المشاركة بالتمويل .. وسيلة تصلح للتطبيق عربيا

الطريق البديل للاستثمار العقاري

TT

أحد أهم عوائق الدخول الى مجال الاستثمار العقاري، تدبير التمويل اللازم، خصوصا في مناخ اسواق ترتفع فيها الاسعارالآن الى معدلات خيالية. وكان لا بد من استنباط حلول جديدة تقتح السوق لمن لا يستطيعون الشراء المباشر او تحمل التمويل المصرفي الذي يتطلب في معظم الاحيان وجود اصول وضمانات للاقراض.

احدث الافكار التي ظهرت في الآونة الاخيرة وتم تطبيقها بنجاح، تدبير التمويل عبر شركات عقارية مكونة من عدد معين من الشركاء يساهم كل منهم بمبلغ محدد بهدف امتلاك جماعي للعقار، بنفس حصص المشاركة الاستثمارية. وتسمى هذه الشركات العقارية «سنديكات»، وهي تقسم العوائد (والتكاليف) على المستثمرين بمعدلات توازي حصص مشاركتهم في التمويل والملكية.

أولى الشركات التي بدأت هذه الفكرة في بريطانيا اسمها «أوبرومارك»، بدأت نشاطها في شهر يونيو (حزيران) الماضي، على شبكة الانترنت، بفكرة تقول عنها انها «مجال استثماري جديد». وهي تقوم بنشاط اداري اشرافي يوفق بين البائعين ومجموعات المشترين في المجال العقاري. وهو أسلوب يختلف عن الاساليب المتبعة حاليا سواء كانت الشراء المباشر للعقارات أو بيع اسهم صناديق استثمار عقارية تصدرها البنوك. فهي تؤسس شركات مكونة من شركاء بغرض ملكية عقار واحد. ويعرف كل مستثمر نوعية العقار الذي يشارك بالاستثمار فيه وعنوان هذا العقار وحصته فيه. ويساهم كل مستثمر بحصة متساوية في العقار بحيث لا تزيد عن 10 في المائة من قيمته. اما الشركة التي تدير هذه الاستثمارات فتحصل على مصاريف ادارية تتراوح بين 0.5 في المائة و3 في المائة. وكلما زاد حجم المساهمة المالية (في العادة ما بين عشرة الاف استرليني وربع مليون استرليني) تراجع معدل المصاريف الادارية.

الشركة التي لم يمض على تأسيسها عدة اشهر نفذت حتى الان صفقة واحدة، وتعمل عبر موقع على الانترنت معروض فيه 18 عقارا للبيع تترواح في قيمتها من 120 الفا الى أكثر من نصف مليون استرليني. اما على الجانب الاستثماري فإن الشركة لديها حتى الان حوالي ألف مستثمر مسجل كل منهم ينتظر الفرصة المناسبة للمساهمة في شراء عقار تشتريه الشركة لصالحه مع مجموعة من الشركاء المساهمين.

مدير عام هذه الشركة، ستيف كيني، يؤكد ان الفكرة جديدة تماما وتفتح باب الاستثمار في العقار لفئات مستبعدة منه حاليا بسبب حاجز التمويل. وهو يقول ان دخول مجال الاستثمار العقاري لم يعد يحتاج الى مبلغ مائة الف استرليني، ويمكن المساهمة فيه بجنيه استرليني واحد. وبدلا من التوجه لمجال البورصة عالي الخطورة، يمكن الآن للمستثمر ان يوجه امواله الى مجال العقار الاكثر استقرارا. وهو يشير الى ان مصاريف الادارة منخفضة بالمقارنة الى نسبة السمسرة في البورصة، كما يمكن ايضا توزيع المخاطر على انواع مختلفة من العقار من شقق صغيرة ذات غرف نوم واحدة الى قصور شاسعة في ضواحي لندن.

اختصار الإجراءات

* الشركة المنظمة لهذه الاستثمارات تتكفل بكل الاجراءات نيابة عن مستثمريها. فليست هناك حاجة للتقدم الى بنك او شركة تمويل عقاري، كما تلغى الحاجة ايضا الى تكاليف الاجراءات القانونية، واعباء وكلاء العقار. ليست هناك حاجة للبحث عن مستأجرين ولا تدبير تكاليف الصيانة. فكل هذه الاجراءات يقوم بها فريق الشركة المديرة للمشروع بالاستعانة بخبراء محليين يعرفون سوق العقار المحلية جيدا ولهم مصلحة في ايجاد مستأجرين للعقارات الشاغرة في اقرب فرصة ممكنة وصيانتها صيانة جيدة. وهي تعثر على العقارات المناسبة للاستثمار ثم توفق بينها وبين مجموعات من المستثمرين الذين عبروا عن رغبتهم في الشراء بحجم استثماري معين. ويتم تكوين شركات مساهمة صغيرة لكل عقار، وهي شركات ذات اسهم يمكن تداولها.

وتؤكد شركة «أوبرومارك» ان هذا الاسلوب الجديد لدخول سوق العقار ارخص تكلفة واكثر شفافية من شراء اسهم الصناديق الاستثمارية العقارية. حيث يعرف المستثمر تماما اين تتوجه استثماراته وحجم التكاليف الفعلية للاستثمار. وهي تدخل السوق كمشتر مباشر للعقار وتعلن انها تتيح للبائع مزايا البيع السريع والغاء تكلفة الوكلاء العقاريين. وهي تدفع ثمن العقارات التي تشتريها وفق معدلات السوق وحسب تقييم يقوم به خبير محايد. ولا تقبل الشركة على شراء عقارات معينة عليها مشاكل وراثة او مشاكل قانونية تخص صكوك الملكية، او تلك التي يستأجر فيها مالك العقار الارض التي يقوم عليها العقار لأنه لا يمتلكها. وتسمى هذه العقاراتLeasehold ولا تشتريها الشركة الا اذا كانت فترة الايجار فيها تزيد على 50 عاما.

