدكتور عبد الله المغلوث أنواع التثمين في السعودية بأربعة أنواع; النوع الاول هو تثمين الافراد وهو ما يمارس بشكل يومي عن طريق الأصدقاء أو المعارف، والذي قد ترتكب من خلاله أخطاء تكلف غالياً عند عمليات البيع أو الشراء. والنوع الثاني هو تثمين المستثمرين ويمارسه المستثمرون الراغبون في شراء او بيع عقار وتعتمد قراراتهم على معلوماتهم عن السوق، وعليه فإنهم يميلون إلى الموضوعية والواقعية فيما يختص بتقييمهم للعقار وتعتمد أحكامهم بصفة عامة على ما يعود به العقار لهم من عائد. النوع الثالث هو تثمين وسطاء البيع (سماسرة العقار) وهم من يقومون بهذه العملية بشكل يومي ويختصون بالأملاك العقارية ويعتمد رأيهم على معلوماتهم عن السوق العقاري بصفة خاصة على الأنشطة الدائرة وهم لا يتبعون العملية التثمينية. النوع الرابع وهو تثمين خبراء التثمين العقاري المحترفين، وهم من يقومون بالتثمين باعتباره مهنة محترفين وذلك بوضع قيمة موضوعية وحقيقية وواقعية للعقار بعد تحليل كل البيانات المرتبطة بالعقار والمتوفرة بالسوق. وإلى جانب البيانات المحاسبية والتحليل الإحصائي يعتمد المثمن أيضاً على خبرته حتى يأتي تقرير قيمة العقار بأسلوب موضوعي.

ويرى العقارييون أن المثمن العقاري يجب أن تتوافر فيه عدد من الصفقات ليكون ناجحاً في عمله، وأولها صفة الاخلاق والنزاهة وأن يؤدي عمله بعيداً عن أي سلوك مشين أو غير أخلاقي أو غير قانوني، وأن تكون لديه المعرفة والخبرة لإكمال تكليف التثمين بكفاءة وأن يكون ملما بالتشريعات والقوانين مع الجهات الرسمية بالسوق العقارية، كالبلدية وقوانينها في التقسيمات للارض والعقارات أو القضاء والقوانين المتصلة بقانون الإيجار، وقانون التمليك، والمعرفة التامة بالخطوات اللازمة لتداول ونقل ملكية العقارات بين البائعين والمشترين، والمعرفة بالمعادلات الحسابية في السوق العقارية، إذ أن جزءاً كبيرا من الخبرة في تقييم العقار يقوم على أسس حسابية، الدخل وسعر المتر المربع من الاراضي، والمعرفة باختصاصات العقار أو طريقة الاستعانة بالجهات التي تحدد الاختصاص للعقار (كالبلدية)، فهناك أنواع من العقارات كالسكن الاستثماري، التجاري والمخازن والصناعي والزراعي والشاليهات.. ويطالب عدد من العقاريين بأن يقوم القطاع الخاص بالاتجاه لإنشاء معهد مهني متخصص لتخريج الراغبين في السوق العقارية كوسطاء أو خبراء لهم دراية بالسوق، على أن توضع له ضوابط وقوانين. أسوة بالأعمال المهنية الأخرى التي توضع لها دورات واختبارات لاجتياز ذلك للحصول على ترخيص لاحتراف المهنة كالمحامين والمهندسين..

ويضيف الدكتور المغلوث أن استخدامات التثمين العقاري كثيرة منها الحصول على قرض أو تعاملات مع البنوك بضمان أملاك وتحديد أعلى قيمة للقرض، وتحديد قيمة التأمين الذي يجب الحصول عليه لتغطية جزء من قيمة العقار الذي يمكن أن يتعرض للهدم، واتخاذ قرارات استثمارية سواء ببيع الأملاك أو شرائها أو الاحتفاظ بها، وتقدير قيمة عقار مستغل في مشروع، وتقدير قيمة عقار من أجل تحديد أنصبة الورثة في التركة العقارية.