مصر: انفلات أسعار حديد التسليح مجددا يهدد خطط إنعاش سوق العقارات

متسببا في إثارة شبهات ممارسة الاحتكار

TT

شهدت أسعار حديد التسليح ارتفاعا مجددا في السوق المصرية بعد فترة لا تتجاوز عدة أشهر من الاستقرار المؤقت فقد زاد سعر الطن بنحو 52 دولارا «300 جنيه» وقفز إلى حوالي 2950 جنيها مقابل 2650 جنيها قبل أيام قليلة، الأمر الذي أثار علامات استفهام عديدة حول جدوى الإجراءات الحكومية المستخدمة في إنهاء أزمة حديد التسليح منذ العام الماضي ومدى تورط المنتجين في ممارسة أساليب احتكارية للهيمنة على أسعار حديد التسليح فضلا عن جدوى تشكيل جهاز مكافحة الاحتكار وكذلك صدقية المبررات التي يسوقها المنتجون لتعليل الزيادة التي باتت عادة تتكرر في مثل هذا التوقيت من كل عام دون تفسير منطقي لها.

وأكد الخبراء أن الأسعار سوف تواصل الارتفاع حال استمرار الأوضاع الراهنة وتجاهل الحكومة لهذه المشكلة أو مواصلة التدخل الشكلي لتهدئة الأوضاع مرحليا وأشاروا إلى أن الأمر يتطلب تفعيل آليات حقيقية تحدد السعر العادل لطن حديد التسليح بما يرضي كل الأطراف وينهي شبهات الاحتكار، وشكك الخبراء في إمكانية تصدي جهاز الاحتكار الذي تم تشكيله أخيرا لهذه المشكلة حيث يرى الخبير المصري في مجال حديد التسليح الدكتور أحمد النزهي أن الجهاز المنوط به مواجهة هذه المشكلة يجب أن يضم خبرات فنية وأدوات تؤهله للحكم على هذا الأمر بشكل احترافي وليس من خلال مواد وبنود ولوائح جامدة يتم التحايل عليها.

وتابع أن جهاز الاحتكار الذي أعلنت الحكومة عن تفعيله أخيرا ربما يكون له دور في ضبط أسعار الصلب لتصبح متوازنة مع الأسعار العالمية دون مبالغة في حالة التعامل مع السوق والمنتجين بمنظور جديد يختلف عن الأجهزة الحكومية الأخرى التي باتت متراكمة دون نشاط حقيقي.

ووصف النزهي تقلب أسعار الحديد وارتفاعها خلال هذا التوقيت من كل عام بأنها أمر محير ويشير إلى ان دورة أسعار الحديد عالميا أصبحت سريعة وتتأثر بعوامل عديدة تجعل تقلبها بين الانخفاض والارتفاع يتم بمعدل أسرع من المعتاد.

وأضاف النزهي أن هناك عوامل عديدة تفسر الزيادة الأخيرة أبرزها زيادة معدل استهلاك الصين ودول شرق آسيا وأيضا الولايات المتحدة الأميركية بعد إعصاري كاترينا وريتا لحديد التسليح فضلا عن ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة أسعار المواد الخام سواء المربعات أو الحزمة.

واستدرك النزهي مؤكدا أن ذلك لا يبرر الزيادة المحلية بهذا الحجم موضحا ان تلاعب بعض التجار والمنتجين واضح في هذه المسألة حيث يتعمد هؤلاء تخزين كميات ضخمة من الصلب وإشاعة حالة من نقص المعروض في السوق، الأمر الذي يحرك الطلب ومعه تتحرك الأسعار تدريجيا نحو الارتفاع.

وذكر النزهي أن التوسع في الاستيراد رغم تراجع رسوم الجمارك وإلغاء رسوم الإغراق لن يكون حلا منطقيا بعد أن زادت الأعباء الاستيرادية مع ارتفاع رسوم الشحن نتيجة الطفرة الكبيرة في اسعار النفط.

ويؤكد الجهاز المركزي المصري للمحاسبات الرؤية السابقة من خلال تقرير أعده تضمن اتهاما لبعض منتجي حديد التسليح بالمغالاة في هامش الربح الذي تجاوز 300 جنيه في الطن الواحد مقابل 65 جنيها قبل سنوات قليلة. وأشار التقرير إلى ان منتجي حديد التسليح لا سيما الكبار اضطروا مع تدخل الحكومة أواخر العام الماضي إلى تهدئة الأوضاع لامتصاص غضب الرأي العام لحين العودة مجددا لرفع الأسعار.

ورصد التقرير عوامل أخرى تعمق أزمة حديد التسليح وتهدد خطط الحكومة لإنعاش سوق العقارات أبرزها زيادة نشاط دور الوسطاء الذين ينتمون إلى كبار التجار والمتمثل في بيع الحديد على أرض المصانع دون الانتقال للمخازن.

ومن جهته اعترف سعد الدين علي أحد تجار حديد التسليح بأن الزيادة الأخيرة في الأسعار حرضت العديد من التجار على تخزين كميات كبيرة، الأمر الذي يعلل الطفرة التي رصدتها التقارير الرسمية بشأن زيادة مبيعات حديد التسليح خلال الاسابيع الماضية موضحا أن بعض عمليات الشراء كانت تتم في الأيام الماضية قبل الانتهاء من إنتاج الحديد المباع فعليا.

وأضاف أن توقعات استمرار ارتفاع الأسعار حركت المبيعات نحو الصعود وعلى غير المعتاد في مثل هذا التوقيت غير ان حلول شهر رمضان ربما يقلل من نشاط المبيعات نظرا لانخفاض النشاط العقاري في هذا الشهر، إلى ذلك لم ينكر المنتجون الزيادة الواضحة في الأسعار، غير أنهم عللوا ذلك بعدة أسباب خارجة عن نطاق سيطرتهم وأشاروا على أنهم خفضوا الأسعار عندما تراجعت تكلفة الإنتاج وليس لديهم نوايا احتكار، حيث أوضح المهندس خالد البوريني أن ارتفاع حديد التسليح كان متوقعا منذ فترة نتيجة الزيادة العالمية في أسعار الخامات من مستلزمات الإنتاج وفي مقدمتها المربعات والخردة التي ارتفعت أسعارها بما يتراوح بين 55 و 100 دولار خلال فترة قصيرة، حيث قفز سعر طن المربعات من 295 دولارا إلى 350 دولارا فيما زاد سعر طن الخردة إلى 240 دولارا مقابل 140 دولارا.

كما يرى البوريني أن الإجراءات الحكومية لضبط أسعار حديد التسليح لم تكن كافية لضمان استقرار الأسعار دون زيادة حيث ما زالت تكلفة استيراد مستلزمات الإنتاج مرتفعة.

وتابع أن سعر طن حديد التسليح في السوق المصرية ما زال الأقل مقارنة بسعره في أسواق الدول المجاورة.

ووصف وزير الاقتصاد المصري الأسبق الدكتور مصطفى السعيد الزيادة الأخيرة في أسعار حديد التسليح بأنها دليل جديد على عجز الحكومة على مواجهة الأزمة واعتمادها على سياسة المسكنات الفاشلة موضحا ان تجاهل الحكومة تفعيل دور رقابي صارم على منتجي الحديد سيؤدي إلى مزيد من تفاقم هذه الأزمة وأشار إلى أن أسباب الزيادة التي يسوقها المنتجون وان كان بعضها منطقيا إلا أنها لا تكفي لتبرير الزيادة المفاجئة لاسعار حديد التسليح.