مصر: بين ا لخشب والبورسلين والسيراميك.. صراع على رهان أرضيات المنازل

خبراء: فرص واعدة للاستثمار في قطاع الأرضيات بجميع أنواعها

TT

نجحت حركة العمران التي تشهدها مصر حاليا في المحافظة على معدلات النمو التي حققتها صناعات السيراميك والباركيه خلال السنوات الماضية، واستطاع المد العمراني والمتمثل في بناء مدن جديدة وقرى ومنتجعات سياحية والتوسع في بناء القصور والفيلات من توفير سوق محلي قادر على استيعاب إنتاج هذه الصناعة، فضلا عن نجاح صناعة السيراميك المصرية في اختراق الأسواق الأجنبية والعربية بصادرات تتجاوز حاليا 20 في المائة من إجمالي الإنتاج. وإذا كانت صناعة السيراميك استطاعت ان تحافظ على معدلات نموها بفضل استمرار الحكومة في بناء المدن الجديدة، واستمرار حركة البناء بشكل عام، فإن صناعة الباركيه، تعاني من تراجع في معدلات نموها، نظرا لانحسار النشاط العقاري بشكل عام، والإسكان الفاخر بشكل خاص.

وتعتبر صناعة السيراميك من الصناعات القليلة في مصر التي استطاعت أن تحقق نجاحات ملموسة على المستويين المحلي والعالمي، فقد بدأ الإنتاج في أواخر الخمسينات باستثمارات عامة ودعم متواضع من المستثمرين المحليين في القطاع الخاص، الذين كانوا في الأصل مستوردين أو تجار سيراميك، وقد جذبهم النمو السريع للسوق الداخلي والمستويات العالية للربحية، وتوفر قدر من المواد الخام إلى اقتحام هذه الصناعة، ونتيجة لدخول صناعة السيراميك منافسة حقيقية مع المنتجات المستوردة بسبب رفع الحماية عنها تماما في عام 1985، فقد تحولت مصر من مستورد صاف إلى مصدّر وحققت وجودا معقولا في الأسواق الدولية.

يبلغ عدد الشركات المنتجة للسيراميك بمختلف نوعياته حوالي 17 شركة، كلها قطاع خاص تتجاوز استثماراتها 3 مليارات جنيه، بعد أن خرجت الدولة من هذا القطاع تماما في أواخر التسعينات ويبلغ حجم إنتاجها 150 مليون م2 سنويا بقيمة إجمالية قدرها 275 مليون دولار في عام 2004، وهو ما يمثل حوالي 0.36% من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد المصري، وبلغ حجم صادرات السيراميك حوالي 60 مليون دولار أي 20 في المائة من إجمالي إنتاج القطاع، و0.35 في المائة من إجمالي الصادرات المصرية، ويعمل بهذه الصناعة حوالي 35 ألف عامل بما يمثل 0.5 في المائة من إجمالي القوة العاملة في مصر.

وتقول دراسة صناعة السيراميك في مصر أعدها القائمون على برنامج تحديث الصناعة، ان مقارنة الإنتاج المصري من السيراميك بالدول الأخرى، تؤكد استخدام تكنولوجيا عالية في الإنتاج وإن كانت التكنولوجيا المهيمنة في مصانع السيراميك المصرية لا تركز كليا على خفض التكلفة، وأن استخدام وسائل تكنولوجيا الإنتاج لا يمثل أولوية لدى المصنعين المصريين لخفض تكلفة الإنتاج، وإن كانوا يحققون ذلك من خلال الدمج بين التكنولوجيا الحديثة والقديمة، ورغم ذلك تؤكد الدراسة ان أسعار السيراميك المصرية هي الأقل في المنطقة العربية والشرق الأوسط ـ حوالي 3 دولارات للمتر المربع ـ وهو أمر يؤثر على أرباح المصنعين المصريين، لكنه في نفس الوقت يحمي السوق المحلي من المنافسين الحاليين والمحتملين وعلى المدى المتوسط يمكن أن يكون أساسا لدخول أسواق الدول الغنية من خلال قطاعات سعر التكلفة الأقل.

