هبوط أسعار مواد البناء في أسواق بغداد وسط تراجع نشاط الإعمار والبناء في القطاع الحكومي

TT

شهدت أسواق بيع المواد الإنشائية في بغداد انخفاضا ملحوظا في أسعار بيع هذه المواد بعد تراجع معدلات الطلب عليها، خاصة من القطاع الحكومي الذي يشكل النسبة الأعظم في هذا الطلب.

وأوضح احد الخبراء العاملين في المركز الاستشاري للإنشاءات التابع للجامعة التكنولوجية لـ «الشرق الأوسط» أن أسعار مواد البناء تتأثر بشكل كبير على حجم الطلب عليها في الأسواق المحلية وقد سجلت أعلى ارتفاع لها خلال نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري بسبب نشاط حركة البناء وإعادة الأعمار في القطاع الحكومي الذي تراجع بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية لارتباطها بالتمويل الحكومي المخصصة لمشاريع الوزارات المختلفة، وكذلك توقف عدد كبير من المشاريع بسبب الظروف الأمنية التي تزداد توترا في الآونة الأخيرة يضاف إلى ذلك أن قسما من المشاريع يتم تمويله عن طريق خصخصةات الدول المانحة التي عادة ما تكون أقل من احتياجات المشروع وبالتالي يجب أن توقف مثل هذه المشاريع لحين زيادة حجم الخصخصةات أو إكمالها من قبل الوزارة المعنية. وأضاف أن السوق العراقي الذي أصبح يعتمد على المواد المستوردة بشكل كلي هو سوق غير منظم من حيث اعتماد أسعار موحدة تأخذ بعين الاعتبار مسألة احتساب التكاليف والهامش الربحي وهذا الأمر جاء نتيجة الانفتاح على الخارج ودخول تجار مغمورين وجدوا أن العمل في هذا المجال هو الاستثمار الامثل لأموالهم وهذا ما يفسر التباين الكبير في الأسعار خلال فترة أربعة أشهر.

وقال لقد كانت أسعار بيع حديد التسليح قبل ثلاثة أشهر أو أقل تتجاوز (900) ألف دينار للطن الواحد وأسعاره اليوم لا تتعدى (650) ألف دينار أي بفارق ربع مليون دينار وعند احتساب أسعار نفس المادة بدءا من دولة المنشأ وإضافة تكاليف النقل والخزن وغيرها فهي تصل إلى التاجر بأقل من 450 ألف دينار وهكذا الحال بالنسبة إلى المواد الأخرى المستوردة ومنها الاسمنت والخشب وغيرها وينطبق أيضا على المواد المحلية مثل مادة الرمل والحصى التي تعد مواد مستخرجة وتتواجد بكميات غير محدودة في أراضينا فمن غير المعقول بيع 20م مكعبا من الرمل بأكثر من 280 ألف دينار وتكاليف الشراء والنقل لا تتجاوز 100 ألف دينار فقط. لذلك يجب أن تعمل الجهات المعنية على وضع قانون ينظم عمليات الاستيراد وفق اجازات رسمية تخولهم بالتعامل مع الدول المنتجة واعتماد أسعار مناسبة ومتقاربة وهذا ما يحصل في معظم البلدان ومنها دول الإقليم فيجب أن تكون هناك أسواق منظمة تخضع لقوانين السوق وعدم ترك العملية تسير بشكل عشوائي قد يؤثر بشكل أو بآخر على الحركة العمرانية في البلد.

وعن تأثير ذلك على أسعار العقارات.. بين الخبير بقوله: «أسعار العقارات في بغداد وبقية المحافظات ارتفعت لأسباب عديدة تأتي في مقدمتها السيولة النقدية الضخمة والمتداولة من قبل الجمهور وقلة الوعي الاستثماري لدى المواطن العراقي الذي ما زال يبحث عن توافر فرص أخرى لتشغيل أمواله وهنا وفي ظل الظروف الأمنية غير المستقرة لم يجد أضمن سوق العقارات لغرض الاستثمار».

واضاف، وعلى اعتبار ان المال يبحث عن الأكثر ضمانا يضاف إلى ذلك فإن سوق العقارات أصبحت الملاذ الأمن لعملية غسل الأموال غير المشروعة. مؤكدا أن مثل هذه الزيادة في الأسعار كان يمكن أن تكون معقولة لو توفرت فرص استثمار أخرى تتوجه إليها الأموال ومنها القطاع الصناعي والتجاري والسياحي وغيرها من القطاعات التي ما زالت تعاني الإهمال وتبحث عن التطوير والاستثمار. ومن الأسباب الأخرى التي تقف وراء ارتفاع أسعار العقارات ارتفاع حجم الطلب عليها والذي يرافقه عجز كبير في هذا القطاع وعودة العوائل العراقية المهجرة والمهاجرة وزيادة دخل الأسرة العراقية وغيرها. كما أن أسعار هذه المواد كانت في السابق لا تشكل عبئا على الراغب بالبناء فمعظمها تنتج محليا وتباع بشكل مدعوم إلى المواطن وبالتالي يقلل ذلك من تكاليف البناء واحتساب سعر العقار كما إن العديد من المراكز البحثية عمل في أوقات مختلفة على إيجاد خرائط لبناء دور سكنية اقتصادية قليلة التكلفة يمكن اعتمادها في البناء غير ان المواطن في الوقت الحاضر يلجأ إلى بناء دور وفق خرائط غربية أو مستحدثة المراد منها التميز دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة التكاليف أو طبيعة احتياج العائلة العراقية التي تنفرد بنمط يسع أكبر قدر ممكن من الأفراد وتأمين التوسعات في نفس العائلة.

وطالب الخبير في ختام حديثة الجهات المعنية وخاصة التشريعية باستحداث قوانين تنظم السوق وحركة التجارة والاستيراد دون أن تفرض قيودا عليه أي عدم ترك هذه الأعمال تسير من قبل أشخاص يتبعون مبدأ الربح فقط إضافة إلى ايجاد قوانين يمكن لها أن تتابع حركة غسيل الأموال وإعادة الأموال المستحوذ عليها من قبل بعض ضعاف النفوس والتي هي بالأصل تعود إلى الحق العام فمثل هذه الأموال وقياسا إلى حجمها يمكن لها أن تحدث تغيرات كبيرة في السوق العراقية والتي تؤثر بشكل سلبي على المواطن العراقي وخاصة محدود الدخل وهنا يجب تشريع قانون من أين لك هذا الذي يحد من ظاهرة الفساد الإداري وكذلك عمليات غسيل الأموال. مؤكدا على أهمية معالجة العجز الإسكاني من خلال تبني الدولة بشكل كامل مشاريع البناء وخاصة المجمعات الكبيرة التي تستوعب أكبر قدر ممكن من العوائل وهناك مراكز استشارية تنفيذية قادرة على بناء مثل هذه المجمعات وبأقل التكاليف كما يمكن الاستفادة من خبرات عدد من الدول الكثيفة السكان والتي تعمل بشكل مستمر على انشاء مثل هذه المشاريع قليلة التكلفة أو اعتماد الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية الراغبة في الاستثمار في قطاع الإنشاءات داخل العراق.