قروض العقار السوبر لها شروطها.. والحد الأدنى للإقراض مليون دولار

TT

في عالم الاقراض الدولي، يختص كل قطاع في السوق بمعايير وقيم معينة تحكمه وتتحكم فيه. وفي مجال التمويل العقاري العادي يبحث المشتري عن عقار في متناول ميزانيته ثم يبحث عن بنك او شركة تمويل او جمعية عقارية تمول له الجزء الاكبر من الثمن، بحد اقصى يصل في العادة الى 80 في المائة. ويجد هذا المشتري ان السوق كلها تتنافس في مجال هذا النوع من الاقراض المضمون بقيمة العقار نفسه.

ولكن الانتقال الى قمة السوق، في اسواق العقارات التي تفوق قيمتها المليون دولار كحد ادنى، فان الموقف يختلف قليلا. فكلما زاد المبلغ المطلوب اقتراضه كلما تقلص عدد البنوك المستعدة للاقراض. وفي النهاية قد يتطلب الامر البحث عن وسيط متخصص يعرف الجهة التي تقرض الحد الاقصى بأفضل الشروط.

في بريطانيا ينشط سوق العقارات السوبر عادة في الربع الاول من العام، على عكس اسواق العقار العادية التي تنشط في العادة مع الربيع. والسبب في هذا الوضع بسيط، فشراء هذه العقارات يتم تمويله في العادة من الحوافز المالية التي يحصل عليها العاملون في الاسواق المالية اللندنية في نهاية كل عام. وتوجه هذه الحوافز في اغلبها الى مجال العقار.

ويتوجه المدير المالي الذي يحصل على حوافز مالية قدرها مليون جنيه استرليني الى شراء عقار بقيمة اعلى بكثير من هذا المبلغ، قد تصل الى اربعة ملايين استرليني، مع تمويل الباقي بقرض عقاري. ولدى البحث عن ممول يكتشف المشتري ان عدد البنوك المقرضة يتقلص تدريجيا كلما ارتفع حجم الاقراض المطلوب. ولا يزيد حجم الاقراض في هذا القطاع بأي حال عن نسبة 90 في المائة كحد اقصى من ثمن العقار المطلوب.

خبراء العقار في هذا القطاع من السوق يؤكدون ان معظم المشترين يساهمون بنسب تتراوح بين 20 و30 في المائة من ثمن العقار. ولان حجم القرض كبير فإن المتمرس منهم يبحث عن سعر فائدة اقل من اسعار الفائدة السائدة في السوق. وتتيح بعض الشركات المتخصصة في لندن قروضا في الوقت الحاضر بسعر فائدة لا يزيد عن 3.75 في المائة لقروض اكبر من المليون جنيه استرليني. وهو سعر يقل عن سعر الاقراض الاساسي من بنك انجلترا.

ويضيف خبراء السوق ان سعر الفائدة ليس هو العامل الاهم في هذا القطاع من السوق، فالعاملون في القطاع المالي لا يعتمدون على دخل ثابت، وتتكون اجورهم من مبالغ لا تزيد على 200 الى 300 ألف جنيه سنويا، مع حوافز انجاز هائلة في السنوات المربحة والغاء للحوافز في السنوات الخاسرة. ويريد المشترون في هذا القطاع ان تحتوي القروض المصرفية على عامل مرونة يتيح لهم فرصة دفع نسبة كبيرة من القرض في اوقات معينة والامتناع عن الدفع تماما في اوقات اخرى. وبسبب هذا الوضع لا يقبل العديد منهم على تعاقدات بأسعار ثابتة للفائدة.

البعض من هؤلاء المشترين يبحث في السوق عن العقار المناسب قبل موسم الحوافز، لان هذا الموسم يرفع بالضرورة اسعار العقارالسوبر. وهم لا يكترثون كثيرا بالاقتراض المؤقت لتمويل مقدم الدفع المطلوب من مصادر تمويل اخرى، مثل اختيارات الاسهم او التمويل من الخارج، بحيث يتم السداد فور الحصول على الحافز.

