القصور الريفية أسرع العقارات صعودا استثماريا في بريطانيا

TT

حلم هجرة المدينة المزدحمة والذهاب الى الريف الهادئ يداعب ملايين العاملين في المدن في كل مستويات التوظيف. وفي السنوات العشر الاخيرة حقق 2.3 مليون بريطاني هذا الحلم وانتقلوا للمعيشة الريفية سواء للتقاعد او للعمل عبر وسائل الاتصال الحديثة التي لا تحتم الذهاب الى المكاتب. هذا العدد الهائل خلق اقبالا متزايدا على العقارات الريفية التي اضحت تضارع عقارات المدن في الاسعار بل ان فئة القصور التي تحيط بها بعض الاراضي الزراعية اصبحت الان نادرة ومن اشد قطاعات السوق نموا استثماريا.

واذا كانت هذه التطورات متوقعة نظرا لجاذبية الحياة الريفية، فإن تزايد الطلب في السنوات الاخيرة افرز ظاهرة لم تكن منتشرة من قبل، وهي شراء العقارات الريفية، بما فيها القصور، وتحديثها بغرض الاقامة فيها او بيعها استثماريا. ويدخل البعض هذه المغامرة كنوع من التحدي لبناء عقارات جذابة من بقايا مباني قديمة كانت في طريقها الى الازالة. ويحاول هؤلاء قدر المستطاع الحفاظ على الملامح التقليدية للعقارات القديمة للاحتفاظ بأكبر قيمة لها.

قسم الابحاث في شركة نايت فرانك العقارية يؤكد ان قطاع القصور الريفية هو الاسرع نموا استثماريا في الوقت الحاضر، خصوصا العقارات التي تباع بأراض حولها، وان العقارات في هذا القطاع تباع في العادة بأسلوب المزادات بعروض مغلقة نظرا لارتفاع الطلب وندرة العرض. هذه المزادات يتقدم فيها المشترون بعروض في مظاريف مغلقة يقدم كل منهم السعر الذي يرغب في دفعه لشراء العقار المعروض، ويرسو العطاء على اعلى سعر. ويتبلور الان اتجاه عقاري جديد بين العديد من المستثمرين العقاريين، ونسبة كبيرة منهم من الشباب، للاستثمار في تجديد العقارات الريفية المهدمة. وهم يقبلون في ذلك على مخاطر كثيرة اولها التضحية باسلوب حياتهم العصرية في المدن وبذل الكثير من الجهد والمال في عقارات تبدو للوهلة الاولى وكأنها لا تصلح الا للازالة. كما ان البعض منهم يرتبط بميزانيات محدودة يمكن ان تنفذ قبل اتمام عمليات الترميم والتجديد وبذلك تكون الخسائر مضاعفة في حالة الفشل في تدبير التمويل الاضافي اللازم لانهاء هذه المشاريع. فهم يكونوا قد غادروا المدن وفشلوا في الريف.

هذا التوجه دفع الاعلام ايضا للاهتمام بهذه الظاهرة ببرامج تلفزيونية تتابع جهود بعض المستثمرين الذين اقبلوا على المغامرة لتجديد العقارات الريفية. وتتابع بعض البرامج البريطانية حاليا جهود 12 اسرة هجرت المدن وراء حلم ترميم قصر ريفي. ومما يساعد على الاقبال على هذه المغامرات الاستثمارية ارتفاع اسعار العقارات في المدن، الامر الذي يتيح سيولة يمكن استخدامها في شراء العقارات الريفية القديمة ببعض الثمن واستخدام الفائض في ترميمها واصلاحها.

مخاطر كبيرة: ويحث الخبراء المستثمرين الجدد الذين يقبلون على هذا النوع من الاستثمار الجديد على توخي الحرص في تقدير التكلفة التي تزيد في معظم الاحوال عن التقديرات الاولية. وهم يؤكدون ان المخاطر الكبيرة التي يقبل عليها المستثمر تقابلها ايضا فوائد جمة لمن يقدم على المغامرة ويكملها.

