مصر: إطلاق المراكز التجارية في الضواحي يشعل أسعار الأراضي ويشد قاطرة العمران

TT

على عكس ما كان سائدا من قبل من إنشاء مجتمع سكني في البداية، تم إنشاء أسواق تجارية بعد ذلك لسد احتياج قاطني المنطقة السكنية، أتت سلسلة متاجر مثل كارفور وهايبروان لتبتكر أسلوبا جديدا في التنمية العمرانية غير مسبوق في مصر، وهو أنشاء المركز التجاري أولا في منطقة صحراوية على أطراف المدن الهامة مثل القاهرة والإسكندرية وترتفع قيمة الأراضي فتشد أنظار المستثمرين المجاورة أضعافا مضاعفة، وتنشط التنمية العقارية بقوة في المنطقة الجديدة والمول التجاري المقصود هنا هو في مكونه من طابق واحد كما في كارفور أو طابقين كما في جايبروان، ويضم مجموعة من محلات الأزياء والمطاعم، أما المساحة المتبقية فهي مخصصة للسلع الغذائية وغير الغذائية مثل السلع الهندسية المنزلية (ثلاجات ـ غسالات ـ تلفزيونات)، وبالتالي فهو يضم جميع مستلزمات المعيشة مما أهل المخازن التجارية الكبيرة هذه لتصبح نقاط جذب شديدة للسكن حولها، وهناك عملية تؤكد ما سبق حدثت في مدن مثل الشيخ زايد والتجمع الخامس على مشارف القاهرة، وكذلك في اطراف المعادي والإسكندرية. وعندما اختارت مجموعة الهواري إقامة مركزها التجاري «هابير وان» عند التقاء طريق المحور بمدخل مدينة الشيخ زايد لم تكن تعلم بأنه لن يمر وقت طويل إلا وتنتعش أسعار الأراضي والشقق السكنية بصورة شديدة.

وحتى الحكومة المصرية ممثلة في جهاز المدينة المسؤول عن بيع الأراضي للمواطنين، قامت برفع أسعار الأراضي. فبعد ان كان ثمن المتر 60 جنيها زاد إلى ثلاثة أضعاف ليصل إلى 200 جنيه، أما الوسطاء العقاريون فيبيعون المتر بـ 350 جنيها.

وشهدت الشقق السكنية نفس الارتفاع في الأسعار خاصة القريبة من هايبر، وان الواقع في مدخل مدينة الشيخ زايد ـ 15 كلم من القاهرة ـ ويعد المكان من ضواحي مدينة 6 أكتوبر، فقد كان ثمن المتر في الشقة السكنية بمجمع سكني جديد قريبا من المول 600 جنيه ارتفع بعد افتتاح المول ليصل إلى 1200 جنيه.

ولم تشهد مدينة الشيخ زايد هذا الإقبال الشديد على الإقامة إلا بعد افتتاح هايبر وان فهي كانت منتجعا هادئا يقع على مسافة 12 دقيقة من حي المهندسين الراقي بالقاهرة ويتمتع بمساحات خضراء شاسعة وتخطيط جيد للشوارع، بالإضافة لمدينة الغولف التي أقامها هشام طلعت مصطفى، وأصبحت ملتقى قاصدي الهدوء وكافة اتجاه الجميع للسكن بمدينة السادس من أكتوبر التي تبعد عنها بضعة كيلومترات نظرا للوجود المكثف للمدارس والجامعات الخاصة التي زادت من الكثافة السكانية بها فأصبحت شبيه نوها ما بمدينة القاهرة.

ويبدي نادر أحمد وسيط عقاري اندهاشه من الهجمة المحمومة للتملك في الشيخ زايد بعد افتتاح الهايبر، وان رغم علم الناس بافتتاحه قائلا : قبل افتتاح المول كان هناك ارتفاع متدرج في الأسعار نتيجة قرب المدينة من القاهرة العاصمة وتوافر طريق المحور الذي أحيى مناطق بأكملها، ولكن لم تكن الزيادة بأكثر من 30 في المائة وقد شهدت الاسعار قفزات كبيرة بعد افتتاح المول، وفي تقييمه لتجربة المول يقول نادر أحمد لا شك أن ارتفاع أسعار الاراضي في منطقة وسط المدينة بالقاهرة أدى إلى اتجاه المراكز التجارية إلى أطراف المدن نظرا لاحتياجها مساحات شاسعة لعرض السلع وأيضا كموقف للسيارات، ورغم انه نمط استهلاكي إلا أنه لاقى نجاحا كبيرا في مصر وسيكون له مستقبل كبير.

أما في جنوب القاهرة وبالتحديد غرب طريق الأوتوستراد أدى إنشاء كارفور إلى تغيير خريطة المنطقة بعد أن كانت منطقة صحراوية تباع الأراضي فيها بالفدان، ولم يكد سعر المتر يتجاوز المائة جنيه، فأصبحت مقصدا للشركات العقارية تستقطع لنفسها مساحات كبيرة تصلح كمدن سكنية ويتم الإعلان عنها بمدى قربها من كارفور وأصبح سعر المتر 1600 جنيه.

