استثمارات الشرق الأوسط في العقار البريطاني حجمها 1.6 مليار إسترليني سنويا

التمويل الإسلامي العقاري في بريطانيا يبلور أدوات جديدة لفتح أبواب الاستثمار لمسلمي بريطانيا والخارج

TT

يعد قطاع التمويل الاسلامي العالمي الاكثر نموا في الوقت الحاضر بين كل القطاعات المصرفية، حيث أوضحت دراسة لمركز دبي المالي ان السوق الدولية للتمويل الاسلامي يبلغ حجمها 200 مليار دولار، وتنمو بنسبة تتراوح بين 12 و15 بالمائة سنويا. وتمتد توقعات النمو بهذه النسب الى السنوات العشر المقبلة.

وفي مجال الاستثمار العقاري تنمو معدلات الاستثمار الاسلامي فيه بنفس النسب، وان كان حجمها الاجمالي صغيرا نسبيا لعدم وجود أدوات الاستثمار الاسلامي الكافية في الاسواق حتى وقت قريب. وتتفق هيئة الخدمات المالية البريطانية FSA مع تقديرات مركز دبي المالي، وتضيف: ان هذا الحجم المقترح لسوق التمويل الاسلامي يمثل الحد الادني للاستثمار الاسلامي العالمي الذي قد يصل حجمه الاجمالي الى ضعف هذا التقدير، أي حوالي 400 مليار دولار. وتضيف الهيئة ان حجم الاستثمار العقاري من منطقة الشرق الاوسط في أوروبا، بأساليب التمويل الاسلامي، تصل في مجملها الى حوالي 827 مليون إسترليني سنويا منها نسبة 91 بالمائة في بريطانيا، أي حوالي 750 مليون إسترليني. وفي مجال العقارات التجارية يبلغ حجم الاستثمار الشرق أوسطي في بريطانيا حوالي 875 مليون إسترليني سنويا تنمو بنسبة 15 بالمائة. أي ان مجموع الاستثمار العقاري من الشرق الاوسط في بريطانيا سنويا، ومعظمه يتبع نظام التمويل الاسلامي، يبلغ أكثر من 1.6 مليار إسترليني سنويا.

جاذبية لندن

* وخارج نطاق العالمين العربي والاسلامي، تبدو لندن في الوقت الحاضر الاكثر تأهلا لكي تكون أحد المراكز الدولية الرئيسية للتمويل العقاري الاسلامي لعدة أسباب منها توافر القاعدة المصرفية الخبيرة، الواعية بمطالب المستثمر المسلم، وتوافر الخبرات القانونية ووجود سوق عقارية ومالية ناضجة ذات عوائد جيدة وهيكل اسعار مستقر. ولا تدخل الاحداث الارهابية الاخيرة في الحسبان لان الرأي السائد هو أنها هامشية وغير مؤثرة في مدينة بحجم لندن، ولان مثل هذه الاحداث وقعت في مدن أخرى، بعضها مدن عربية، ولم تؤثر فيها. ولاحظت هيئة الخدمات المالية البريطانية زيادة في الإقبال من الاستثمارات الشرق أوسطية على أوروبا منذ عام 2001، وعللت ذلك بهروب نسبة كبيرة من هذه الاستثمارات من الولايات المتحدة الى أوروبا والمنطقة، وبعض أنحاء آسيا، بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وكان هذا التحول من دواعي اهتمام البنوك اللندنية لتطوير أساليب التمويل الاسلامي لجذب هذه الاستثمارات الجديدة. وطورت هذه البنوك العديد من أساليب التمويل المتوافقة مع الشريعة الاسلامية والتي تعرف الآن بمصطلح Shariah Compliant وتتفق البنوك تقريبا على تعريف واضح لأنواع الاستثمارات وأساليب التمويل التي تدخل ضمن هذا الاطار. وتقليديا كان تعريف التمويل الاسلامي محدودا فقط بمنع الربا، أما الآن فان هناك العديد من المعايير الاخرى المتفق عليها مثل عدم الاستثمار أو المساهمة في نشاطات وسلع معينة وعدم الدخول في تعاقدات من شأن الطرف الاخر فيها ان يخل بأساليب التمويل الاسلامي. وفي مجال العقار التجاري مثلا تمنع صناديق الاستثمار الاسلامية تأجير العقار لأنشطة معينة منها تعاطي الخمور او بيع التبغ او ممارسة القمار او البغاء او استخدام السلاح.

أساليب التمويل الإسلامي

* وفي بحث مشترك قامت به مؤسسة كنج ستيرج المالية وجامعة ساوث بانك اللندنية لمعرفة أبعاد السوق العقارية الملتزمة بأحكام الشريعة الاسلامية في بريطانيا، تبين ان هناك العديد من الاساليب المتوافقة مع الشريعة تستخدمها بالفعل المؤسسات المالية للتمويل العقاري. وكلها تستعين بمجلس من العلماء المسلمين الخبراء في شؤون التمويل الاسلامي. ووجدت الدراسة ان أكثر اساليب التمويل الاسلامي شيوعا في الاستخدام هي:

* الإيجارة: وهي تعاقد إيجاري بين البنك ومشتري العقار. وبدلا من الاقراض بالفائدة يشتري البنك العقار نيابة عن العميل ويؤجره له بأسلوب الايجارة والاقامة. ويسدد المستأجر ثمن العقار وتكاليف التعامل على فترة زمنية متفق عليها، يصبح بعدها مالكا للعقار من دون دفع أي فوائد.

