عندما تصبح مسابقات التصميم المعماري قارية قبل أن تكون هندسية

من وحي مدينة المستقبل التي ستقيمها «المقاولون العرب»

TT

اعتادت المكاتب الاستشارية على دخول المسابقات التي تقيمها الهيئات والمنظمات المختلفة لإقامة مبنى أو هيئة حكومية أو مزار تاريخي سواء على المستوى المحلي أو طرح المسابقة على المستوى الدولي مثلما حدث في بناء مكتبة الإسكندرية، والمتحف المصري الجديد، والمحكمة الدستورية العليا، أو مبنى وزارة الاستثمار، وغيرها من الأبنية والمسابقات المعمارية. الا ان المسابقة التي أعلنت عنها شركة «المقاولون العرب» منذ عدة أشهر وطرحتها على المستوى المحلي والعربي والدولي، تعدت مجرد بناء مبنى حكومي أو مجموعة مبان تاريخية أو سكنية إلى مسابقة لتخطيط مدينة سكنية بأكملها وتنميتها، ووضع الأسس الاستشارية والاقتصادية للترويج لها، بالإضافة الى بناء مراكز جذب لهذه المدينة الجديدة وخلق شخصية منفردة لها بما أنها حملت اسم «مدينة المستقبل» التي ستقام على مساحة 11 ألف فدان شرق القاهرة.

واشترطت كراسة الشروط للمسابقة، تقديم افكار ابتكارية جديدة لهذا المشروع العقاري الضخم، تبتعد عن الأسلوب النمطي في بناء المجتمعات العمرانية الجديدة التي بدأت تنتشر في مصر وتقدم تخطيطاً اقتصادياً وترويجياً لمراحل المشروع، بالإضافة إلى عرض مالي وسابقة خبرة جيدة.

وطرحت المسابقة خلال النصف الثاني من العام الماضي وجذبت أنظار عدد كبير من المكاتب الاستشارية التي تقدمت لسحب كراسة الشروط، حيث اشتركت 14 شركة من بينهم 4 شركات عربية سعودية وإماراتية ومصرية، ثم تقدمت بمشروعاتها وأفكارها لتنفيذ مدينة «المستقبل».

وأعلنت شركة المقاولون العرب الأسبوع الماضي نتيجة المسابقة، وفجرت المفاجأة بحجب الجائزة الأولى للمسابقة وقيمتها 70 ألف دولار، ومنح جائزتين تعادل كل منهما قيمة الجائزة الثانية وقيمتها 50 ألف دولار لكل من الدكتور علي الصاوي والمهندس احمد عبد الحميد، والدكتور محمد مدحت درة عن شركة سبيسي للاستشارات الهندسية. كما منحت الجائزة الثالثة وقيمتها 30 ألف دولار مناصفة بين المكتب الهندسي للعمارة والتخطيط آرك بلان برئاسة محمد أيمن عاشور، وكونسبت للعمارة والتخطيط بقيادة حسن الزملي. كما تم منح جائزتين تشجيعيتين قيمة كل منهما 10 آلاف دولار لكل من مكتب نبيل القاضي للاستشارات الهندسية التابع لشركة العمارة الخليجية بالاشتراك مع مكتب جماعة تصميم المجتمعات Scale، وسعود كونسلت عن مكتب الخدمات الاستشارية السعودي.

وأوضحت شركة المقاولون العرب أن سبب حجب الجائزة الأولى هو عدم وجود تخطيط ملهم جديد، بالإضافة إلى تميز بقية الأفكار بشكل أوجد صعوبة على لجنة التقييم في اختيار الفائزين.

وفجرت الشركة المفاجأة الثانية بإعلانها عن عدم تنفيذ التصميمات الفائزة بالمركز الثاني في المسابقة والذي يعد الأول عند التنفيذ بل دمج كافة الأفكار الفائزة في تنفيذ مخطط مدينة المستقبل واستغلال كافة الأفكار والتصميمات وأسلوب التخطيط في بناء المدينة الجديدة.

