تمنصورت المغربية الجديدة تجتذب الحركة التجارية قرب مراكش

المشروع رد الاعتبار لهندسة المدن العتيقة بمنظور معاصر

TT

تشكل مدينة تمنصورت التي يجري إنشاؤها شمال مدينة مراكش تجربة فريدة في مجال التعمير في المغرب المعاصر. فلأول مرة مند استقلال المغرب يتم إنشاء مدينة جديدة على أرض فارغة غير مرتبطة مباشرة بمركز حضري موجود.

فالتجارب الثلاث لبناء مدن جديدة التي عرفها المغرب خلال الخمسين عاما الماضية: إعادة بناء مدينة أغادير بعد الزلزال في بداية الستينات، وتشييد مدينة سلا الجديدة خلال التسعينات، وبناء حي الرياض الذي يعادل بناء مدينة صغيرة جنوب الرباط، كلها شكلت امتدادات لمجالات حضرية موجودة، فيما تتميز تمنصورت بكونها فعليا بداية من الصفر.

واعتبارا لهذه الخاصية فإن تمنصورت تشكل تجربة نموذجية بالنسبة للبرنامج المغربي لبناء المدن الجديدة والمدن الفلكية، والذي يهدف إلى إطلاق بناء مدينة جديدة كل سنة في أفق 2020 بهدف تخفيف الضغط عن المدن الكبرى. ويعتبر مشروع مدينة تمنصورت، الذي يتم إنجازه في إطار شراكة بين الدولة والقطاع الخاص، مختبرا عمرانيا لتجريب أفكار وأنماط معمارية وأساليب بناء وتقنيات جديدة ومتنوعة، إضافة إلى أساليب تدبير المدن وتسيير مرافقها وتجهيزاتها المختلفة.

وتقع المدينة الجديدة في منطقة حربيل المنبسطة والتي تصل مساحتها الإجمالية إلى 28 ألف هكتار، والتي لا تكتسي أراضيها أية أهمية زراعية. وكانت إجراءات نزع ملكية الأرض من طرف الدولة قد انطلقت في سنة 1988. غير أن تعرض وزارة الداخلية وممثلي بعض المجموعات الإثنية، بالإضافة إلى مطالبة الجيش بحصة من الأرض، أدى إلى تجميد تلك الإجراءات لعدة سنوات. وفي سنة 2003 مع توفر الإرادة السياسية وعزم الحكومة في المضي قدما في سياسة إنشاء المدن الجديدة، تم التوصل إلى اتفاق بين كل الأطراف وسحب كل الاعتراضات التي تواجه إتمام إجراءات نزع الملكية. وخلال سنة 2004 تم تسجيل بقعة بمساحة 1198 هكتار كملك خاص للدولة، والتي تم رصدها لتحقيق مشروع إنشاء مدينة جديدة، أطلق عليها العاهل المغربي محمد السادس اسم «تمنصورت». وتم صرف تعويضات إجمالية بلغت 209 ملايين درهم (23 مليون دولار) لفائدة ذوي الحقوق، منها 59 مليون درهم مقابل ملكية الأرض لفائدة الدولة والجماعات الإثنية، و150 مليون درهم لتعويض 700 أسرة كانت تعيش في قريتين صغيرتين بالموقع. وشكلت سنة 2005 سنة انطلاق أشغال التهيئة وإنجاز التجهيزات والبنيات الاساسية وإطلاق مشاريع نمودجية، فيما ستشكل سنة 2006 سنة البناء وخروج المدينة الجديدة للوجود، حيث يرتقب أن يتم تسليم الدفعة الأولى من المساكن خلال شهر يوليو 2006. وعرفت المدينة إقبالا كبيرا من طرف المواطنين، فما أن أعلن انطلاق عملية تسويق شقق وفلل الشطر الأول في منتصف 2005 حتى اكتظت مكاتب «المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء لمنطقة مراكش تانسيفت». وبلغ عدد طلبات الشراء التي توصلت بها المؤسسة 120 ألف طلب، فيما لا يتجاوز عدد الوحدات السكنية المعروضة 58 ألف سكن. وأعطيت الأولوية في الاستفادة للمتزوجين حديثا شريطة أن لا يكونوا ملاكين في مدينة مراكش ولم يسبق لهم أن استفادوا من البرامج السكنية للدولة. وتم خلال هذه الفترة بيع 5082 وحدة سكنية بقيمة 190 مليون درهم. ولتسريع الإنجاز فتحت الدولة فرصة المساهمة أمام شركات القطاع الخاص في إطار تعاقد مع الحكومة على أساس التزامات محددة من حيث شروط الكافة والجودة. وفي إطار هذه الاتفاقيات التي وقعت في ديسمبر (كانون الاول) 2005 تم تفويت مساحة 170 هكتارا لمنعشين عقاريين كبار بسعر متوسط 250 درهما للمتر المربع (28 دولار للمتر المربع) وذلك لإقامة 31 ألف وحدة سكنية. وستشرع هذه الشركات في البناء خلال النصف الأول من سنة 2006. كما فتح المجال أمام منعشين صغار ومتوسطين من القطاع الخاص للمساهمة في المشروع من خلال تفويت 25 قطعة لبناء 1330 وحدة سكنية.

