صفقات التبادل العقاري تحرك الأسواق الراكدة

TT

هذا النموذج من الصفقات العقارية يماثل الى حد ما ما يجري في اسواق السيارات من حيث استبدال السيارات القديمة بالجديدة في صفقة واحدة. وتستخدم صفقات التبادل العقاري بغرض الانتقال من موقع لآخر مع اختصار الاجراءات المطلوبة من بيع العقارات غير المرغوبة ثم شراء عقارات جديدة في مواقع اخرى.

الفائدة الكبرى من هذا النوع من الصفقات انها تصلح في حالات الاسواق الخاملة او الراكدة التي لا تجري فيها صفقات بيع كثيرة. وهي حالة تنطبق على معظم الاسواق الحالية لأسباب عدة منها توقعات بانخفاض طفيف في الاسعار في المستقبل القريب، مما يؤجل قرارات الشراء، وأيضا عدم وضوح الرؤية الاقتصادية فيما يتعلق بمستقبل أسواق العمل وفرص النمو الاقتصادي.

ويختصر هذا النوع من الصفقات عمليتي البيع والشراء في عملية تبادل واحدة يتم فيها استبدال عقار بآخر ثم دفع فارق الثمن مع تبادل وثائق البيع والشراء في وقت واحد. وهو يقوم على مبدأ تقييم العقار من طرف ثالث محايد، يكون في العادة مكتب سمسرة عقاريا، ثم اتفاق سريع يمكن اتمامه في غضون 28 يوما. ويستفيد الطرفان من عامل السرعة في التبادل وأيضا من سهولة الاجراءات التي تلغي الحاجة الى انتظار مشتر قد يكون مرتبطا ببيع عقاره هو الآخر قبل اتمام الصفقة.

شركات المقاولات والتنمية العقارية انتبهت في الآونة الاخيرة لفوائد هذا النوع من الصفقات وزادت من فاعليتها التسويقية بقبول المنازل والعقارات القديمة كمقدم مقابل شراء عقاراتها الجديدة. وتؤكد اكبر شركات التطوير العقاري البريطانية انها تستخدم هذا الاسلوب في صفقات بيع العقارات الجديدة بنسب تتراوح بين 40 و50 في المائة. وتقوم الشركات بتوكيل مكاتب عقار لتقييم قيمة العقارات المعروضة للتبادل ثم تقدم عرضا لمالك العقار بالقيمة نفسها، وإذا تم القبول يتم التبادل فوريا، وتتصرف الشركات في العقارات القديمة بالبيع السريع، احيانا عبر المزادات العقارية.

ولتعويض شركات التطوير العقاري عن اي خسائر محتملة يتم عرض شراء العقارات المستخدمة كمقدم في شراء العقارات الجديدة وفق تخفيض سعري متفق عليه، وبشرط الا تتجاوز قيمة هذه العقارات نسبة 70 في المائة من قيمة العقارات الجديدة. وأحيانا تكون توقعات مالك العقار اكبر من قيمة العقار الفعلية، وهنا تحاول شركات العقار اقناعه بان الصفقات السريعة لها ايضا ثمنها وانه يوفر من تكاليف عمولات شركات بيع العقار (وتصل احيانا الى 5 في المائة).

وساهمت التقنيات الجديدة، مثل وسائل الاتصال الفوري وشبكة الانترنت، في تفعيل جانب سوق العقار الذي يعتمد على التبادل، بعد ان كان يقتصر في الماضي على اعلانات مبوبة في الصحف المحلية التي لا تفتح آفاق التبادل بين مناطق بعيدة. الآن تغير الوضع وأصبح التبادل ممكنا على المستوى الدولي.

ويمكن الاستفادة من خدمات التبادل التي تقدمها العديد من الشركات بأسعار رمزية، تقل بكثير عن عمولات شركات بيع العقار. احدى هذه الشركات تعمل في هذا المجال منذ العام الماضي في بريطانيا على موقع الكتروني يتيح للمستهلك ان يعلن عن عقاره بوصف شامل وعرض تسع صور فوتوغرافية له مع امكانية ابلاغه بالبريد الالكتروني فور وجود اهتمام من اية جهة بتبادل العقار. وتتيح الشركة ايضا امكانية البحث في رصيدها من العقارات المعروضة للتبادل. وتحمل الشركة على موقعها الالكتروني اكثر من ألفي عقار معروض للبيع او التبادل، ولا تحصل الشركة من المعلنين سوى على مبلغ 15 جنيها استرلينيا مقابل البقاء على الموقع، المتاح عالميا، حتى اتمام صفقة البيع او التبادل. الشركة تعمل ايضا في مجالات بيع العقار وتبادل الممتلكات الثمينة، ولكن اهم مجالات نشاطاتها هو التبادل العقاري الذي يشمل في مجمله عقارات بريطانية، وبعض العقارات الاوروبية والاميركية، وأراض في كندا. وتعمل الشركة من موقع لها يسمى (www.quickbeforeitsgone.co.uk). وعلى رغم تحذيرات نقابة سماسرة ووكلاء العقار من التيار الجديد الذي يهدد نشاط بيع العقار من مكاتب البيع التقليدية، فان مجال التبادل عبر الانترنت يتوسع. وتقول هيئة وكلاء العقار، ان العديد من المتعاملين في مجال العقار لا يفضلون التفاوض وان التعامل عبر الانترنت يعرض المتعاملين للمخاطر في حالات الاحتيال او ظهور مشاكل قانونية. ولكن التوفير وسرعة التعامل كانتا دائما من حوافز زيادة هذا النشاط.