البداية: المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب، يؤكد ان الأمر بدأ بحصول الشركة على مساحة 11 ألف فدان بقرار تخصيص صادر عن رئاسة الجمهورية، وتأسيس شركة المستقبل للتنمية العمرانية تكون مسؤوليتها تنمية وتخطيط وترويج هذه المدينة الجديدة. ورغم امتلاك شركة المقاولون العرب لقسم ضخم للاستشارات الهندسية والإنشاءات داخل الشركة، فقد تقرر طرح المشروع كمسابقة تطرح أمام المكاتب الاستشارية تعتمد على شرط وحيد هو تقديم مشروع إبداعي ابتكاري، فالمسابقة كما يقول إبراهيم محلب كانت مسابقة فكرية قبل أن تكون مسابقة هندسية بين المحترفين. وقد طالبت كراسة الشروط المتسابقين أن يقدموا تصورهم لبناء مدينة متكاملة لها عناصر جذب تمكنها من ايجاد مجتمع له استقلاليتها الخاصة، وتكون كل مرحلة من مراحل التنفيذ المقترحة قابلة للتسويق وتوفير عائد لاستكمال المرحلة التي تليها.

وتقدمت عدة شركات مصرية وعربية وأميركية، وقام 14 مكتباً استشارياً بسحب كراسة الشروط، وفازت ستة مكاتب من المكاتب المشاركة بالمركز الثاني والثالث والجوائز التشجيعية، بعد تقديم مشروعات جيدة تطبيقياً واستثمارياً وهندسياً وتمويلياً وتسويقياً. ووصل تصور العائد المادي لهذه المدينة العقارية في دراسات المشروعات الفائزة ما بين 10 إلى 15 مليار جنيه.

ويشرح المهندس عصام الدين ناصف عضو مجلس الإدارة المنتدب في شركة المقاولون العرب الأسلوب الذي اتبعته الشركة في تقييم المشروعات المتقدمة، موضحاً أن الفكرة الأساسية اعتمدت على تقديم تصميمات جديدة تعتمد على فكر إبداعي متميز وحرية في تشكيل المنظور المعماري للأرض وخلق نقاط جذب، مع ربط المدينة الجديدة بما حولها واستغلال كامل لطبوغرافيا المكان كالمرتفعات والمنخفضات والنتوءات، ولذلك وضعت لجنة التقييم أوزانا تقديرية لسبعة عناصر رئيسية، الأول منها حول مدى تميز الفكرة وجذبها للمستثمر (25 نقطة) والثاني يعتمد على اقتصاديات المشروع ومعدل العائد الاستثماري منه (20 نقطة)، اما الثالث فهو الإبداع في الفكر التصميمي ودراسة مراحل تنفيذ المشروع طبقاً للفكر المقترح في كل مشروع (15 نقطة). واعتمد تقييم العنصر الرابع على قدرة المشروع على تحديد ترتيب معين لتنفيذ عناصره طبقاً لبرنامج تسويقي متميز يعتمد على تنفيذ مراحل يمكن تسويقها بحيث تولد عوائد لتمويل المراحل التالية (15 نقطة). اما العنصر الخامس فهو يتعلق بالشكل العام للتقديم والجدية (10 نقاط)، اما العنصر السادس فهو مرتبط بالدراسات التمهيدية والتحليلية المتعلقة بطبيعة التربة وظروف المناخ واتجاهات الرياح وغيرها (10 نقاط) والعنصر السابع والأخير فهو مشروط بمدى الاستفادة الكاملة من مزايا وإمكانات الموقع حيث ترتبط مدينة المستقبل بطريق مصر السويس من جهة وطريق العين السخنة من جهة أخرى ومدينة القاهرة الجديدة (5 نقاط).

ويؤكد المهندس عصام الدين ناصف، أن الجولة الأولى للتصفيات خرج منها أربع شركات، أما الجولة الثانية فكانت المنافسة شديدة فيها بين المشروعات الستة الفائزة، التي تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي. وخلال الأسبوع الأخير من شهر مارس (آذار) ستحدد اللجنة المكتب الاستشاري للمشروع والمراحل التنفيذية له، حيث قررت طبقاً لشرط حق الملكية الفكرية بملكية شركة المقاولين للمشروعات الفائزة وما ضمته من دراسات ورسومات وأفكار، أن تدمج الأفكار المتميزة في كل مشروع عند التنفيذ الفعلي لمدينة المستقبل حيث تستغرق المرحلة الأولى للتنفيذ ست سنوات لتكوين بنية تحتية بين 20 في المائة و25 في المائة من المدينة ووضع خطة تسويقية للمرحلة الأولى.

