«مواطئ القدم» موجة جديدة بدأت في لندن وتنتشر في مدن أخرى

أفضل أنواع الاستثمار العقاري

TT

تعتبر لندن واحدة من أغلى مواقع العقار، وهي ايضا السباقة في تطوير النزعات الجديدة التي سرعان ما تنتشر الى المدن الاخرى. فهي مثلا اول من شجعت المقيمين فيها على النزوح الى الضواحي واعتماد وسائل المواصلات العامة او السيارات، للوصول اليها صباحا والخروج منها ليلا. كما انها كانت الاولى التي طبقت مبدأ دفع ضريبة يومية على دخول السيارات اليها لتخفيف ازمة المرور فيها، وهي وسيلة نجحت كثيرا في تخفيف الضغط ويشعر بها كل من يستخدم المواصلات العامة.

وفي مجال العقار بدأت في لندن موجة جديدة منذ سنوات قليلة، عززتها موجة الارهاب التي وقعت في الشهر الماضي. فهناك فئة جديدة من المشترين الذين لا يرغبون في السفر البعيد عن العاصمة ولا يرغبون ايضا في ركوب المواصلات العامة ويفضلون المشي أو ركوب الدراجات الهوائية كوسيلة صحية واكثر امانا. ويبحث هؤلاء عن موطئ قدم او شقق صغيرة للغاية تتراوح بين حجم الاستوديو وغرفة النوم الواحدة على مقربة من أماكن عملهم. ولا يطلب هؤلاء الكثير سوى ان تكون هذه المواقع مثالية لمن يعمل في وسط العاصمة والا تزيد مسافة المشي الى مقر العمل عن نصف ساعة.

شركات التطوير العقاري استجابت لهذه الظاهرة بتطوير ابراج ومواقع سكنية في قلب العاصمة البريطانية تترواح اسعارها ما بين 190 الف استرليني الى نصف مليون استرليني. وتقول شركة العقار «سافيل» ان معظم المشترين هم من أهالي لندن انفسهم الذين يبيعون عقارات كبيرة داخل العاصمة ويشترون بثلاثة ارباع المبلغ مسكنا فخما لهم في الريف لقضاء عطلات نهاية الاسبوع او لاقامة العائلة، ثم يشترون بالربع الباقي شقة صغيرة في لندن تقيهم شر المواصلات اليومية من ناحية وتبقى كاستثمار عقاري في لندن للمدى البعيد من ناحية اخرى.

وتشتهر الان من حيث الاقبال العقاري عدة مواقع كانت تعتبر في الماضي الاختيار الثاني لمن يعيش داخل لندن مثل مناطق انجيل ودالستون ومناطق جنوب النهر مثل فوكسهول. وسبب الاقبال الحالي على هذه المناطق انها توفر الموقع القريب للمكاتب سواء في وسط لندن او في المناطق الجنوبية والشرقية. شقق فاخرة وتعتبر منطقة كناري وارف القريبة من حي المال (السيتي) السباقة في تعزيز هذا التوجه العقاري الجديد حيث نشأت فيها عمارات شاهقة كلها من الشقق الصغيرة. وهي شقق مدمجة في الحجم ولكنها في الوقت نفسه فاخرة حيث التجهيزات فيها تشمل حمامات من الرخام ومكاتب كومبيوتر مجهزة بالتوصيلات وجاهزة للتشغيل الفوري، بالاضافة الى سرير واحد او اثنين يمكن طيهما لتوفير مساحات اضافية. وفي الخارج تتمتع كل شقة بموقف لدراجة هوائية، مع حراسة وخدمة استقبال، وهي خدمات مطلوبة لان معظم السكان يتركون شققهم لعدة ايام كل اسبوع. واحد امثلة هذه الشقق يقع في برج اسكاني اسمه «اونتاريو تاور» تملكه شركة باليمور العقارية. وهو يحتوي على 23 طابقا يحتوي كل طابق على ست شقق بحجم صغير لا يتعدى 400 قدم مربع، وتبدأ الاسعار فيه من 214 ألف جنيه استرليني.

وهي شقق غالية الثمن بأي مقياس حيث يتخطى فيها سعر القدم المربع 500 جنيه استرليني. وبسؤال الشركة لتعليل اقتصادات هذا السعر الباهظ قال اندرو كوفيل مدير العلاقات العامة في الشركة ان الاسعار تتعلق بثمن الاقامة في لندن حيث لو اضطر مدير احدى الشركات لقضاء ثلاث ليالي في لندن في فندق متواضع لدفع على الاقل 90 جنيها في الليلة. وبهذا المقياس فان ما يدفعه المشتري في قرض عقاري حجمه 200 ألف استرليني يوازي ـ سنويا ـ ما يعادل قضاء ثلاث ليال اسبوعيا في مثل هذا الفندق. والفارق طبعا انه سوف يكون في منزله الخاص وسوف يتمتع بالقيمة الاستثمارية للعقار بعد سداد الثمن.