النمو المضطرد في صفقات التبادل العقاري لفت نظر ادارة الضرائب البريطانية التي قررت هذا العام ان تغير من القانون حتى تحسم أمر المتعاملين بالتبادل وان تفرض عليهم ضرائب كانوا معفيين منها. فصفقات العقار تخضع في العادة الى ضرائب ختم تسمى Stamp Duty كانت صفقات التبادل معفاة من نصفها بحكم انها كانت تفرض فقط على العقار الاعلى ثمنا بين العقارين المتبادلين. ولكن القانون تغير هذا العام لكي يفرض هذه الضريبة على العقارين معا في صفقات التبادل ايضا. ولكن حتى مع نهاية الميزة الضريبية فان سرعة القرار هو الحافز الاهم في صفقات التبادل.

في إحدى الحالات استطاع زوجان في السبعينات من عمرهما استبدال منزل رائع يطل على البحر بآخر اصغر حجما داخل مدينة ايستبورن الساحلية، بسبب موقع المنزل على هضبة ووجود اربعين درجة سلم للوصول الى المدخل الرئيسي للعقار. وفي المقابل كانت العائلة التي تسكن في وسط المدينة تبحث عن منزل بحديقة واسعة للاطفال ولم تكن درجات السلم تضايقها لأن الزوجين في الاربعينات من العمر. وبعد التفاوض المباشر تم تقييم المنزل الساحلي بحوالي 680 الف جنيه استرليني، مقابل نصف مليون جنيه للمنزل الأصغر حجما. ولدى اتمام الصفقة اتضح ان حجم التوفير لكل من الطرفين بلغ حوالي عشرة آلاف جنيه استرليني.

من الحالات الاخرى، صفقة تبادل ناجحة بين جيران كانت أسرة منهم تسعى لشراء منزل اكبر حجما، بينما كانت عجوز تعيش بمفردها في منزل تاريخي واسع وتبحث في الوقت نفسه عن مسكن أصغر حجما. كان الطرفان يبحثان عن عقارات مناسبة من دون الحاجة الى مغادرة القرية التي يعيشون فيها. وفجأة خطرت لهما فكرة التبادل العقاري، ونجحت الفكرة في التنفيذ لانهما يعرفان تماما الموقع والجيران الآخرين. من الفوائد الاخرى لهذه الصفقة: التوفير، وعدم دخول اطراف ثالثة في الصفقة بمزايدات او التأخير من انتظار اتمام صفقات بيع اخرى في سلسلة اطراف تنتظر البيع من اجل الشراء. ولكن هذا النوع من الصفقات اذا جرى بين اصدقاء وجيران، لا بد فيه من الصراحة التامة حول اي عيوب او مشاكل قد تحدث في العقار، وإلا كان ثمن الصفقة هو الصداقة نفسها. وفي بعض الحالات التي يكون فيها قرار مغادرة العقار اضطراريا بسبب الشيخوخة، تتيح معرفة ان العقار المتبادل سوف يذهب الى من يحافظ على بعض الطمأنينة الى الطرف المغادر الى عقار أصغر حجما.

المعروف من مجال التبادل العقاري عربيا هو بعض الاعلانات المبوبة التي يطلب فيها مالك عقار استبداله بعقار آخر في نفس المدينة او مدينة اخرى. ولم يتطور بعد مجال التبادل العقاري عبر الحدود في المنطقة العربية بسبب تباين قوانين الملكية بين بلد وآخر وأحيانا سهولة الإيجار بسبب البقاء المؤقت للمغتربين في مواقع العمل لبضع سنوات تتم العودة بعدها الى الوطن الأم.

في مواقع شركات العقار العربية ما زال الاهتمام يقتصر على صفقات البيع والإيجار بلا اهتمام يذكر برغبات التبادل، وفي الحالات التي تكون فيها الرغبة واضحة في استبدال عقار في مدينة بآخر في مدينة اخرى، تتم الصفقات في العادة عبر عمليات البيع والشراء التقليدية. وتحتفظ بعض شركات العقار بمعلومات عن زبائن لها يرغبون في تنفيذ صفقات تبادل، ولكن هذه الشركات لا تعلن عادة عن هذه الصفقات إلا لو تقدم عميل وسأل عنها.

من الحالات النادرة التي ظهرت على مواقع انترنت عربية كانت لعمليات تبادل عقاري، بعضها خارج الحدود العربية، ضمن مواقع لتبادل مختلف الاغراض الاخرى مثل السيارات والتحف والالكترونيات.

ويمكن لمجال التبادل ان يحقق قيمة ومنفعة متبادلة بين الاطراف مع خفض للتكلفة وسرعة في الاجراءات، ولكنه يحتاج الى الاطار القانوني الفعال الذي يحمي الاطراف، وهو ما توفره في العادة اسواق العقار الناضجة. وهي على العموم فكرة متاحة للتطوير امام الشباب الذي يبحث عن مجال مفيد لمواقع انترنت عربية جديدة.