اتجاه لبيع أصول عقارية غير مستغلة مملوكة للحكومة المصرية والبنوك وشركات قطاع الأعمال

قيمتها تصل إلى أكثر من 775 مليون دولار

TT

أعلن د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار المصري أن وزارته ستعلن خلال أيام خريطة بمواقع عقارية تم اكتشافها، على حد تعبيره، مملوكة لشركات قطاع الأعمال والشركات القابضة وغير مستغلة، وهناك قائمة كبيرة باستراحات تمت اقامتها لرؤساء الشركات على طول وعرض المحافظات المختلفة في مصر، ومخازن كانت فيما مضى على أطراف العاصمة أو أطراف المحافظة أصبحت بعد التوسع العمراني في قلب وأهم المناطق العقارية بالإضافة إلى مئات الشقق والبنايات وقطع الأراضي الصغيرة المتفرقة، والكراجات.

وقدر وزير الاستثمار الثمن المبدئي بالأسعار الراهنة لتلك العقارات والأصول غير المستغلة بما لا يقل عن 4.5 مليار جنيه، (أي 775 مليون دولار) ما سيحدث ثورة في المجال العقاري والاقتصادي في مصر، ويفتح الباب لتوفير أماكن متميزة في مواقع يتطلع إليها المستثمرون. هذا التوجه الحكومي الذي تقوده وزارة الاستثمار لفت الأنظار لدى كل وزارة وهيئة حكومية، بل ولدى البنوك والمحافظين، للبحث عن أصول عقارية غير مستغلة لتبيعها وتحسن هياكلها المالية. وازدحمت الصحف المحلية بكثير من اعلانات لبيع مساحات لأراض خالية أو عقارات ووحدات سكنية وان اختلف أسلوب البيع ما بين مزاد علني أو بعطاءات ومظاريف مغلقة، وكذلك تنوع أسلوب الاعلان والوصول للمستثمرين ما بين الاتصال المباشر أو الاعلان في الصحف أو استخدام التقنية الحديثة من مواقع على الإنترنت لرؤية الأراضي والعقارات المراد بيعها وارسال بريد إلكتروني للحصول على مزيد من التفاصيل والمعلومات.

وتتركز جلسات البيع والمزادات العلنية خلال شهري يوليو (تموز) الحالي وأغسطس (اب) المقبل حيث تعلن وزارة الاستثمار والشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس عن بيع أرض وما عليها من مبان مساحتها 110587 ألف متر مربع في حي المنتزه بمحافظة الأسكندرية، وقد تراجعت الوزارة في تحديد موعد للبيع أكثر من مرة رغبة في الحصول على أعلى سعر لتلك المنطقة المتميزة في محافظة الأسكندرية، في الأسبوع الأول من شهر يوليو (5 يوليو) يعلن البنك الأهلي عن مزايدة علنية بنظام المظاريف المغلقة لبيع قطعة أرض فضاء غير زراعية على الطريق الصحراوي بين مصر والاسكندرية بمساحة 244790 مترا مربعا، وتدور تكهنات وأقاويل حول رغبة مستثمر اماراتي في شراء تلك الأرض والمزايدة بقوة عليها.

وتدخل أيضاً وزارة الزراعة المصرية واستصلاح الأراضي في سباق لبيع مساحات مختلفة من القطع الزراعية التي تعقد جلسات مزايدة لبيعها على مدى شهر أغسطس المقبل، من مساحات تبدأ بـ12 ألف فدان في توشكى إلى 40 ألف فدان في منطقة شرق السويس و65 ألف فدان في محافظة أسوان و42 ألف فدان في منطقة الساحل الشمالي بمحافظة مطروح كذلك قطعة أرض مساحتها 48 ألف فدان في منطقة شرق العوينات بمحافظة الوادي الجديد.