معترضون

* ولكن منتقدي هذا النوع من الاستثمار يعيبون على الاستثمار في عقارات لم تتم معاينتها واختيارها شخصيا من الشركاء، مما قد يعرضهم لمخاطر غير محسوبة، ويرفع من معدل هذه المخاطر بالمقارنة مع الاشخاص الذين يدرسون السوق جيدا ويختارون الموقع والعقار المطلوب. وهم يرون ان افضل انواع الاستثمار العقاري هي تلك التي تقع في المناطق ذات الطلب المرتفع التي تزيد في قيمتها اكثر من غيرها. اما عمليات الشراء الاعمى فهي في غاية الخطورة.

ولكن شركة «أوبرومارك» ترد بان المستثمر في الصناديق العقارية لا يرى العقار الذي يستثمر فيه ولا يعرف اين توجهت التكاليف الاستثمارية. اما مستثمرو هذا النوع من العقار فهم يجرون العديد من الابحاث على المنطقة التي يقع فيها الاستثمار قبل الشراء. وتضيف الشركة انها اجرت في الشهر الماضي اول صفقة لتسليم عقار اشترته نيابة عن 65 مستثمرا لمنزل في ضاحية هادئة بالقرب من مدينة ليدز. واشترت الشركة العقار بسعر بلغ 104 الاف استرليني، وحولت ملكيته الى الشركة التي يساهم فيها مشترو العقار انفسهم. ويتوقع الملاك الجدد لهذا العقار الحصول على ايجار شهري قدره 450 جنيها، يمثل لهم عائدا استثماريا على مساهماتهم. الشركة الجديدة المكونة من 65 شريكا، ساهم كل منهم بحوالي 1600 جنيه في شراء العقار. وهي شركة مسجلة لها اسهم تباع وتشترى، ويمكن الاستثمار فيها بأي عدد من الاسهم التي تبدأ بسعر جنيه استرليني واحد للسهم. ونظريا، تمثل هذه الاسهم فيما بينها قيمة العقار، واذا ارتفعت هذه القيمة ارتفعت معها قيمة الاسهم. اما عوائد هذه الاسهم فتوفره العوائد الايجارية للعقارات مخصوم منها تكاليف الادارة والصيانة.

ويقول احد المساهمين في هذا الاستثمار انه اتاح له فرصة دخول مجال الاستثمار العقاري بتكلفة معقولة، وازاح عن كاهله هموم ادارة العقار والبحث عن مستأجرين والقيام بأعمال الصيانة وتحمل تكاليف فترات شاغرة بين مستأجر واخر. وهو يعتقد ان الجانب الاهم في هذه الفكرة الجديدة ازالة عقبة التمويل الباهظ من ناحية والغاء متاعب ملكية وصيانة العقار من ناحية اخرى. وهو يعتقد ان المستقبل سوف يكون لآلاف الشركات العقارية التي يتم تداول اسهمها بسهولة تداول الاسهم العادية بحيث يتحول مجال العقار الى فرص استثمارية متعددة ومتاحة لصغار المستثمرين على قدم المساواة مع الكبار. وتعمل «أوبرومارك» مثل البورصة العقارية التي توفق بين البائع وبين عشرات المشترين الشركاء في عملية الشراء، لقاء نسبة عمولة تحصل عليها من بائع العقار. كما انها تنظم عمليات بيع وشراء الاسهم العقارية لقاء عمولة متفق عليها. وهي تنفذ كل عملياتها على شبكة الانترنت. وتقدر الشركة ان المستثمر يحصل في العادة على نسبة عوائد على الاسهم تتراوح بين 50 و75 في المائة من قيمة الايجارات الشهرية.

المخاطر موجودة

* هذه الحلول الجديدة لمسألة ارتفاع تكاليف ملكية العقار للمستثمرين الجدد قد تزيل عقبة التمويل ولكنها لا تلغي المخاطر في عمليات ملكية العقار. فالتحولات الجذرية في اسواق العقار يمكن ان تؤثر في قيمة هذه الاستثمارات في حالات الهبوط الحاد بحيث يفقد كل مستثمر نسبة من رأسماله. هناك ايضا مخاطر تراجع العوائد في حالات فشل العثور على مستأجرين. ويعتقد بعض الخبراء ان الهزات الكبيرة التي تعرضت لها البورصات في الغرب في السنوات الخمس الاخيرة اقنعت كثيرين بتحويل مدخراتهم الى مجال العقار الى درجة ان نسبة كبيرة من المستثمرين صاروا معرضين اكثر في الوقت الحاضر لأي هزات عقارية محتملة. وينصح الخبراء بتوخي الحذر عند الاقبال على اي نمط استثماري جديد مهما كانت مغرياته حتى تكتمل دراسة كافة سيناريوهات الربح والخسارة.

المثير في هذه الفكرة انها تصلح تماما للتطبيق عربيا، وكا ما تحتاجه هو بعض الابتكار الاستثماري من الشركات لكي تفتح افاق سوق العقار لمستثمرين ظلوا طويلا محرومين منه بسبب عوائق التمويل المرتفع. وهي تشبه بعض الاساليب التقليدية لعقد «جمعيات» لتمويل مجموعة من الافراد دوريا تمنحهم القدرة على القيام بالتزامات باهظة، مثل حفلات الزواج، وتسديد تكاليفها على اقساط شهرية عددها يماثل عدد اعضاء الجمعية.