ويبحث المستثمرون من صغار السن عن عقارات سوبر في الضواحي الفاخرة من لندن، بينما يتوجه كبار السن الى المزارع والعقارات الريفية في المقاطعات التي تبعد بين ساعة وثلاث ساعات بالقطار عن العاصمة، وينظرون اليها كاستثمارات تصلح لفترة التقاعد.

وعلى غير المتوقع لا تتوافر الكثير من العقارات السوبر في السوق في الوقت الحاضر على رغم وجود فائض من العقارات العادية بسبب ضعف القوة الشرائية. وتقول احصاءات بنك انجلترا ان نسب تداول العقار البريطاني هذا العام اقل مما كانت عليه في عام 2004 بحوالي 20 في المائة. ولكن في القطاع السوبر تزداد نسبة الطلب هذا العام عما كانت عليه منذ عام واحد بحوالي تسعة في المائة.

ويقول وكيل شراء عقاري في قمة السوق ان المشترين في فئة المليوني جنيه استرليني لا يجدون العقارات المناسبة بهذا المبلغ بين المتاح في السوق، وعندما يعثرون على العقار المناسب يجدون طابورا من المشترين الاثرياء يصطفون امامه. وهو يضيف ان الموقف اصعب في قطاع المليون الى مليوني جنيه استرليني حيث انخفض حجم العقارات التي تعرض للبيع في السوق بنسبة 20 في المائة، وزاد ايضا، ربما بالنسبة نفسها، عدد المشترين في هذا القطاع. ويلجأ العديد من المشترين في القطاع السوبر الى الاستعانة بوكلاء شراء يبحثون باستمرار عن العقار المناسب ويعرضون الشراء على الفور احيانا من قبل عرض العقار في السوق. ولقاء هذه الخدمات يدفع المشتري في العادة نسبة تصل الى15 في المائة فوق سعر السوق، ولكنه يضمن عدم مزاحمة اخرين له في شراء العقار اثناء تدبيره مصادر التمويل اللازمة له.

البائعون في هذا القطاع ايضا يفضلون عدم عرض عقاراتهم في الصحف وعلى صفحات الانترنت للبيع علنا، وهم يمقتون تعليق لافتات «للبيع» على عقاراتهم الارستقراطية، ولذلك فهم يفضلون التعامل مع وكيل شراء عقاري ينهي كل الاجراءات في هدوء، احيانا من دون ان يشعر الجيران في العقار المجاور او يعرفوا ان العقار معروض للبيع.

ولا تنتهي المتاعب في العادة بعد العثور على العقار المناسب وتحديد مصدر التمويل، فهناك العديد من الثغرات التي يمكن ان يكون ثمنها فادحا في هذا القطاع اذا لم ينتبه اليها المقترض. ويعرف المقترضون في هذا القطاع في الغالب الخدع المالية التي يلجأ اليها المقرضون، لانهم يعملون ايضا في مجال الاستثمار ويلجأون احيانا الى الخدع نفسها. ومن هذه الخدع:

> الفائدة السنوية: تحسب البنوك حاليا معدلات الفائدة يوميا، ولكن بعضها ما زال يلجأ الى الحيلة القديمة بحساب الفوائد سنويا. ويعني هذا ان المقترض ينتهي به الامر بدفع فوائد على مبالغ يكون قد سددها بالفعل! ففي بداية العام يكون حجم القرض مليون دولار مثلا ويحسب البنك حجم الفوائد مقدما على مبلغ المليون دولار، ولكن حجم القرض الفعلي يتقلص تدريجيا ويكون في نهاية العام اقل من المليون دولار وفقا للاقساط التي دفعها المقترض، ولكنه يستمر في دفع فوائد على كامل مبلغ المليون دولار حتى اخر يوم في العام! > بعض البنوك تطالب بعمولة لتدبير القرض، كوسيلة لجني المزيد من الارباح. وهذا الاسلوب اخذ في الزيادة في السنوات الاخيرة الى درجة انه بدأ يضر فعلا بالمقترض الذي يقبل على هذا النوع من القروض تحت وهم ان سعر الفائدة اقل منه في بنوك اخرى ولا يعرف انه يدفع تكاليف اكثر بسبب هذا البند غير المرغوب فيه. لذلك لا بد من ادخال اي عمولات لتدبير القرض ضمن تكاليفه قبل المقارنة بتكاليف قروض من بنوك اخرى.