هناك ايضا الكثير من المشاكل الخفية التي لا يراها المستثمر عند اتمام عملية الشراء، مثل انهيار المجاري تحت ارضية العقارات العتيقة وانتشار الرطوبة في الارجاء واحيانا فساد الاساسات الخرسانية او عطب الواح اخشاب السقف التي يتعين تغييرها بالكامل احيانا. ويزيد من صعوبة الموقف ان بعض هؤلاء المستثمرين يشرفون على هذه العمليات من دون خبرة سابقة باعمال البناء والترميم. ويروي الخبراء حالات لمستثمرين فقدوا اموالهم ويأسوا من مشاريع الاصلاح وهجروها قبل اتمامها، كما ان اخرين نفدت اموالهم قبل انتهاء الترميم الامر الذي ترتب عليه اعادة بيع العقارات الريفية بالمزاد مرة اخرى.

أسرار النجاح: اما الناجحون في هذا النوع من الاستثمار العقاري غير العادي، فهم يشتركون معا في عدة صفات منها الوقوع في غرام العقارات القديمة والاقبال على ترميمها من باب استعادة جمالها التاريخي وليس فقط من باب الاستثمار. كما ان الكثيرين منهم عبّر عن رغبة صادقة في المعيشة في هذه العقارات التي لا يرضون عنها بديلا ويبدون استعدادا للتضحية بمغريات الحياة الحديثة من اجل الاقامة في عقاراتهم العتيقة. وهذا الدافع يمنحهم الكثير من القوة والعزيمة للبقاء في المشاريع حتى نهايتها مهما كانت التضحيات. وفي بعض الحالات كانت العقارات هي الشاغل المسيطر على حياة من اشتروها وليس العكس.

وتؤكد احصاءات شركة نايت فرانك ان تيار الهجرة نحو الريف في ارتفاع مستمر، وان متوسط عدد المهاجرين عكسيا من المدن الى الريف يصل الى 260 ألفا سنويا، منهم نسبة 5 في المائة تقبل على مشروعات ترميم عقارات ريفية عريقة. ولا يحد من إنتشار هذا التيار سوى عدم وجود عقارات كافية لارضاء رغبات النازحين الى الريف. نصائح تحديث العقارات: وتقدم الشركة نصائحها لهؤلاء الراغبين في الاقبال على هذا النوع من الاستثمار، من حيث المزايا والمخاطر:

* ترميم العقارات له مزايا عديدة من بينها امكانية تصميم البيت المثالي الذي يوافق رغبة المشتري وليس التأقلم على التصميم والاضافات التي ادخلها مشترٍ سابق على العقار.

* لا بد من اجراء حساب التكلفة بطريقة صحيحة مع وضع احتمالات زيادة التكلفة عن التقديرات الاصلية لان هذا هو ما يحدث في العادة.

* لا بد من اجراء مسح عقاري شامل قبل الشراء لكشف اي مشاكل مكلفة مثل الرطوبة في الاساسات او الانهيار تحت الارضي، كما يجب التأكد من المجلس المحلي عن وضع العقار تاريخيا حيث العقارات التي تدخل ضمن اطار التراث لا بد من اصلاحها باساليب معينة مما يضاعف من التكاليف.

* لا بد من الكشف عن خبايا الموقع الجغرافي من حيث وقوعه قريبا من الطرق الرئيسية حيث نسب الازعاج عالية او بالقرب من المطارات او خطوط الضغط العالي. فهذه العوامل تؤثر سلبيا على قيمة العقار وجاذبيته بعد اتمام مشروع الترميم.

* الانتقال من المدن الى القرى يعتبر خطوة جذرية لا بد من دراستها جيدا. ومن ضمن اساسيات المعيشة الريفية ضرورة وجود الخدمات، ولا بد من التأكد من وجود المدارس والمنافذ التجارية والخدمات الاخرى قبل البدء في المشروع.