وتقول الدراسة مقارنة بدول مثل تركيا والبرازيل والإمارات نجد أن مصر تساهم بأقل نسبة تصدير، وتؤكد أن دخول الأسواق الأجنبية هو أحد المشكلات الخطيرة بالنسبة للقطاع، حيث لم يضع المصنعون المحليون نصب أعينهم استراتيجية واضحة ومحكمة للتصدير، فالمبيعات ذات الجودة المنخفضة هي الأمر الشائع إلى جانب غياب رابطة قوية مع التجار الدوليين، بالإضافة إلى عدم وجود اتجاه محدد نحو سوق التجزئة أو القنوات الأخرى. وتتوقع الدراسة أن تحقق صناعة السيراميك في مصر نموا كبيرا خلال السنوات القادمة، في ظل توفر طاقات إنتاجية واعدة وتكنولوجيا جيدة ووفرة المواهب والمهارات المنتشرة في هذا القطاع إلا أن ذلك لن يتحقق بدون فتح آفاق جديدة للتصدير، لان المنتج المصري لم يحقق نتائج إيجابية في هذا المجال نظرا لعدم قدرة الإنتاج المحلي على تحقيق الجودة والقيمة في أسواق الدول المتقدمة، كما أدت حماية السوق الداخلي لفترة طويلة وما له من اثار سلبية على قدرة المنافسة وسرعة الاندماج في السوق العالمي إلى اتجاه المصنعين إلى التركيز على السوق المحلي، واصبح توجه الاستثمارات الجديدة واستراتيجيات النمو تركز في الأساس على تنمية السوق المحلي لتحقيق اقتصاديات الحجم Economy of scale، وشددت الدراسة على ضرورة نظر المنتجين في مصر إلى الأسواق الخارجية باعتبارها موردا دائما للتمويل وليس منفذ بيع فقط للإنتاج المتبقي أو مصدرا للعملة الأجنبية لتوفير شراء المواد الخام.

ويقول محمد أبو العينين، رئيس الشعبة العامة للمستثمرين باتحاد الغرف التجارية ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات سيراميكا كليوباترا، إن الانطلاقة الكبيرة التي شهدتها حركة العمران في مصر خلال السنوات الماضية، والتي تمثلت في بناء مدن جديدة وقرى ومنتجعات سياحية، فضلا عن النهضة الصناعية، وبناء الآلاف من المصانع والوحدات الإنتاجية أدى إلى أحداث طلب غير مسبوق على مواد البناء وعلى رأسها السيراميك بكافة أنواعه ومستوياته.

أضاف أن صناعة السيراميك شهدت تطورا رهيبا في الفترة الأخيرة من حيث الجودة والقيمة ومواكبة تكنولوجيا صناعة السيراميك في العالم واستطاعت هذه الصناعة توفير كافة أصناف ونوعيات السيراميك التي تناسب كل فئات المجتمع بداية من الإسكان الشعبي، مرورا بالإسكان المتوسط وفوق المتوسط والفاخر، وصولا إلى المنتجعات والقرى السياحية وأخيرا الفلل والقصور، هذا فضلا عن توفير كافة احتياجات المصانع والمستشفيات والنوادي وغيرها. وقال ان المصنعين المصريين نجحوا في توفير كافة أنواع السيراميك في ثلاثة مستويات مختلفة ـ فرز أول وفرز ثان وفرز ثالث ـ وهو الأمر الذي حول مصر من دولة مستوردة للسيراميك إلى دولة مصدرة، فضلا عن نجاح الصناعة المصرية في منافسة المنتجات الأجنبية من حيث الجودة والسعر للدرجة التي منعت تماما دخول السيراميك المستورد إلى مصر. وقال ان العلاقة بين حركة العمران والطلب على السيراميك علاقة طردية وبالتالي إذا تأثرت حركة النمو العمراني فلا بد أن ينعكس ذلك على معدلات نمو صناعة السيراميك، وهو ما حدث بالفعل أثناء فترات الركود العقاري وأزمة شركات المقاولات في أواخر التسعينات وأوائل الألفية الثالثة، إلا أنه يؤكد أن الأسواق الخارجية للمنتج المصري من السيراميك تستطيع تعويض فترات الركود العقاري واستيعاب الإنتاج ومن ثم المحافظة على ثبات معدلات النمو المتزايدة في صناعة السيراميك.