* المرابحة: وهي عقد شراء وبيع. وبدلا من إقراض المال بالفائدة يشتري الطرف المقرض السلعة او العقار المتفق عليه من طرف ثالث ويبيعه للطرف الاول بسعر أعلى متفق عليه سلفا. وبدفع المبلغ الاعلى المتفق عليه بالتقسيط، يكون المشتري قد حصل فعليا على قرض بدون فوائد.

* الصكوك: وهي فكرة تماثل السندات مع فارق ان الصك يمثل هنا حصة منفعة في رصيد او رأسمال فعلي ويتم تأجير هذه الحصة مقابل عائد على رأس المال.

* المشاركة: وهي مشاركة في الارباح والخسائر. وهي أسلوب تمويل يتحمل من خلاله كل مشارك حصته من الارباح أو الخسائر، وهي أسلوب يعتبر أحيانا من أفضل أساليب التمويل المتوافقة مع الشريعة.

* المضاربة: وهي مشاركة استثمارية حيث يمد رب المال المستثمر أو المضارب بالاستثمار المالي اللازم في تجارة او مشروع لقاء حصة من الارباح.

وكشفت الدراسة ان هناك أيضا العديد من العوامل الاخرى التي تدخل في الحسبان، ويطالب بها المستثمرون، من أجل تمويل إسلامي ناجح في مجال العقار. فهو يجب ان يكون مفيدا من الناحية الضريبية، بحيث لا يعاقب الملتزم بالشريعة بضرائب لا تسري على غيره. كذلك يجب ان يتمتع التمويل الاسلامي بالكفاءة بحيث لا يزيد تكلفة عن غيره من أنواع التمويل الاخرى، كما أنه ايضا مطالب بأن يكون متساوٍ، إن لم يكن أقل، في المخاطر من غيره من أساليب التمويل المغايرة.

مطالب المستثمرين

* من المطالب الاخرى التي عبر عنها المستثمرون، ضرورة الشفافية في التعامل وشرح كافة الخطوات بما لا يدع اي مجال للخلاف فيما بعد.

البنوك البريطانية كانت أول من انتبه لأهمية التمويل العقاري المتوافق مع الشريعة، ولذلك فان حصتها من هذا النوع من التمويل تبلغ حوالي 90 في المائة من أجمالي التمويل العقاري الاسلامي في أوروبا.

المستثمر في المجال العقاري بأسلوب التمويل الاسلامي لا يتعامل في بعض الاحيان مع العقارات فعليا لغرض الاقامة أو الحيازة، فهناك العديد من صناديق الاستثمار العقاري الاسلامية التي تتيح له هذا النوع من الاستثمار مقابل المشاركة المالية فيها. وفيما يضع العلماء بعض القيود على أنواع معينة من الاستثمار العقاري، مثل بعض قطاعات الترفيه، الا ان العديد من القطاعات التجارية والصناعية والسياحية متاحة للاستثمار الاسلامي العقاري. ويوجد إقبال خاص على بعض انواع العقار الاستثماري مثل القطاع السياحي والاسكان المخصص لكبار السن.

وقد سبق ونشرت «الشرق الأوسط» دخول بنك «لويدز تي إس بي» البريطاني مجال التمويل العقاري الاسلامي، فعليا عبر بعض فروعه، بأسلوب الايجارة. ويدفع المشتري نسبة 10 بالمائة من الثمن بينما يتكفل البنك بالنسبة الباقية. ويشتري البنك العقار ويؤجره للمشتري خلال فترة معينة يكون فيها القسط الشهري المدفوع حصة من الايجار ونسبة من ثمن العقار في الوقت نفسه. ويوفر البنك هذه الخدمة حاليا من بعض فروعه في مدينتي لندن وبرمنجهام.

كما تم الاتفاق مع مصلحة الضرائب البريطانية لالغاء الضريبة المزدوجة على اساليب التمويل العقاري الاسلامي، حيث يتعين دفع ضريبتي التمغة (ستامب ديوتي) والارض عند تبادل العقود. ولان البنك يشتري العقار لصالح العميل ثم يبيعه إياه مرة أخرى كانت الضرائب تحصل مرتين من البنك ومن العميل، وهو ما تم الاتفاق على انه يجانب العدالة الطبيعية، وألغت مصلحة الضرائب الازدواجية المفروضة على أسلوب التمويل الاسلامي.

والمرجح ان يستمر قطاع التمويل العقاري الاسلامي في النمو بنسب أعلى من غيره خلال العقد المقبل على الاقل. وهو وإن كان أكثر رسوخا وزخما داخل الدول العربية والاسلامية، خصوصا في منطقة الخليج، الا ان انتشاره في مراكز مالية عالمية مثل لندن ينقل التمويل الاسلامي العقاري الى المسرح الدولي ويجذب اليه في الوقت نفسه فئات كثيرة من غير المسلمين ترى فيه نموذجا أخلاقيا يبعدها عن مجالات كانت ترفض الاستثمار فيها ولكنها كانت في الوقت نفسه عاجزة عن تجنبها حتى ظهور وسائل التمويل المتوافقة مع الشريعة.