تواصل ارتفاع أسعار العقارات في السعودية وسط مطالب بإطلاق قنوات استثمارية جديدة

زيادة أسعار الأراضي في جدة يحد من إقامة مشاريع إسكانية جديدة

TT

توقعت مصادر عقارية سعودية أن تتواصل أسعار العقارات في البلاد بالنمو بنسبة 2 في المائة خلال الفترة المقبلة، بعد ان ساعدت الطفرة الحالية في تحقيق مكاسب كبيرة للعديد من الشركات العاملة في السوق خلال 8 أعوام. وتوقعت المصادر ان يكون هذا النمو نتيجة تحول رؤوس أموال من سوق الأسهم إلى سوق العقارات، حيث سيعقبه ارتفاعات طفيفة في السنوات اللاحقة نتيجة توقعات بعودة الاستثمارات العقارية عن طريق منتجات أخرى غير المساهمات العقارية، وزيادة القدرات المالية للمشترين. وتشير تقارير ميدانية الى ان أسعار العقارات في عدد من المدن هبطت بنسبة تتراوح ما بين 1 إلى 20 في المائة في عدد من الأراضي. وأشار التقرير إلى ان أسعار العقارات جعلت متوسط سعر المسكن الواحد في الرياض يتراوح بين 600 ألف و1.5 مليون ريال (160 ألف و400 ألف دولار)، في حين تصل أسعار المساكن في جدة ما بين 800 ألف و1.8 مليون ريال (213 ألف و480 ألف دولار)، في حين تصل أسعار المساكن في مدينتي الخبر والدمام ما بين 850 ألف و1.9 مليون ريال (226.6 ألف و506.6 ألف دولار)، الأمر الذي يصعب حصول شريحة الشباب على مساكن في ظل الأسعار المرتفعة، وعدم وجود بدائل كالمساكن الميسرة أو التمويل العقاري البسيط التي تقدمه البنوك، والتي تطلب شروطا أشبه بالتعجيزية، مما يدفعهم إلى البحث عن مساكن تؤويهم وتؤوي عائلاتهم بنظام الإيجار، وهو ما يدفع أسعار إيجارات الشقق والفلل إلى الارتفاع بنسب متفاوتة تصل إلى 30 في المائة في بعض المناطق التي تشهد ارتفاعاً في الطلب، خاصة مثل أحياء الشمال القريبة في الرياض، وأحياء الخالدية والأندلس في جدة، وأحياء الشاطئ والمزروعية في الدمام، وحي الكورنيش والبندرية في الخبر.

وأوضح تقرير صدر أخيرا انه سيكون هناك تفاوت بين المناطق السعودية في العام المقبل، حيث من المتوقع ان تشهد العقارات في مناطق الوسطى ومحافظة الطائف وأبها ارتفاعات في أسعار المباني والأراضي، نظراً لتوقعات بروز اسواق عقارية، بينما ستعاني مناطق مثل الغربية، وبالتحديد مدينة جدة، والمنطقة الشرقية، تراجعا يتراوح بين 2 إلى 3 في المائة نتيجة ضعف الطلب على الأراضي والعقارات في الفترة المقبلة.

وتشير التوقعات العقارية التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر بحث في المكاتب العقارية في الرياض، الى ان عودة السوق ستعاود الانتعاش مرة أخرى، خاصة مع تحسن القدرة الشرائية لعدد من المشترين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 35 إلى 60 سنة، والذين يشترون لأول مرة، خاصة مع ارتفاع مدخولاتهم السنوية نتيجة الارتفاع في الأعمال التجارية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، والتي كانت احدى نتائجها تحقيق مكاسب مادية عالية بوقت وجيز، وذلك عن طريق سوق الأسهم المالية.

وتوقع يوسف العامر، أحد المستثمرين في سوق العقارات، ان أساسات القطاع العقاري تبقى قوية، خصوصا استمرار تحسن فرص العمل عبر انشاء شركات ومؤسسات ودخول شركات عالمية للعمل في السعودية، التي توفر مستويات مرتفعة في التوظيف، وقرب انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، التي ستفتح اسواقاً جديدة وتوفر فرصا جديدة للشباب السعودي للعمل فيها، وبالتالي زيادة الطلب على العقارات، لكنه أشار إلى ان التباطؤ يبدو في نمو أسعار العقارات ونشاطه خلال الأشهر القليلة الماضية نتيجة بحث الكثير من المستثمرين عن السيولة للمضاربة في سوق الأسهم المالية، الذي يعتبر الشغل الشاغل للكثير من المستثمرين، نظراً لدعم البنوك السعودية لهذا السوق، وبعدها عن السوق العقاري.