وحول الفرص الاستثمارية المتاحة في السوق المصري، قال نحن نرحب بأي استثمارات جديدة في مجال صناعة السيراميك، مشيرا إلى ان مقاطعة واحدة في إيطاليا بها اكثر من 260 إلى 300 مصنع للسيراميك، وعدد الشركات العاملة في مصر لا يزيد على 17 شركة. وأضاف أن قطاع السيراميك يتحمل إنشاء عشرات المصانع المتخصصة في إنتاج نوعية معينة من السيراميك، فضلا عن الحاجة إلى إنشاء العديد من الصناعات المغذية، وقال ان المجال مفتوح للاستثمار في صناعة السيراميك بشرط أن تكون دراسات الجدوى مبنية على تصدير ما لا يقل عن 90 في المائة من الإنتاج.

محمد عطية، رئيس الشركة المصرية للخزف والصيني، أكد أن سمعة الإنتاج المصري من السيراميك أصبحت معروفة في العديد من دول العالم، لذلك يتم تصدير أكثر من 20 في المائة من جملة الإنتاج المحلي. وأضاف أن النمو العمراني الذي شهدته مصر خلال العقدين الأخيرين كان له الفضل في محافظة صناعة السيراميك على معدلات نمو متزايدة، وقال ان ارتفاع أسعار الاسمنت بشكل كبير خلال العامين الماضيين، أدى إلى تقارب أسعار البلاط العادي من أسعار السيراميك، الأمر الذي صب في النهاية في صالح الصناعة لتفضيل المستهلكين استخدام السيراميك كأرضيات وبديل أشيك وأرقى من البلاط العادي.

ويؤكد أن رفع الحماية عن صناعة السيراميك مبكرا أدى الى تدعيمها وإكسابها القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية، مشيرا إلى انه تم تحرير صناعة السيراميك تماما في عام 1985، وقال ان آفاق الاستثمار مفتوحة، خصوصا أن مصر في حاجة إلى استكمال كل دوائر الإنتاج في هذه الصناعة، مشيرا الى ان هناك حاجة ماسة لإقامة استثمارات لإنتاج المعدات الرأسمالية كما يمكن الاستثمار في مجال تجهيز الخامات، مؤكدا أن ذلك من شأنه أن يؤدي الى تخفيض تكاليف الإنتاج ورفع مستوى الجودة.

وقال ان مصر تتمتع بميزات تنافسية كثيرة في هذه الصناعة مثل توارد المواد الخام والعمالة المدربة الرخيصة فضلا عن انخفاض أسعار الطاقة في مصر مقارنة بغيرها من الدول المنافسة، واختتم كلامه بالقول: ما دام هناك تصدير فالمجال مفتوح لتقبل استثمارات جديدة.

وإذا كان المد العمراني قد ساهم في نمو صناعة الباركيه خلال السنوات الماضية، إلا أن الركود العقاري الذي شهدته مصر أخيرا، خصوصا في مجال الإسكان الفاخر قد أدى إلى تراجع معدلات النمو بها، حيث انخفض حجم إنتاج وتركيب الأرضيات الخشبية من 100 ألف متر مربع عام 2000 إلى نحو 50 الف متر عام 2005 المعروف ـ كما يقول محمود الشاذلي، أحد أكبر منتجي الأرضيات الخشبية في مصر ـ ان الباركيه ثلاثة أنواع، أجودها وأغلاها باركيه «المسمار»، يليه باركيه «لصق الدكش»، كما يوجد نوع ثالث وهو الباركيه الصناعي Vynil، ويضيف ان الأرضيات الخشبية بجميع أنواعها تستخدم في الإسكان فوق المتوسط والفاخر، وذلك لتكلفتها المرتفعة نسبيا مقارنة بباقي الأرضيات، وتتراوح تكلفة الأرضيات الخشبية ما بين 3 ـ 10 أضعاف تكلفة نظيرتها من السيراميك والبورسلين والرخام على حسب نوع وجودة الخامات المصنوعة منها الباركيه.

وأضاف: نتيجة لتراجع معدلات النمو في النشاط العقاري، خصوصا الإسكان الفاخر، فقد انخفض حجم إنتاج وتركيب الأرضيات الخشبية من نحو 100 ألف متر مربع عام 2000 إلى 50 ألف متر هذا العام بنسبة تراجع تصل إلى 50 في المائة.