ويشرح ربيع سلامة مدير تسويق بإحدى الشركات العقارية سياسة هذه الشركات بقوله: تلجأ الشركات العقارية لتوفير مخزون لديها من الأراضي ونظرا لوجودنا المستمر في المناطق المختلفة نعلم قبل غيرنا هل اشترت شركة عالمية ارضا لإقامة مشروع مثل كارفور أم لا، وعندما تتأكد من المعلومات تبدأ في شراء الأراضي بجواره ونتركها عامين أو ثلاثة حتى يبدأ المشروع في التنفيذ فيرتفع ثمن الأرض أربعة أضعاف ثم يبدأ الإعلان عن مشروعنا السكني وقد جربنا ذلك في الأرض المحيطة بكارفور المعادي، فقد كان سعر المتر قبل إنشائه 100 جنيه، أما الآن فقد اصبح 1600 جنيه حسب الارتفاع المسموح به للمجمع السكني، فهناك ارتفاعات متفاوتة منها أرض وأربعة طوابق أو أرض و11 طابقا.

ويضيف ربيع سلامة أعتقد أن اختيار المولات التجارية للطرق السريعة مثل المحور أو الدائري لإقامة فروعها سببه لسهولة الوصول إليهم عبر هذه الطرق وأيضا لاقتنائهم الأراضي بمساحات كبيرة بأسعار منخفضة نوعا ما، أما المستثمر العقاري فهو يهدف من إقامة مشروعه بجوار هذه المولات إلى نسبة ربح لا تقل عن 25 في المائة سواء اشترى الأرض مرتفعة الثمن أو منخفضة.

ويعتبر مجمع Toys Bus الذي يقيمه أحد أفراد عائلة الفطيم في التجمع الخامس غرب القاهرة، أحدث هذه المولات فقد اشترى مساحة 180 فدانا وسيتم إنشاء مجمع تجاري غذائي وتجمع سكني ومعرض للسيارات عليها بإجمالي مبلغ 540 مليون جنيه كثمن للأرض فقط، حيث يبلغ ثمن الفدان 3 ملايين جنيه وقد كان ثمن الأرض في المنطقة المحيطة للتجمع 750 جنيها للمتر فأصبح 1500 جنيه أي الضعف. أما في منطقة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر فقد اختار كارفور منطقة عند مدخل المدينة وأقام فرعا شبيها بفرع القاهرة وعلى نفس الفلسفة التي تشمل ترك مساحة شاسعة لانتظار السيارات ومنطقة لألعاب الأطفال. وعندما علم المستثمرون بإقامة كارفور لمول تجاري سارعوا بشراء أراضي حوله وإقامة مجمعات سكنية تتلاءم مع طبيعة المدينة ولا يتجاوز ارتفاعها الطابقين، بالإضافة لإقامة منطقة ترفيهية ومقاه وصالة أفراح وساحة سباقات السيارات بالإضافة لجذبهم توكيلات السيارات لإقامة مراكز بيع وصيانة للماركات الشهيرة.

أما منطقة القرية الذكية على طريق مصر إسكندرية الصحراوي وبعد محطة رسوم التحصيل للمرور، فقد استغل كارفور إنشاء مجموعة من المقاهي والمحلات التجارية هناك وأقام مجمعا آخر وذلك لاستغلال إقبال الجمهور على السهر والترفيه في هذه المقاهي، ولكن لم يتم التفكير بعد في إنشاء مجمعات سكنية، ويبدو أن المتسببين في هذه الظاهرة لا يعلمون شيئا بعد عن مدى تأثيرهم على أسعار المنطقة، كما يوضح هارفيه ماجيريه المدير الإقليمي لسلسلة كارفور بالشرق الأوسط بقوله : لم نستفد شيئا من فرق الأسعار في الأراضي منذ جئنا في نهاية عام 1999 وحتى الآن، ولكن نظرا لخبرتنا العالمية نستطيع تحديد الأماكن التي تتمتع بمستقبل عمراني جيد. وأشار إلى صورة ملتقطة من القمر الصناعي لمنطقة كارفور المعادي، فظهر المول فقط ولم يظهر حوله شيء.

وأوضح أن هناك مواصفات لا بد من أشترطها عند إنشاء كارفور منها وجود ساحة تستوعب اكثر من 55 ألف منتج مختلف، وتتيح أسلوب عرض جذاب ومريح من خلال صالات عرض واسعة، وكذلك أسلوب شراء يمنح الحرية للعميل في التنقل بعربات التسوق ووجود مخازن ومعامل مجهزة للحوم والدواجن.

ووجود أعداد كبيرة من «الكاشير» حتى لا يحدث تكدس في أماكن معينة، وبالتالي فمن الصعب إيجاد تلك المواصفات داخل المدن، لذلك نلجأ إلى أطراف المدن ثم أن رخص أسعار الأراضي فيها يتيح لنا امتلاك هذه المساحات وعندما اخترنا طريق الأوتوستراد لإقامة كارفور المعادي كنا على ثقة بأن الأوتوستراد سيصبح يوما ما وسط مدينة القاهرة. بالإضافة لتوسطنا عدة مدن مثل المعادي وحلوان ومدينة نصر.

وحدد هارفيه مبلغ 50 مليون جنيه كمتوسط للتكلفة الاستثمارية لإنشاء المول، وأضاف: تختلف التكلفة باختلاف حجم المول بالإضافة لمستوى الجودة والخدمة بالمكان.

وأوضح هارفيه أنه يتم حاليا التفاوض في شأن إنشاء مجموعة من سلسلة كارفور في الدلتا في محافظة طنطا والمنصورة وكذلك مناطق أخرى بالقاهرة بحيث يكون هناك من 8 إلى 10 فروع لكارفور خلال الخمس سنوات القادمة.