وفي الماضي القريب كان السكن في لندن من مزايا اصحاب المناصب العليا وطبقة الاثرياء ولكن هذا الوضع تغير مع اقبال صغار السن من العاملين الجدد في شركات لندن لتطوير اسلوب المعيشة القريب من مقر العمل الذي يتيح لهم البقاء لفترات اطول في المكتب والغاء ضياع الوقت في المواصلات والصعود السريع على سلم الترقيات. كذلك يتيح السكن القريب فرصة الاستفادة من الوقت الاضافي في تحسين اسلوب الحياة بالاقبال على النشاطات الرياضية او ممارسة الهوايات او الدراسة العليا.

ويقول مدير شركة عقارية في شرق لندن ان الهدف في شراء هذه العقارات الصغيرة ليس فقط بغرض الاقامة القريبة من مقار العمل وانما تأتي ايضا بغرض استثماري. فهذه الشقق يمكن ان تعرض للايجار فيما بعد عندما تنتفي الحاجة اليها او عندما يقرر اصحابها التقاعد والخروج من لندن نهائيا. وحتى لو قرر هؤلاء بيعها فانها سوف تحقق عوائد جيدة قياسا بايرادات عقار لندن خلال العقود الاربعة الاخيرة.

ويعتبر الطلب الحالي على هذا القطاع الذي يطلق عليه اسم فرنسي هو terres - a - Pied الذي يعني موطئ قدم او شققا صغيرة هو انشط انواع الطلب العقاري في لندن حاليا. ويتكرر الموقف بصورة مصغرة في المدن البريطانية الاخرى خارج العاصمة. وهذه الموجة مرشحة للتكرار في المدن النامية بوتيرة عالية، مثل الرياض وجدة ودبي وابوظبي وغيرها. واذا رصد المستثمر العقاري مثل هذا التيار في بدايته فان العوائد والارباح المتوقعة منه سوف تكون اكبر من الاستثمار العقاري في وحدات اكبر او في مواقع بعيدة عن قلب المدن. كما ان العوائد سوف تكون اكبر من ارباح الشركات الاخرى التي تدخل المجال متأخرة في توقيت قد تتغير معه تحولات الطلب.

ونجحت لندن في هذه الموجة الجديدة لعدة اسباب منها غلاء اسعار المواصلات العامة وعدم امكانية الاعتماد عليها تماما في الانضباط، وايضا تسهيلات الاقتراض العقاري الميسر على فترات قد تتخطى عشرين عاما. وهذا يعني نظريا ان من يدفع اقساط قرض عقاري عالية ويوفر بالمقابل ثمن المواصلات، يمكنه ان يدفع في النهاية المبلغ نفسه مع فارق توفير الوقت الضائع في المواصلات وايضا الاستفادة بالعائد الاستثماري للمبالغ التي دفعها في العقار بدلا من الهدر المالي في ثمن المواصلات.

ولا تبقى سوى مشكلة واحدة مع المشروعات العقارية الجديدة من هذا النوع في لندن وهي انها ما زالت ـ حتى بمقاييس لندن ـ باهظة الثمن ولا تقع في متناول الاغلبية الكبيرة من العاملين في لندن. والحل هنا هو في البحث عن البدائل الارخص ربما بحل وسط لعقارات قديمة تحتاج الى اصلاح وترميم، او عقارات ابعد قليلا من وسط العاصمة بحيث يكون الوصول اليها، حتى بالمواصلات العامة، سريعا ورخيصا ولا يستغرق الكثير من الوقت.

ويتفق خبراء العقار ان الظاهرة الجديدة للشقق الصغيرة في قلب العاصمة سوف تنمو خلال السنوات العشر المقبلة على الاقل وسوف تنتشر الى مدن صناعية اخرى بناء على عوامل اقتصادية بحتة مثل الاستثمار الجيد وسهولة التمويل وايضا عوامل اجتماعية منها تفضيل المعيشة الفردية على الازدحام مع اخرين، حتى لو كانوا من افراد العائلة. واخيرا عزز هذا التيار عاملا نفسيا آخر هو الخوف من الارهاب، وهو عامل أطل بوجهه القبيح في مدريد ولندن وفي مدن عربية اخرى تذكر منها الرياض وشرم الشيخ وأخيرا في العقبة.

يشار الى ان العاصمة البريطانية، المشهورة بارتفاع تكاليف المعيشة فيها، تعد اغلى مدن اوروبا بالنسبة لايجارات المنازل تليها روما ثم باريس وفقا لدراسة نشرتها اخيرا جمعية فرنسية. ووفقا لحسابات الاتحاد الوطني للعقارات فان سعر ايجار المتر المربع في لندن يبلغ 35 يورو اي اكثر مرة ونصف من روما حيث يبلغ المتر المربع 21.7 يورو وباريس حيث يبلغ 19.8 يورو.

وفي جنيف يبلغ ايجار المتر المربع 19.4 يورو وفي مدريد 16 يورو لتحتلا بذلك المرتبة الرابعة والخامسة. في المقابل جاءت ستوكهولم (9.9 يورو) وامستردام (9.7 يورو) وبروكسل (7.9 يورو) في المراتب الثلاث الاخيرة في القائمة التي تشمل عشر مدن كبرى في اوروبا. وفي مدينة ميونيخ الالمانية يبلغ سعر ايجار المتر المربع في المتوسط 11.8 يورو اي اقل بنحو 40% من باريس وفقا للدراسة.