لبنان: عقود المشاركة العقارية والبيع على الخريطة ينتجان حالات احتيال ومشكلات متزايدة لدى المحاكم

TT

نشطت في السنوات الاخيرة في لبنان ظاهرتان اولاهما «عقود المشاركة» العقارية، والثانية «البيع على الخريطة»، وهما ظاهرتان تتلازمان في معظم الاحيان تسهمان بتنشيط القطاع، لكن تترتب عليهما احياناً مشكلات جمة تتمثل في مئات، لا بل آلاف الدعاوى امام المحاكم، نتيجة فسخ تلك العقود او سوء تنفيذ البيع على الخريطة.

ويحكى عن متعهدين لبنانيين جمعوا اموالاً طائلة من الشارين، من دون اي غطاء قانوني، وفروا بما جنوا من لبنان تاركين وراءهم مآسي اجتماعية بكل ما للكلمة من معنى، بحيث يعجز الشاري ـ غالباً ما يكون هناك اكثر من شار للشقة الواحدة ـ عن تحصيل الاموال التي دفعها كدفعة اولى من ثمن الشقة، فيما يقع مالك الارض بين مشكلتين: مشكلة الشاري، ومشكلة المتعهد. وقد كان الفنان اللبناني المعروف الكبير وديع الصافي، احد ضحايا هذه الظاهرة. وتقوم عقود المشاركة بين طرفين: المالك الذي يقدم الارض، والمتعهد الذي يتولى اعمال البناء وفق نسبة معينة من البناء تعود الى المتعهد لقاء اتعابه، وغالباً ما تتضمن هذه العقود بنوداً جزائية تطبق على من يخل بالعقد، الذي يبقى عقداً بين طرفين من دون غطاء قانوني.

وفي احيان كثيرة يعجز المتعهد عن اكمال البناء، اما بسبب التقصير المادي، واما بسبب الفوائد العالية، وهنا تقع المشكلات بين طرفي العقد التي لا تنهيها سوى المحاكم بعد طول معاناة وطول وقت.

والاسوأ من ذلك عندما يسمح عقد المشاركة للمتعهد ببيع الشقق من المواطنين، وعندما يفرض المتعهد على كل شار دفعة اولى، وغالباً ما يلجأ الى بيع الشقة الواحدة الى اكثر من شار، اما بدافع جمع اكبر قدر من المال والهروب به الى خارج لبنان، واما بدافع الترسمل لاكمال البناء، وهنا تقع المشكلات الاكبر التي تتحول الى مآس اجتماعية فعلية. يقول رئيس هيئة تحديث القوانين النائب السابق، اوغست باخوس، لـ «الشرق الاوسط»: «لقد اولينا هذه المشكلات اهتماماً كبيراً بعد الحوادث الكثيرة المؤسفة التي تكررت في السنوات الماضية وذهبت ضحيتها عشرات، لا بل مئات، الاشخاص من المالكين والشارين. وناقشنا الامر مع لجنة فرعية لوضع صيغة قانونية تحفظ قانون كل الاطراف، وتنظم عمليات المشاركة والبيع، لكن التطورات التي تسارعت على الساحة اللبنانية حالت من دون اكمال مهمتنا، ونأمل في ان نعود الى مناقشة هذا الموضوع مع لجنة الادارة والعدل المقبلة كي نحمي حقوق الناس ونضع حداً لعمليات الاحتيال والابتزاز»، ويضيف باخوس: «انا شخصياً كنت دائماً انبه الى مخاطر الشراء على الخريطة، معتبراً ان ذلك يبطئ جرم احتيال وتشويق ابتزازي لصاحب العلاقة. اما بالنسبة الى عقود المشاركة من دون حق البيع، فهي اقل تعقيداً، وبالامكان تسجيلها عند الكاتب العدل. وفي كل الاحوال، فهي تحتاج الى نقاش معمق، ودرس التجارب السابقة لاستخلاص العبر منها، والصيغ التي تصون حقوق كل الاطراف، كما حصل في فرنسا التي استطاعت ضبط هذه العمليات».

اما خبير التخمين العقاري، شربل قرقماز، فيقول: «يمكن تجنب المشكلات من خلال تسجيل عقد البيع عند الكاتب العدل مع ذكر قيمة الشقة لدفع الرسم عنها، وعند التسجيل النهائي يدفع الشاري الفارق اذا كان هناك من فارق. وفي مطلق الاحوال، اذا اخل متعهد البناء بالشروط وتوقف عن العمل لسبب او لآخر، فبامكان الشاري ملاحقة صاحب الارض قضائياً لتحصيل حقوقه مع ما في ذلك من ظلم على هذا الطرف. ويزداد الظلم اكثر عندما يكون هناك اكثر من شار لكل شقة، بحيث تفوق المطلوبات سعر الارض نفسها».

وكانت هاتان الظاهرتان تناقشان في اطار المساعي لتوحيد القوانين العقارية، حيث اعتبر رئيس محكمة التمييز القاضي، غسان ابو علوان، بأنها «تشكل ضمانة لثبات الملكية في السجل العقاري».

واشار الى ان هذه القوانين «اعدت عام 1926 على يد الضابط الفرنسي دورافور، الذي شغل منصب مدير الدوائر العقارية ايام الانتداب الفرنسي، والذي تأثر بالبريطاني روبير تورنس، ولم تعدل هذه القوانين سوى مرة وحيدة».