أول مبادئ اختيار العقار .. الحرص على الموقع

TT

هناك عقارات في لندن تفصل بينها عدة مئات من الامتار، ولكن فارق الثمن بينها لا يقل عن 37 ألف جنيه استرليني. والسبب هو الموقع. واختيار الموقع هو القاعدة الذهبية التي يقوم عليها الاستثمار العقاري ويعرفها معظم الخبراء في هذا المجال، ولكن ما زال هناك من يعتقد ان توفير بعض المال في مواقع اقل جاذبية يعتبر استثمارا جيدا. التجارب تثبت عكس ذلك، فعلى المدى الطويل تحافظ المواقع الجيدة على قيمتها وترتفع بنسب اعلى في ثمنها ويكون عليها طلب اكثر. وفي النهاية فإن الهوامش المدفوعة في فارق الثمن تعود اضعافا في صورة عوائد اعلى عند البيع، بينما يظل الموقع الضعيف اكثر عرضة لهزات السوق ولا تزيد قيمته بنسب كبيرة، وعند البيع لا يحقق الكثير من هوامش الارباح.

من الامثلة التي تجذب الكثير من الطلب في الوقت الحاضر العقارات التي تجاور نهر التيمز في لندن وضواحيها، وايضا تلك التي تقع على واجهة بحرية على الشواطئ. وتؤكد ابحاث السوق ان العقارات التي تطل على النهر في لندن تزيد في ثمنها على عقارات مثيلة تبعد عن النهر بعدة شوارع بحوالي 18 الى 25 في المائة. وبمقاييس اسعار لندن، فإن هذه النسبة تترجم الى عشرات الآلاف من الجنيهات.

ولكن لكي تتحقق هذه الفوارق السعرية لا بد ان تكون اطلالة النهر واضحة وجذابة، وليست في ركن بعيد من الشرفة يراها الناظر على اطراف اصابعه! ويمكن القول ان العقارات المطلة على المسطحات المائية تعتبر سوقا منفصلة في حد ذاتها لها طلبها الخاص وهيكلها السعري المنفرد. وهي تزيد على غيرها في السعر وتقل في الانخفاض في حالات تراجع السوق ولكنها تزيد في قيمتها بمعدلات اسرع من السوق، وذلك لانها سوق محدودة في العرض بينما الطلب يزيد باستمرار.

وتقول مؤشرات شركة نايت فرانك، المتخصصة في العقارات الفخمة، ان سوق العقارات النهرية في لندن زادت عن معدل ارتفاع الاسعار في لندن في العام الماضي بحوالي 3.8 في المائة.

وتوضح منطقة فوكسهول المطلة على النهر والمواجهة لمبنى البرلمان البريطاني هذا التيار، خصوصا وانها كانت من ضمن المناطق التي شهدت توسعا عمرانيا في مجمعات سكنية فاخرة تطل على النهر مباشرة، وايضا على مشهد مبنى البرلمان وساعة بيغ بن وعجلة لندن العملاقة. فالسعر المتوسط لشقة في مجمعات فوكسهول التي تطل على النهر تصل الى حوالي ربع مليون جنيه استرليني، وبزيادة 37 ألف جنيه على الاقل من شقق مماثلة في حي لامبيث المجاور. واحيانا تزيد النسبة في الاسعار على 40% من عقارات مماثلة على مقربة مائتي متر من العقارات النهرية. وقد جذبت هذه العقارات الكثير من المشاهير للسكن فيها، ففي مجمع فوكسهول يمتلك رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجور شقة على النهر ويجاوره في السكن الروائي والسياسي المشهور جيفري آرشر.

ولا تقتصر اهمية المواقع النهرية على لندن، التي يرتفع فيها الطلب على كل العقارات. ففي قرى انجليزية في اعالي نهر التيمز، مثل مارلو، تصل قيمة العقارات المطلة على النهر حوالي النصف مليون استرليني، خصوصا تلك التي تتمتع بحقوق المرسى النهري. والفلل المماثلة بعيدا على النهر يقل سعرها بحوالي مائة الف استرليني على الاقل. ويتمتع مشترو الفلل النهرية بحدائق واسعة تنحدر تدريجيا الى حافة الماء حيث يمكن ربط زورق نهري للنزهة، او الجلوس في الشرفة والنظر الى النهر والطيور والازهار على جانبيه.