وتنتشر حمى البيع أيضاً في وزارة المواصلات والنقل حيث تعلن شركة النيل للإنشاء والرصف وهي احدى الشركات التابعة للشركة القابضة لمشروعات الطرق والكباري في منتصف الشهرالحالي عن جلسة بيع بالمزاد العلني لأرض فضاء بمساحة 20 ألف متر في موقع متميز بقلب حي مصر الجديدة السكني.

بينما تحاول البنوك العامة والخاصة والتجارية بيع وحدات عقارية وأراضي فضاء بمساحات أقل، وان اختلفت في قدرتها السريعة على البيع نظراً لتنوع الأصول التابعة لها ما بين شقق سكنية ومحال تجارية وما تقدمه تلك البنوك من تسهيلات في الدفع.

وخلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي يقوم بنك التجارة والتنمية التجاريون ببيع بالمظاريف المغلقة لشقق سكنية بمنطقة المهندسين بمساحات مابين 165 مترا و32 مترا ومحال تجارية بمدينة 6 أكتوبر والسيدة زينب وشبرا والاسكندرية. كذلك بنك المؤسسة العربية المصرفية الذي بيع بمزاد علني أيضاً أراض فضاء وزراعية ووحدات ادارية وشقق سكنية وفيلات في أحياء الزمالك والجيزة ومصر الجديدة و6 أكتوبر والهرم والساحل الشمالي. وفي نفس الإطار تسعى كل محافظة من محافظات مصر إلى تسويق الأصول العقارية غير المستغلة لديها، ويكمن نجاحها في أسلوب التسويق والترويج ومدى جاذبية ما تبيعه.

ويقول حسن حميدة محافظ المنيا إن هذا التوجه الفكري لاعادة استثمار الأراضي ذات القيمة العالية هو توجه اقتصادي جيد بشرط أن يتخلص من الحساسية والخوف، لأن العائد الاستثماري لهذا التوجه يمكن توجيهه لتطوير المناطق غير المحدثة بما لا يكلف أعباء مالية، وفي نفس الوقت يخلق فرص عمل، لأن بيع تلك المواقع للمستثمرين سواء بأغراض سكنية أو صناعية أو سياحية سيثمر عنها مشروعات تفتح مجالا لزيادة فرص العمل وزيادة عائد الاستثمار.

ويشير محافظ المنيا إلى تجربته في نقل مبنى مروري يقع إلى جوار المتحف على شاطئ النيل بالمنيا إلى أرض صحراوية بمساحة كبيرة وطرح المكان القديم لاستغلاله في مشروع سياحي أو بناء منطقة سكنية عالية المستوى كذلك بناء فنادق أو أماكن ترفيهية في المناطق المتميزة على النيل في محافظة المنيا، مشيراً إلى أن جهاز المشروعات يضع خطة لتلك الأماكن ثم يطرحها للمستثمرين.

وأوضح محافظ المنيا أن كل محافظة مصرية مطلوب منها خطة للمواقع العقارية التي يمكن تسويقها حتى عام 2017 ، مؤكداً أن هناك اقبالاً من المستثمرين العرب، فهناك عرض من أسرة الشيخ زايد بالامارات لشراء ألفي فدان لزراعة العنب وتصديره إلى أوروبا وقد تم اختيار الموقع في غرب محافظة المنيا على الطريق الصحراوي وجارٍ حالياً أخذ العينات واجراء أبحاث المياه وتحليل التربة. ويسعى سعيد البلتاجي محافظ سوهاج إلى الترويج لمحافظته من خلال جذب المستثمرين في مجال الصناعات الثقيلة، ويقول إن ما تتميز به سوهاج عن بقية المحافظات هو وجود ظهير صحراوي بعيد عن المنطقة السكانية بما يسمح بانشاء مصانع الأسمدة والاسمنت التي لها تأثير بيئي سيئ.. وأشار أن لديه أربع مناطق صناعية كاملة المرافق يقدمها للمستثمرين بالمجان في مناطق الكوثر وغرب جرجا والأجيوا وغرب طهطا، وأشار محافظ سوهاج إلى وجود فرص عقارية جيدة للمستثمرين من خلال بيع منطقة مخازن قديمة مساحتها 8 آلاف متر وهي تصلح لاقامة فندق أو أسواق تجارية سياحية لقربها من النيل. وأوضح سعيد البلتاجي أنه يبحث طلب شركة كويتية ترغب في اقامة مشروع لتقسيم الأراضي والعقارات واقامة مطار.

