حركة البناء «الأهلي» الصيفية وانتشار ثقافة شقة الضواحي والحوافز الحكومية الجديدة تنعش أنشطة المقاولات والعقارات في مصر

TT

يقف قطاع المقاولات المصري على أعتاب مرحلة انتعاش قوية في الأسابيع المقبلة، مدفوعا ببدء حركة البناء والتعلية والتشطيب الأهلية التي يقوم بها في الصيف عادة المصريون العائدون من الخارج بمدخراتهم، إلى جانب عامل جديد أصبح واضحا في تأثيره وانتشاره، هو تغلغل ثقافة البحث عن شقة ثانية في الضواحي بين أبناء الطبقة المتوسطة المصرية، وهي الثقافة التي تعد بديلا عن حلم الحصول على شقة بالإسكندرية، الذي كان يجتاح هذه الطبقة في سنوات الخمسينات وما بعدها، وحيث الحصول على شقة في المدن الجديدة الآن أسهل وأرخص من الحصول على شقة شاطئية أو شاليه، علاوة على أن المدن الجديدة التي نشأت تقدم لقاطنيها خدمات (كخدمات السباحة المشتركة والمتنزهات) ما يغني عن الذهاب إلى المدن الساحلية، وضاعف من قوة الدفع في نشاطي المقاولات والعقارات المترابطين، مجموعة التيسيرات الجديدة التي قدمتها الحكومة في مجال التمويل العقاري وخفض أسعار الأراضي والسماح للأجانب بالتملك في المدن الساحلية وحتى سيناء (حق انتفاع لمدة 99 عاما)، هذا إلى جانب التيسيرات المتعلقة بتعديل قانون المناقصات والمزايدات وتسهيل حصول المقاولين على مستحقاتهم واستقرار أسعار الصرف الذي يقلل تكلفة المستلزمات الواردة ويشجع العرب على شراء الوحدات السكنية. ومن جانبه أكد نعمان الزناتي «وسيط عقاري» ظهور حركة بناء واضحة خلال الأشهر الماضية وزيادتها خلال موسم الصيف مرجعا ذلك إلى وجود طلب على الإسكان المتوسط يفوق المعروض الآن ناتج عن انتشار التعامل بنظام الإيجار الجديد مما سهل الحصول على شقة للزوجية بنظام العقد المحدد المدة وهو ما أدى إلى سحب المخزون من هذه النوعية من الإسكان.

وأضاف الزناتي أن شركات المقاولات أصبحت مدركة لحجم طلب السوق العقاري ونوعيته وقررت العمل على تلبيته لتعويض خسائرها في الإسكان الفاخر الذي يعد اقل طلبا من المتوسط، موضحا أن جميع الإعلانات التي تصدر عن الشركات العقارية تشير إلى الخروج من حالة الركود والتغلب عليها وأن القراءة الصحيحة للسوق واحتياجاته وعدم التوسع في البناء الفاخر والذي يحمل في تصريفه مخاطر كبيرة، هي عوامل تدل على نضج السوق وتوازنه.

ويقول الزناتي أن معظم الشقق المعروضة للبيع هي بنظام النصف تشطيب مما يساعد على تصريف المنتج من العقارات وتوفير تكلفة على المشتري الذي يترك له نوعية وحجم وتوقيت التشطيب مشيرا على أن هذا النظام أصبح مسيطرا الآن على سوق العقارات لما له من فوائد لجميع أطراف العملية العقارية.

أما المهندس محمد عبد العظيم فيعزو حركة النشاط التي ظهرت بقطاع المقاولات إلى تباين أسعار مواد البناء بين الارتفاع والانخفاض وعدم القدرة في السيطرة على منحنى الأسعار خلال الفترة المقبلة مما أدى إلى سرعة البناء والانتهاء من المشروعات الحالية لتصريفها خلال الفترة المقبلة قبل أن تضطرب أسعار الحديد والأسمنت واستغلالا لتحرك الطلب على الوحدات والذي يظهر مع عودة العاملين المصريين بالخارج وزيادة السياحة العربية التي اتجهت أخيرا لشراء وحدات عقارية مستغلة استقرار سعر الدولار في السوق المصرية.

وعلى جانب آخر يرى صلاح حجاب رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين ضرورة استغلال الانتعاش الذي يلوح، مشيرا إلى أن العبرة ليست بتعويض الشركات عن الخسائر التي لحقت بها كانعكاس لتحرير سعر الصرف وإنما تعويضها أيضا عن تأخر حصولها على مستحقاتها عن الأعمال التي تم تنفيذها بالفعل، حيث أنعكس ذلك على المشروعات بالكامل وبالتالي تعرضها لغرامة التأخير بدون إرادتها. وقال ان صرف التعويض المؤقت يأتي ضمن سلسلة من الأحداث المطلوبة لإعادة القطاع للمسار الصحيح وعلى رأسها تجنب الشركات التي تأخرت في تنفيذ مشروعاتها غرامة التأخير.

