السعودية: التكلفة والحاجة والعادات الاجتماعية غيرت المفاهيم في تصاميم المنازل

لم يعد ضروريا وجود بيوت ذات مساحة كبيرة

TT

طالت ثقافة التغير لدى الأسرة السعودية كل جوانب الحياة والتي كان من أولها وأهمها المسكن، إذ غابت في البيوت الحديثة المساحات الكبيرة والصالونات العديدة التي كانت تعد ضرورة لتحل محلها مساحات المبانى المحدودة والمجالس الاحادية والصالات المفتوحة وغرف الخدم والحدائق الصغيرة.

في الوقت الحالي اختلف الوضع لدى السعوديين في تصميم بيتوهم الكبيرة ذات الغرف المتعددة والحدائق الطويلة والمسطحات الخضراء والتكاليف العالية والتي كانت التكلفة المتوسطة للبيت الواحد تتراوح ما بين 800 الف إلى 1.2 مليون ريال (213 و320 الف دولار) وتبدأ المساحات من 800 متر مربع وحتى 1600 متر مربع، وكان من الضروري ان يشمل المنزل مجلسا كبيرا، بالاضافة إلى غرفة للضيوف ذات مساحة اصغر بقليل من مساحة المجلس، وحديقة منزل كبيرة يوجد بها مجلس صغير في العادة يكون مصمما على شكل بيت للشعر كجزء من التراث الذي سعى السعوديون للاحتفاظ به. وما يؤكد تغيير هذه الثقافة عدد من العوامل خاصة مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على السعودية خلال السنوات الاخيرة مما دفع الكثير من الذين يرغبون في شراء منازل إلى ادخال عامل الاقتصاد وهو الاهم حيث أصبحت التكلفة مهمة في قرار شراء بيت لدى الفرد في السعودية، في ظل غياب جميع الوسائل التي تنعم بها السابقون من قروض من صندوق التنمية العقارية والتي كانت تصرف بفترة بسيطة، بالاضافة إلى وجود التسهيلات من البنوك وارتفاع دخل الفرد وانخفاض أسعار مواد البناء، بالاضافة إلى انخفاض اسعار الاراضي والتي لم تكن بالاسعار الموجودة حالياً، كما ان لوجود البدائل في العادات والتقاليد في حال زيارة ضيف فان الوقت الحالي وجدت بدائل كالاستراحات او دعوته في منزل الاسرة كمنزل الجد والاب الذي يتسم بالمساحات الكبيرة. مشاركة المرأة كان لها دور كبير بشكل مباشر في اختيار الموقع وتصميم المنزل وتنفيذ الديكور والاثاث الداخلي وهذا على النقيض مما كانت عليه المرأة سابقا من دورها المحدود في اختيار اثاث غرفتها الخاصة فقط في المنزل دون التدخل في التصميم العام له من حيث المساحة او الموقع الذي كان يقوم به الرجل منفردا.

يغلب طابع البحث عند السعودي في الوقت الحالي عن بيت يتملكه ويكون له بيت العمر سواء على مستوى السكن او على مستوى الاستثمار في حال رغب بالتوسع والخروج في المستقبل إلى بيت أكبر وطرح منزله السابق للتأجير لعله يصبح مدخولا ماديا رئيسيا خلال السنوات المقبلة، ويعكف السعوديون خاصة حديثي الزواج على البحث عن الفلل الصغيرة او ما يعرف بالفلل الدوبلكس والتي تتراوح مساحاتها ما بين 250 حتى 600 متر مربع تتراوح اسعارها بين 320 الفا حتى 900 الف ريال (85.3 الف و240 الف دولار) تتوزع غرفها بين اربع إلى خمس غرف وصالة ومطبخ وتم الغاء غرفة الضيوف، نظراً للتكلفة الاقتصادية العالية لشراء المنازل وعدم وجود بدائل كالتمويل العقاري او الرهن والذي بدأ يتخذ اجراءات مختلفة بعد ما طلبت الحكومة السعودية من الجهات المعنية الاسراع بوضع نظام للرهن العقاري خلال الفترة الماضية.

في حين يرى عدد من العقاريين والمصممين ان البلاد قد اتسعت رقعة المساكن فيها وبالتالي فان التغيير في ثقافة المسكن لا يكفى لوحده وانما البلاد بحاجة إلى تغيير في ثقافة الحي والمدينة ليتمكن الفرد من تملك مسكن يضمه ويضم أفراد أسرته طيلة حياته، وشددوا على ان نجاح بعض الدول العالمية في تطبيق فكرة الاحياء الحديثة والتي تكون متكاملة الخدمات كوجود مدارس ومستشفيات ومراكز اجتماعية وحضرية تخدم المنطقة وبالتالي فان ذلك يعود على المدينة في الاخير بالنفع وتقليل الازدحام فيها.

وفي هذا النطاق يقول الدكتور بدر بن سعيدان المدير العام لشركة آل سعيدان للعقارات أن الحاجة لتملك مساكن جعلت السعوديين يغيرون من نظرتهم ويتحولون من البيوت الكبيرة إلى البيوت الصغيرة والمتوسطة لدرجة انهم وصلوا في بعض الاحيان إلى الشقق السكنية كما هو معمول به في مدينة جدة غرب السعودية، وأشار إلى انه في السابق كان المسكن بحاجة إلى مواصفات تكميلية كالمجالس الضخمة وغرف الضيوف والحدائق الكبيرة في حين ان المنزل في الوقت الحالي بحاجة إلى اخذ الاحتياجات الرئيسية للفرد والتي يحتاجها هو وافراد عائلته.