> ربط القروض بالتأمين، وهي حيلة تلجأ اليها البنوك في قطاع العقارات السوبر لان وثائق التأمين على هذه العقارات مكلفة للمقترض وعالية في عمولات البنوك ويمكنها ان تحول اي خسارة في التمويل الى ربح مؤكد من الصفقة الاجمالية. ولا بد من البحث والمقارنة في تكاليف التأمين قبل الاتفاق على ربط القرض بوثيقة تأمين. والافضل في كل الحالات الحصول على القرض من مصدر وعلى التأمين من مصدر اخر.

> غرامة الدفع المبكر للقروض وشروط تعجيزية اخرى. تحاول البنوك ربط المقترض بها لاطول فترة ممكنة، ولهذا فهي تلجأ احيانا الى فرض غرامات باهظة على المقترض اذا دفع مبالغ اضافية من القرض قبل انتهاء مدته، او اذا حاول سداد كل القرض قبل نهاية فترة التعاقد. وتمنع هذه الغرامة احيانا المقترض الاستفادة من عروض خاصة تعرضها البنوك الاخرى. وفي بعض الاحيان تفرض البنوك على المقترض البقاء معها لفترات ثابتة من بداية القرض او التحويل الى نسب فوائد متغيرة بعد نهاية فترة الفائدة الثابتة. وكلما كان المقترض حريصا في عدم الموافقة على شروط تعجيزية كان ذلك افضل له من اجل تحجيم التكاليف من ناحية واكتساب مرونة الحركة من بنك لاخر، من ناحية اخرى.

> تكاليف اقراض اضافية لمن يقترض نسبا اكثر من 90 في المائة من قيمة العقار: هذه الخدعة تلجأ لها البنوك على رغم ان القرض يكون بضمان العقار نفسه. وهنا تتحوط البنوك من متغيرات السوق التي يمكن ان ينخفض فيها سعر العقار باكثر من 10 في المائة مما يعرضها الى خسائر فيما لو امتنع المقترض عن الدفع واعاد اليها العقار الذي تقل قيمته عن قيمة القرض. ولكن هذه المخاطر غير واردة في هذا القطاع من السوق نظرا لارتفاع الاسعار فيه باستمرار ولان المشترين فيه ليسوا من النوع الذي يسلم عقاره لفشله في سداد الاقساط.

* تقديم حوافز للمقترضين الجدد فقط: وهي حيلة ما زالت تعتبر قانونية ويلجأ اليها العديد من البنوك لزيادة حصتها من السوق. فهي تقدم حوافز وتخفيضات وفترات سماح وعروضا مغرية ولكن للمقترضين الجدد فقط. اما المقترض القديم فهي تهمله لانه مكبل بالشروط السابقة التي يجد معها صعوبة في انهاء تعامله مع البنك. هذه السياسة ليست في صالح البنوك على المدى البعيد لان الاهتمام بالعميل الملتزم بالبنك افضل للبنك تسويقيا من اهماله وتوجيه الاهتمام الى عملاء اخرين.

ويقدم هذ القطاع من السوق العديد من الدروس المستفادة لشركات العقار العربية وايضا للبنوك: فى القطاع الفاخر لا بد اولا من العثور على العميل المناسب قبل الاستثمار في مشروعات عقارية باهظة قد لا تكون مناسبة. وافضل وسيلة للتعرف على السوق هي باجراء دراسات جدوى وسؤال الفئة التي يمكن ان تقبل على العقارات السوبر. ويحتاج هذا القطاع لنوعية متفوقة من الخدمات. من ناحية اخرى لا بد للبنوك ان تهتم بعميلها الكبير وان تقدم له بعض الولاء بدلا من اهماله والبحث عن اخرين جدد تقدم لهم الحوافز بالجملة من اجل توسيع حصتها من السوق.