* من اجل اكتمال روح المغامرة، لا يجب انتظار ظهور العقارات المناسبة للترميم. فيمكن مثلا القيادة في المناطق التي يفضل المستثمر الانتقال اليها او الاستثمار فيها وسؤال مالكي العقارات هناك عن امكانيات البيع.

* لا يجب ان يتسرع المستثمر في عملية الشراء لاول عقار مهدم يقابله. لا بد من البقاء قليلا في المنطقة والتأكد من انها تناسب احتياجاته، وان الثمن المعروض مناسب وكذلك تكاليف الترميم والاصلاح. عليه ايضا ان يتذكر ان الانتقال للاقامة في الريف قد ينعكس سلبيا على نسبة الدخل التي قد تتراجع. ولا بد من التعقل حتى ولو كان العقار قد استولى على قلبه. حساب التكلفة النهائي يجب مراجعته واضافة 25 في المائة عليه للتكاليف غير المحسوبة.

* لا بد من التفكير جيدا قبل الانتقال للسكن في العقار اثناء ترميمه لان ذلك يؤدي الى الكثير من الاحباط والمشاكل العائلية.

* لابد من استشارة مهندس عقاري لرسم تصميم العقار على اساس علمية ومواصفات دقيقة لان ذلك من شأنه خفض التكاليف واضافة قيمة للعقار فيما بعد.

* لا بد من الحرص في استخدام شركات مقاولات العقار ولا بد من الحصول على تكاليف مكتوبة ومفصلة وسؤال هذه الشركات عن سجلها في مثل هذه العمليات وزيارة عدد من زبائنها السابقين للتأكد من نزاهتها والتزامها بوعودها.

* لا بد من وضع جدول زمني لعملية الترميم وحساب تكلفة كل مرحلة، مع اعتبار وجود ميزانية طوارئ للتكاليف غير المتوقعة. ولا يجب استخدام اي عامل بناء على اساس الاجر اليومي وانما بتكاليف محددة للمهمة الواجب انجازها.

المستثمر العربي: قد يكون من الصعب على المستثمر العربي دخول هذا النوع من الاستثمار من بدايته، او المعيشة في قصر قديم لم يكتمل ترميمه، ولكن الفرص المتاحة له تتعدد بين المشروعات التي يضطر اصحابها الي بيعها قبل ان تكتمل لنفاد ميزانية الترميم، ام المشروعات التي اكتملت ويرغب اصحابها في بيعها لانها تزيد عن حاجاتهم الفعلية.

من بين الفرص المتاحة حاليا قلعة اسكوتلندية في منطقة بالينكريف تبعد عن مطار ادنبره 40 دقيقة وتتكون من خمسة طوابق. هذه القلعة بنيت في عام 1507 ثم تهدمت الى درجة صدور قرار ازالة رسمي لها قبل ان ينقذها مستثمر بريطاني بشرائها واعادة ترميمها بالكامل. وهي حاليا معروضة للبيع بمبلغ 975 الف جنيه استرليني، لان المستثمر لا يمتلك المال اللازم لتجهيزها بالمفروشات والاثاث التاريخي المناسب لها لاستخدامها في المناسبات السياحية.

وهناك العشرات من الفرص المماثلة التي يمكن استغلالها تجاريا في الاقامة او تحويلها الى فنادق ومنتجعات او تخصيصها للمناسبات التجارية والدعائية. وبدلا من اتباع الطريق الشاق من الترميم وحتى الاستثمار يمكن اختصار المشاق والشراء في مرحلة ما قبل اكتمال الترميم، او بعده مباشرة واضافة ابعاد استثمارية جديدة على العقارات التاريخية. وهو استثمار عقاري رابح في كل الاحوال، ومجز ايضا عند البيع. وقد قال بعض الذين اقبلوا على التجربة انها افضل شيء انجزوه في حياتهم.