حي المال والطب والصناعة: واعتمدت تصميمات المشروعات الفائزة على وضع تصور لطريق رئيسي يقسم المدينة وعلى غرار طريق نهر النيل في القاهرة إلى قسمين، بالإضافة إلى طرق فرعية للربط بين المركز الاقتصادي والمالي الذي اتسم بالأبراج الإدارية المرتفعة والبنايات الشاهقة، والمستشفيات والمراكز العلمية، والجامعات والمراكز التجارية والتسويقية من جهة، وبين المناطق السكنية المتدرجة في مستوياتها من القصور والفيلات إلى وحدات سكنية صغيرة، والمناطق الصناعية من جهة اخرى.

أما نقاط الجذب التي قدمتها المشاريع الفائزة فتراوحت ما بين انشاء مدينة للعلوم والتكنولوجيا، ومدينة للترفيه (أرض العجائب والعلوم والفضاء، وسباقات الصحراء، عالم الواحات، نادي الطيران الشراعي، سباق الهجن وركوب الخيل، سباقات رالي السيارات والدراجات النارية، وعالم الثلج، إلى ملاعب الجولف)، وهاتان الفكرتان كانتا القاسم المشترك بين معظم المتسابقين، بالإضافة الى حي المال والأعمال والتجارة الذي قدمته المشروعات الفائزة جميعها، لتشمل مباني إدارية واستثمارية ومراكز تجارية ومناطق تسويق وخدمات إدارية ومراكز للبنوك والتأمين وشركات الصرافة والكافتيريات والبازارات، وقدمت إحدى المشروعات فكرة استخدام القطار الهوائي أو التلفريك للتنقل. وفيما قدمت المشروعات الفائزة منطقة المال والأعمال كأحد نقاط الجذب الإداري التي يتم البدء في تنفيذها كمرحلة أولى وتشجيع الشركات الخاصة على إقامة مراكز لها في هذا الحي، قدمت مشروعات أخرى فكرة إقامة مدينة طبية تحوي مستشفيات ومراكز لإعادة التأهيل ومجمع استشفائي، ومركز للشركات المنتجة للأجهزة الطبية ومنتجع صحي ونواد، كمركز جذب للمرحلة الأولى. وقدمت مشروعات أخرى فكرة الاعتماد على المناطق الصناعية كمرحلة جذب أولى لأن الطلب عال لحاويات التخزين والمناطق الصناعية والمستودعات في منطقة امتداد القاهرة الجديدة حيث يوجد موقع مدينة المستقبل.

وفضلت مشروعات أخرى نقطة البدء كمرحلة أولى للمشروع من المراكز التجارية الضخمة وربطها بحي التجارة والأعمال والمنطقة الصناعية، بالإضافة إلى أفكار تتعلق بتصميم الحدائق والبحيرات الصناعية والميادين وإقامة شاشات عرض سينمائية كبيرة ومسارح مكشوفة وحدائق للحيوان. وقدم أحد المشروعات فكرة إقامة «محكى للحضارات المصرية» يحوي خريطة مصر بأكملها بالأماكن السياحية المعروفة بها حيث يتم بناء نماذج مصغرة لكل مدن مصر وحضاراتها من الفرعونية والإسلامية والقبطية، كمزار سياحي متميز بمدينة المستقبل.

وقدمت أيضاًَ المشروعات الفائزة أفكارها فيما يتعلق بأساليب الإنشاء واختيار طابع متميز للمدينة يعتمد على شخصية المكان ودراسات لونية وطرازية مقترحة وشكل المسطحات وأسلوب التشطيب.

ويقول المهندس عصام الدين ناصف أن شركة المقاولون العرب تدرس حالياً خمسة مقترحات للبدء في المرحلة الأولى وفقاً لتصورات المتسابقين، سواء باختيار وسط للمدينة يكون مركزاً للجذب ثم الانتشار التدريجي لبقية اجزاء المدينة أو اختيار مركزين في الأطراف، والانتشار التدريجي إلى الوسط والسيناريو الذي سيتم تبنيه كما يقول المهندس عصام الدين ناصف سيعتمد على الأرجح على امتلاك خطة تسويقية لجذب المستثمرين.