وتقع المدينة الجديدة على شريط بين وادي القصب ووادي بوزمور تخترقها من الوسط الطريق الرئيسية الرابطة بين مدينتي مراكش وأزمور. وتتضمن المدينة الجديدة مزيجا من الأنماط المعمارية، عمارات سكنية، مجموعات سكنية مغربية تقليدية، فلل، أسواق ومتنزهات. وتم تخصيص مساحة إجمالية قدرها 200 هكتار للتشجير، حيث سيتم غرس نحو 100 ألف شجرة بالمدينة بينها 20 ألف نخلة. وبالإضافة إلى تخصيص حيز كبير من المدينة للسكن الاقتصادي، شكلت تمنصورت فرصة لإطلاق منتوجات عقارية جديدة موجهة للطبقة الوسطى، خاصة منتوج الفلل الاقتصادية الذي صادف نجاحا كبيرا إذ تمكنت «المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء لمنطقة مراكش تانسيفت» من تسويق 700 فيلا اقتصادية مبرمجة ضمن الشطر الأول من المشروع في بضعة أيام. وقد شجع هذا النجاح الدولة على إطلاق مشاريع مماثلة في مدن مغربية مختلفة، وتم التعاقد بين الحكومة وشركات القطاع الخاص خلال شهر ديسمبر (كانون الاول) من سنة 2005 على إنجاز نحو 9500 فيلا اقتصادية في مدن مختلفة. ويجسد هذا المنتوج الجديد توجه الدولة المغربية إلى إيجاد منتوج سكني خاص بأفراد الطبقة الوسطى والذين أصبحوا يزاحمون الطبقات الضعيفة من المجتمع في مشاريع السكن الاقتصادي. وفي قلب مدينة تمنصورت سيتم إنشاء حي على نمط المدن العتيقة المغربية، بأسوارها وأبوابها ودكاكينها، ولكن بمنظور عصري. فالمدينة العتيقة لتمنصوورت ستكون مهيأة في شكل أحياء صغيرة تضم نحو 15 إلى 20 منزلا مغربيا تقليديا، بباحاتها المفتوحة على السماء ومميزاته المعمارية الخاصة. وبدل الأزقة الضيقة للمدن العتيقة التقليدية فإن أحياء المدينة العتيقة لتمنصورت ستتمحور حول ساحة مشتركة تتوسطها حديقة، بحيث أن كل حي، بمدخله الخاص وحديقته، يشكل «رياضا» بكل معنى الكلمة. وحول المدينة العتيقة سور رمزي، مكون من الجدار الخلفي لبنايات يتم استغلال طوابقها السفلية كأسواق والطابق الأول لبناء بيوت على النمط المغربي التقليدي. ويلعب السور دورا دفاعيا من خلال حماية المدينة من صخب السيارات ووسائل النقل الحديثة، التي يمنع ولوجها للمدينة العتيقة المخصصة للراجلين فقط، وتقع مرابد السيارات خارج السور، وقريبا من أبواب المدينة. وفي الزوايا الأربعة لسور المدينة سيتم تشييد عمارات سكنية في شكل أبراج مخروطية، تضم شققا اقتصادية صغيرة تتراوح مساحتها بين 40 و50 مترا مربعا.

وبالموازاة مع إنشاء المدينة سيتم إنشاء خمسة مناطق صناعية وسياحية في مواقع قريبة، ضمنها منطقة متخصصة في تقنيات المعلومات والخدمات عن بعد (الاوفشورينج)، والتي ستشكل، بالإضافة إلى الفضاءات المخصصة داخل المدينة للأنشطة التجارية والصناعية الخفيفة والصناعات التقليدية، العمود الفقري لاقتصاد مدينة تمنصورت.

كما ستضم مدينة تمنصورت مستشفى جهويا كبيرا، ومنشآت رياضية وترفيهية، وملحقة لجامعة القاضي عياض بمراكش.