وتتكرر الصورة ايضا في المدن الساحلية التي تقول مؤشرات الاسعار فيها ان الاسعار تزيد بمعدلات اكثر من المتوسط. ففي مدينة ليمنغتون الساحلية مثلا زادت الاسعار فيها وفقا لمعدل بنك هاليفاكس، حوالي 234 في المائة خلال العشر سنوات الاخيرة، مقابل 186 في المائة في المتوسط في بريطانيا، مع زيادة اضافية في العقارات المطلة على البحر تصل الى ما بين 20 و30 في المائة.

ويقول سمسار عقاري محلي في المدينة ان المنظر البحري احيانا يكون اهم من العقار نفسه. ويؤكد انه باع عقارا يطل على البحر بحوالي 600 الف جنيه استرليني، رغم انه كان يحتاج للكثير من الاصلاحات والتجديدات، بينما بيع عقار اخر يزيد عنه مساحة وفي حالة ممتازة من التجديد بسعر 540 الف جنيه استرليني لمجرد انه بعيد عن البحر بعدة شوارع! وفي رأيه الشخصي، اعتبر السمسار ان هذا الوضع يعد ضربا من الجنون، ولكنه يضيف ان القيمة التي يضعها المشتري على الموقع هي سبب هذا الوضع. فالمشتري يمكن ان يغير من الديكورات ويجري تعديلات وتحديثات للعقار، ولكنه لا يستطيع ان يغير المشهد الخارجي او الموقع.

ويؤكد خبير عقاري آخر ان ميزة العقارات البحرية او النهرية انها لا تهتز كثيرا من صدمات السوق، ففي موجة الكساد العقاري الاخير في بداية التسعينات لم تتأثر العقارات ذات المواقع الممتازة كثيرا، مقارنة بالعقارات العادية. وهي في المتوسط اعلى من مستوى السوق بحوالي 20 في المائة قابلة للزيادة.

ويتكرر الوضع نفسه في اسكتلندا حيث تمنع السلطات هناك المزيد من نشاط البناء بالقرب من المسطحات المائية للخلجان الاسكتلندية المعروفة باسم Lochs. ولهذا فإن العقارات المطلة على الماء لا تعرض في الاسواق إلا نادرا، وعندما يعرض احدها للبيع لا يعرض بثمن محدد وانما بعبارة «بسعر لا يقل عن كذا». وفي العام الماضي عرض عقار للبيع في منطقة لوخ تامل بسعر لا يقل عن 850 الف استرليني، وفي النهاية بيع العقار بحوالي 1.6 مليون استرليني. وهناك المزيد من العقارات المعروضة في مناطق اسكتلندية تطل على المياه بأسعار تبدأ من 200 الف استرليني، ولكن الصفقات الحقيقية تبدأ من حوالي 300 ألف استرليني. ويقول سمسار محلي ان الكثير من المشترين يحضرون الى هذه العقارات لمشاهدة المناظر الخارجية وليس العقار نفسه.

ولكن، مثل اي استثمار آخر، هناك ايضا العديد من المخاطر التي يقتصر بعضها على العقارات القريبة من المسطحات المائية. وليس بالضرورة ان يكون الخطر بحجم التسونامي، ولكن الفيضانات كثيرا ما تقتحم على هذه الفئات المحظوظة حياتها لكي تقلبها رأسا على عقب. وفي العديد من القرى الساحلية تسببت عواصف في تدمير العديد من العقارات القريبة من الشاطئ. وفي بريطانيا هناك مناطق مهددة دوما بالفيضان، معظمها يطل على الانهار، واي خطر من هذا النوع من شأنه ان يخفض مستوى الاسعار كثيرا. ولا بد من الاستفسار من هيئات البيئة والسلطات النهرية قبل الاقبال على شراء العقارات القريبة من المياه. ويمكن الاستفسار عن مناطق الفيضان المعروفة لقاء دفع رسوم الى هيئة البيئة البريطانية.

هناك ايضا خطر آخر خاص بالفلل القريبة من نهر التيمز وهو ان النهر عادة ما يكون مزدحما بالمرور النهري خلال فصل الصيف، ويتحول المشهد في بعض الايام الى عبور سياحي متكرر يوميا من مئات الزوارق التي تحمل سياحا بكاميرات الفيديو يصورون المنازل النهرية الجميلة، بمن فيها من سكان! وقد يزعج هذا الوضع العديد من المشترين الذين يريدون مناظر طبيعية، ولكن مع بعض الخصوصية. وهؤلاء عليهم اعادة النظر في شراء الفلل النهرية.