أما البنوك، فقد أشار سيد محمود مدير الشؤون الادارية ببنك القاهرة الى أن عدداً كبيراً من الأصول العقارية آلت ملكيتها للبنك وفاء لديون بعض العملاء لذلك يقوم البنك بتسويقها وبيعها إما عن طريق ادارة أمناء الاستثمار بالتعاون مع الخبراء المثمنين وطرحها في مزاد علني، أو عن طريق تقديم مظاريف مغلقة أو بعرضها على كبار العملاء للتقدم بعروضهم بشأنها، كذلك باستخدام شبكة الإنترنت وعرض كافة بيانات الأصول المطلوب بيعها والاستعانة بشركات للتسويق العقاري أو من خلال الاشتراك في معارض التمويل والاستثمار العقاري.

ويؤكد مدير الشؤون الادارية ببنك القاهرة أن البنك يهدف إلى التخلص من الأصول غير المنتجة التي ينتج عنها زيادة المصروفات من دون عائد والتي يشترط القانون 88 لسنة 2003 أن يتم التخلص منها في مدة لا تزيد عن 5 سنوات.

وقد نجح البنك بالفعل في بيع عدد من هذه الأصول ترتبت عليها زيادة في الأرباح الرأسمالية (حوالي 10.910 مليون جنيه). كما منح البنك تسهيلات في السداد والتقسيط على خمس سنوات بفائدة 11 في المائة سنوياً.

ويعلق د. أحمد أنيس رئيس مركز التقييم العقاري بجامعة القاهرة بالقول ان التجربة أثبتت أن «الحكومة ليس عملها الاستثمار» فهي «رجل أعمال سيئ» وانما عملها هو الحكم والادارة وتحسين المناخ الذي يخدم الاستثمارات، وقد اعتمدت الحكومة المصرية في الماضي على توجهات المجتمعات الاشتراكية في أن تشارك في الاستثمارات لكن تلك التوجهات انهارت مع انهيار المجتمعات الاشتراكية، لذلك فهناك موروث ضخم من الأصول العقارية على الحكومة المصرية أن تتخلص منه خاصة في مجال العقارات الصغيرة كالشقق السكنية التي تحتاج إلى عدد كبير من الموظفين لادارتها، وتسييل هذه العقارات يعود بعائد استثماري جيد للمجتمع ويفتح فرص استثمار جديدة. لكن لا بد أن تتوافر عدة معايير لأن الطرح الجيد لهذه الأصول العقارية لا بد أن يسبقها تقييم جيد لها بقيمتها السوقية وليس بقيمتها الدفترية. كذلك يجب وضع خطة لتسويق وتسييل هذه الأصول، فلا تعرض كافة تلك الأصول مرة واحدة وانما يتم عرضها تباعاً لأن اغراق السوق بهذه الأصول سيؤدي إلى تخفيض الأسعار.

لذلك يجب في البداية حصر كافة الأصول العقارية وتقييم قيمتها ووضع خطة زمنية لعرضها للبيع بشكل متتابع وخطة أخرى لتسويقها وفقاً لنوعية العقارات والأراضي.

ويضيف د. أحمد أنيس أن الفرصة مواتية في هذه الفترة للحكومة المصرية لبيع تلك الأصول العقارية لأن هناك حركة اقبال جيدة على الشراء من المستثمرين العرب، وقد نجحت الحكومة في عقد صفقات جيدة مثل صفقة أرض المقطم مع شركة اعمار الاماراتية. وأشار أنيس الى أن أسعار العقارات ستزيد العام المقبل نتيجة توقف ظاهرة الدولرة والاتجاه لشراء العقارات.