أمات أسامة البطاح رئيس المكتب الفني لرئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للتشييد فيرى أن التعويض المؤقت مطلوب لتحسين أوضاع الشركات إلا أنه لا بد أن يصحبه احتساب الزيادة التي وقعت في أسعار مواد البناء ومكونات المشروعات على مدار العام خاصة وأنها وصلت في بعض الأحيان إلى 100 في المائة.

وطالب البطاح بضرورة تحمل جهة الإسناد فوائد القروض التي حصلت عليها الشركات من البنوك نتيجة تأخر سداد المستحقات وبالتالي التأخر في سداد أقساط القروض وكذلك ضرورة ضم مدد التأخير في التنفيذ الناتجة عن تأخر سداد المستحقات في البرنامج الزمني المعتمد للمشروع.

ومن ناحية أخرى يرى محمد الهياتمي أمين عام الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء ضرورة تدخل الحكومة بحل مشاكل قطاع المقاولات، مشيرا إلى تباطؤ جهات الإسناد الحكومية والهيئات والوزارات في صرف التعويضات التي أقرتها اللجنة الوزارية للخدمات واعتمدها رئيس مجلس الوزراء منذ ديسمبر الماضي، وتقضي بصرف نسب محددة وفقا لنوعية البند لجميع الأعمال التي تمت بعد يناير 2003 عن التعاقدات التي أبرمت قبل هذا التاريخ إلا أن الوزارات والهيئات رفضت صرف هذه النسب بما فيها النسبة المؤقتة السابق صدور قرار حكومي بسرعة صرفها والصادر بها قرار رئيس مجلس الوزراء في فبراير 2004 والمحددة بـ 10 في المائة.

وأكد الهياتمي أن عددا كبيرا من شركات المقاولات قد يضطر لتصفية أعماله إذا لم تتدخل الحكومة، موضحا أن التعويضات ليست المشكلة الوحيدة حيث يوجد نقص كبير في السيولة المالية لدى الشركات، خاصة في ظل رفض البنوك التدخل لإنقاذ الشركات بضخ تمويل جديد يخرجها من حالة التعثر.

واضاف انه مما زاد من عدم قدرة الشركات على التوسع في النشاط العقاري رغم التحرك الملحوظ قيام عدد كبير من الوزارات والهيئات الحكومية بسحب أعمال المقاولات سواء العامة أو الخاصة بالإضافة إلى تسييل خطابات الضمان المحفوظة لديها التي تمثل 5% من قيمة العملية كتأمين نهائي، كما توقفت البنوك في نفس الوقت عن منح تسهيلات ائتمانية لـ 80 في المائة من الشركات وفرضت فوائد باهظة على خطابات الضمان التي حلت عليها.

ومن جانبه انتقد أحمد السيد رئيس اتحاد مقاولي البناء والتشييد غياب العقد المتوازن الذي يحفظ للمقاولين حقوقهم أمام جهات الإسناد ويأتي ذلك على الرغم من أن التعديلات الأخيرة التي أدخلت على قانون المناقصات والمزايدات الشهر قبل الماضي قد أعادت للمقاولين بعضا من حقوقهم، ومنها عدم تأخير صرف مستحقات المقاول لأكثر من 60 يوما وفي حالة تجاوز هذه المدة يتم احتساب فوائد بنكية على جهات الإسناد بسعر الفائدة المعلن بالبنك المركزي، حيث أوضح السيد أن ذلك كله لن يطبق إلا بعد صدور اللائحة التنفيذية للقانون التي تستغرق عدة أشهر وهو ما قد يعرض المقاولين لمأزق شديد.

وناشد أحمد السيد وزير المالية وقف تحصيل ضريبة المبيعات من سنة 94 وحتى سنة 2002 على قطاع المقاولات وهي الفترة التي عانى فيها قطاع العقارات بشكل عام من حالة ركود شديد مؤكدا أن تعرض أي قطاع لمخاطر فترات ركود تعد خارجة عن إرادة الشركات وبالتالي فإنها تستحق تدخلا فوريا من الحكومة لدعم هذا القطاع وبالنظر إلى قطاع المقاولات وحجمه سواء عدد المقاولين الذي يتعدى 27 الف مقاول وارتباطه بقطاعات صناعية أخرى تصل إلى 80 صناعة، وباعتباره من القطاعات كثيفة العمالة فانه لا بد أن يكون حل مشاكله الخارجة عن الإرادة محل بحث جدي وسريع من الجهات الحكومية لتنشيط المقاولات والإسكان ولمردود ذلك على الاقتصاد القومي.