وأكد بن سعيدان ضرورة وجود الاحياء المتكاملة وفي هذه الاحياء لا يحتاج الفرد إلى شراء ارض كبيرة وبناء منزل كبير ليخدم متطلباته غير الضرورية كوجود مركز اجتماعي تتم فيه اقامة المناسبات المختلفة لجميع افراد الحي وبالتالي فان ذلك يساعد على بناء منزل صغير للفرد واستبدال المجالس بما يقدمه المركز الاجتماعي من خدمات، مؤكداً ان تلك الخطة ستساعد كثيرا على التقليل من كلفة بناء المنازل التي ستقتصر على احتياجيات الاسرة. سارة الدوسري، التي تعمل في سلم التعليم والتي سكنت منزلها حديثا تؤكد أنها شاركت زوجها اختيار كل ما يتعلق بالمنزل منذ كان على الورق حتى انتهاء كافة التفاصيل، وتشير إلى انه تم الاختلاف بينها وبين زوجها حول اختيار المنطقة ومساحة المنزل لكننا توصلنا في النهاية إلى اتفاق أن تكون مساحة الأرض وموقعها مناسبين وقريبة من الخدمات العامة ومتوافقة مع ما خصصته مع زوجها من ميزانية لبناء المنزل. اما نورة الأحمد ربة بيت فتقول انها قبل زواجها كانت تعيش في منزل أسرتها الذي يقع على مساحة 4000 متر مربع ولا تستطيع فيه رؤية اخوتها الا على وجبات الطعام خاصة مع توافر خدمات متكاملة لكل منهم في غرفته وبعد زواجها سكنت في شقة كبيرة ومفتوحة على بعضها دون أبواب الا بابين: باب للشقة وباب لغرفة النوم وكانت التجربة صعبة، فكيف لها أن تعيش في منزل بهذا الحجم بعد المساحات الشاسعة والمجالس العديدة؟ لكنها وحسب قولها اكتشفت ان المساحات الكبيرة لا تخدم الأسرة السعودية التي تقلصت كثيرا بعد أن كان الأبناء بعد زواجهم لا يخرجون عن آبائهم في منازل مستقلة. وتوضح سارة السبيعي مصممة الديكور الداخلي وصاحبة مكتب سارة ديزاين للهندسة المعمارية والتصميم الداخلي أن السبب في تغيير ثقافة المسكن لدى الأسرة السعودية يعود لغلاء الاراضي الذي يلعب دورا كبيرا في تقليص الأسرة لمساحة الأرض، فلو توفرت للأسرة ارض كبيرة بسعر اقل لكان الاختيار الثاني هو الأفضل إضافة الى انفصال الأبناء عن آبائهم، كان دافعا لتغيير ثقافة المسكن لدى الأبناء فأصبحت الأسرة لا تحتاج إلى المنزل الكبير الذي يضم الاباء والأبناء وربما أبناء الأبناء ولذلك ساهم هذا الانفصال في ترويج فكرة الفلل الصغيرة الخالية من الحدائق والمساحات الكبيرة والمتوافرة فيها احتياجات الأسرة السعودية الحديثة دون مبالغة. وأشارت السبيعي إلى أن انفتاح الأسرة السعودية على المجتمعات الأخرى أدى إلى تغيير ثقافة تصميم البيوت، فقد استغنت الأسرة عن المجالس الكثيرة واكتفت بمجلس واحد وغرفة طعام واحدة مع مختصر صغير للأعداد القليلة من الضيوف إلى جانب حرص الأسر على أيجاد قبو بداخل المنزل لإقامة المناسبات الخاصة والاجتماعات الأسرية مما جعلها تستغني عن الصالة الكبيرة التي كانت تقوم بنفس الدور كما استغنت الأسرة عن الحديقة الأمامية لتجعلها إما خلفية أو داخل المنزل أو على سطح المنزل للذين يحبون التميز أو الاختلاف واستغلت المساحة الأمامية في إنشاء غرفة للسائق. وأكدت السبيعي أن الأسرة أصبحت تولي الأطفال اهتماما كبيرا أثناء تصميم المنزل، فأصبح هناك جزء كبير لترفيه الأطفال لحمايتهم من تقلبات الطقس أو لنواح أمنية أو اجتماعية خلافا للسابق حيث كان الأطفال يلعبون في بهو المنزل إلى جانب تخصيص غرفة في الفلل الصغيرة للألعاب والرياضة وكل هذا التغيير في الأفكار من تداعيات الانفتاح على العالم عبر السفر والمجلات المتخصصة، وأضافت أن قيام المشاريع السكنية ساهم إلى حد كبير في رواج فكرة الفلل الصغيرة التي لا تتجاوز 400 متر خاصة بين الذين يفضلون شراء منازل جاهزة ويتعذر عليهم متابعة تفاصيل بيوتهم.

في حين يرى محمد السالم مهندس معماري ان اغلب ما غير في ثقافة المنزل لدى السعوديين هو استقلالية الابناء عن الاباء وبحث الابناء عن منازل ملك تغنيهم عن دفع الايجار السنوي الذي يثقل كاهلهم على حد تعبيره، ويسبب لهم الرهبة والقلق كلما حل وقت سداد الايجار ومنعا للاحراج من قبل المؤجر، بالاضافة إلى وجود الراحة في البيوت الملك التي تؤويهم على مدى العمر.

وأشار إلى ان ارتفاع اسعار مواد البناء والاراضي كان له تأثير كبير في الضغط على الفرد السعودي لتغيير نظرته تجاه المنزل الكبير الذي كان في وقت من الاوقات مدعاة للمفاخرة في حجم وتصميم البيت.