وبينت نتائج البحث الميداني الذي قامت به «الشرق الأوسط» في المدن الرئيسية الثلاث، ان التباطؤ في القطاع العقاري مرده إلى زيادة الفائدة الربحية في سوق الأسهم، وزيادة معدل السيولة الموجودة في البلاد والموجه للاستثمارات المالية والاكتتابات، وارتفاع مواد البناء، وزيادة أسعار اليد العاملة في قطاع الإنشاءات والمقاولات، إضافة إلى تصاعد حجم المديونيات الشخصية في القروض البنكية، وكل هذه عوامل سيكون لها دور كبير في تباطؤ النمو في أسعار العقارات، وستجعلها تتباطأ بشكل أكثر في الفترة المقبلة، وهذا التباطؤ سيصيب كافة المناطق السعودية. ورغم ذلك، أكد الكثير أن دعم الدولة للقطاع سيكون له التأثير الأكبر في مستقبل القطاع العقاري على المدى الطويل، وذلك عبر إقرار بعض الأمور المتعلقة كالرهن العقاري، أو دعم شركة التمويل العقاري، أو تحويل صندوق التنمية العقاري إلى بنك يمول نفسه ذاتياً، ويقدم الحلول لنفسه عبر إيجاد آلية جديدة لعمل الصندوق، مما سيقطع الطريق على قائمة الطلبات التي توفر 8 آلاف طلب سنوياً، مما يؤكد أن الصندوق بحاجة إلى 60 سنة قادمة لإنهاء الطلبات المقدمة حالياً!. ويشير العقاريون الى ان الارتفاعات المذهلة للأسعار في السنوات القليلة الماضية، جعلته عرضة لصدمات التغيير وتغير مزاج المشترين أكثر من أي وقت مضى، الذي سعى البعض منهم إلى التغير والخروج عن العرف العقاري بشراء أسعار الأمتار في بعض الأحياء بارتفاع يصل إلى 60 في المائة، كما حدث في حي المروج في مدينة الدمام، الذي كان سعر المتر يصل إلى 208 ريالات (55 دولارا)، وتم شراؤه من قِبل أحد المستثمرين والمضاربين في السوق العقاري بسعر يصل إلى 340 ريالا (90 دولارا)، الذي قوبل باستهجان كبيرمن العقاريين الذين أكدوا في تلك الفترة ان هذا نوع من المضاربة وسعي إلى رفع الأسعار في تلك المنطقة.

إلا أن النمو الذي سيشهده السوق في نهاية العام الجاري، نتيجة أخبار عن زيادة بعض الشركات العقارية للمبالغ التي ستضخها مع بداية العام الميلادي الجديد. وأشارت مصادر عاملة في السوق الى ان أسعار العقارات لن تشهد نوعا من الحركة التصحيحية، وذلك لتمسك ملاك العقارات بأسعار السنوات الماضية التي ارتفعت فيها نسبة الشراء بشكل كبير تصل إلى 100 في المائة عن ما كانت عليه قبل الطفرة العقارية الحالية، ودخول السوق إلى الشكل الاحترافي بوضعه الجديد عبر الشركات العقارية التي حولت السوق العقاري من الخصخصة إلى العمومية عبر مشاركة الجميع في السوق العقاري عن طريق المساهمات العقارية أو المحافظ الاستثمارية وإصدار السندات لتلك المحافظ، مشيرة إلى ان الأسعار أكثر من قيمتها الحقيقية بشكل واضح.

في حين يرى طارق عباس، أحد المستثمرين في السوق العقاري في مدينة جدة، التي يشهد سوقها ركوداً، أن في حال رغب رجالات العقار عودة الانتعاش الى السوق العقاري في جدة من الأفضل لهم إيجاد بدائل استثمارية غير المساهمات العقارية وإيجاد منتجات عقارية غير الأراضي المطورة، حيث ان السوق تشبّع من هذين النوعين في الاستثمار وفي العقار، ومن الأفضل إيجاد مساكن ميسرة تتيح للمشتري إيجاد مسكن يناسبه بقيمة تكون معقولة، مستبعداً ذلك لارتفاع أسعار الأراضي في مدينة جدة، خاصة في المناطق التي تعتبر مناطق جذب سكني مثل الأحياء القريبة من الكورنيش.

وبيّن عباس ان حتى المناطق التي خارج الأحياء، والتي توجد على أطراف المدينة، لا تزال أسعارها مرتفعة، ولا يمكن ان توفر أسعار مساكن معقولة للشباب أو للشريحة الكبرى من الراغبين في تملك مساكن، مما يحصرهم في الاتجاه نحو شقق التملك، الأمر الذي لا يحبّذه عباس كون ان الشقة السكنية لا تتيح الخصوصية مثل ما يتيحه المسكن الميسر كالفلل الدوبلكس التي تتراوح مساحتها ما بين 200 متر مربع إلى 500 متر مربع.

وبين المستثمر العقاري في مدينة جدة، ان الكثير من الراغبين في شراء مساكن في مدينة جدة يرغبون بتملك فلل دوبلكس مثل التي تطرح في الرياض والمنطقة الشرقية، إلا ان كثيرا من الشركات العاملة في قطاع العقارات، أكدت أن أسعار الأراضي في جدة تمنع من تدشين مثل هذه المشاريع العقارية.