مواقع إلكترونية كثيرة تمنحك رؤية العقار ومعرفة تفاصيله

شراء العقارات عبر الإنترنت ظاهرة جديدة تنمو بسرعة في أوروبا

TT

كان البحث عن عقار للشراء ـ قبل انتشار الإنترنت في أوروبا ـ عملية طويلة ومعقدة تتطلب البحث في وسائل الإعلام المطبوعة كالصحف اليومية والمجلات المختصة، فضلا عن القيام بعديد من الزيارات الشخصية لمكاتب السماسرة العقاريين. وبدورهم، كان هؤلاء يضطرون على مدى أسابيع أو شهور الى مراسلتك عبر البريد (الذي يستغرق يومين في كل مرة) بالبيانات التي لديهم حول العقارات المعروضة للبيع. أما الآن فقد بدأ معظم الأوروبيين يلجأون الى شبكة الإنترنت للبحث عن المنزل الذي يرغبون في شرائه.

وبالطبع، كما هو الحال مع شبكة الإنترنت في أي نوع من انواع البحث، فإن المعلومات والبيانات الموجودة على الشبكة تتجدد كل يوم إن لم يكن كل ساعة، فضلا عن أن عملية البحث تتم خلال ثوانٍ لأن كل المطلوب منك هو إدخال أوصاف وتفاصيل العقار الذي ترغب في شرائه فيعطيك الكومبيوتر قائمة بالعقارات التي تتطابق مع ما تريد، ليس هذا فحسب، بل ان تقنية «البعد الثالث» 3D في الكومبيوتر تمنحك تجربة شبه واقعية بزيارة المنزل من الخارج ومن الداخل مع شرح تفصيلي لأحجام الغرف ومواصفاتها. وفي هذا الصدد يقول إيان سبرينغت، من شركة «برايم لوكاشن» البريطانية، إن بعض المواقع على الإنترنت تمنحك أيضا صوراً حقيقية ملتقطة من الفضاء توضح لك كل المباني والشوارع المحيطة بالعقار، فضلا عن خرائط للحي توضح مواقع الأسواق والمدارس ومحطات القطارات والمواصلات العامة. ومن المواقع الإلكترونية التي أعطت دفعة قوية للتسوق العقاري على الإنترنت هو موقع Google Earth الذي يمنحك صورة فضائية لأي موقع على الكرة الأرضية بشكل عام ثم تستطيع الاقتراب بالكاميرا من الفضاء هبوطاًً نحو الأرض حتى تصل الى أدق تفاصيل المبنى أو الشارع الذي تريد رؤيته، وبذلك فإن هذا الموقع يعطيك صورة عن العقار ربما تكون أشمل من تلك التي تحصل عليها في زيارة حقيقية، إذ إنه يوضح لك موقع منزلك من الفضاء وبعده عن الخدمات العامة في الحي أو المنطقة.

ولا تقف فوائد الإنترنت عند هذا الحد، بل هناك موقع بريطاني على الشبكة يدعى UpmyStreet.com يمنحك إحصاءات عن سكان الحي الذي تريد الشراء فيه. وتشمل هذه الاحصاءات: معدل الجريمة في المنطقة، متوسط دخل السكان المالي، طبيعة المهن التي يعملون فيها، معدل زيارتهم للسينما، بل حتى أي الصحف أكثر انتشارا بينهم كالغارديان والتايمز.

كل هذه المؤشرات تساعد في تحديد نوعية السكان ومن ثم سعر العقار أو معدل الايجار، وهناك موقعٌ آخر يدعى Hometrack.com يعطيك تقييماً لسعر المنزل الذي تريد شراءه أو بيعه، وذلك عبر الاجابة على أسئلة تتعلق بعدد الغرف في المنزل وعدد الحمامات والمستوى العام للعقار، فضلا بالطبع عن موقعه. وبناء على هذه المعلومات يمنحك الموقع الإلكتروني سعراً تقديرياً للعقار يأخذ في الاعتبار أسعار العقارات المشابة له التي بيعت بالفعل خلال الاشهر القليلة الماضية في نفس الحي. وبذلك يُعتبر السعر واقعيا الى حد كبير، ووفق هذا السعر تستطيع أن تفاوض الطرف الآخر بائعاً كان أم مشترياً.

وأوضح سبرينغت أن مواقع الإنترنت العقارية تتطور بسرعة مما أدى بطبيعة الحال الى سرعة في عمليات البيع والشراء، ومن ثم زيادة كبيرة في حجم التجارة العقارية ككل، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تنمو بسرعة هائلة في الغرب بسبب التطور الكبير في تقنيات المواقع الإلكترونية وأيضا بسبب انتشار استخدام الإنترنت بين المستهلكين. ويؤيد هذا الرأي اليكسندر هينت من مكتب «كلوتونز» العقاري الذي أوضح أن شبكة الإنترنت غيّرت سوق العقارات تغيرا جذريا، ففي الماضي كان الباحث عن عقار يستغرق أسبوعاً لكي تُرتب له زيارة لرؤية عقار أو أثنين، أما الآن فهو يرى على الإنترنت عشرات أو حتى مئات العقارات التي يستطيع أن يختار من بينها خلال ساعات محدودة. وأضاف سبرينغت أن بعض المواقع تسمح لك بتحديد المسافة (مثلا 3 كيلومترات) التي تريد منزلك أن يقترب فيها من مدرسة معينة أو محطة قطار أو شارع رئيسي. واذا لم يُوجد عقار في تلك المنطقة بالمواصفات التي تريدها، فتستطيع تسجيل اسمك على الإنترنت بحيث تُرسل لك رسالة تلقائية الى بريدك الإلكتروني «Alert» بمجرد ظهور عقار بالمواصفات التي تريدها. غير أن جميع سماسرة العقارات يؤكدون أنه لابد في نهاية المطاف من القيام بزيارة حقيقية الى العقار الذي تريد شراءه، وذلك بعد أن تكون شبكة الإنترنت قد وفرت عليك كثيراً من الوقت الذي يضيع عادة في مراحل البحث الأولى قبل أن يستقر رأيك على عقار معين. كما أن الشبكة الدولية تسمح لك بتفقد العقارات التي تقع في مدن غير المدينة التي تعيش فيها، بل وفي بلدان غير البلد الذي تعيش فيه. وهذا الأمر على عكس الدول العربية، يكتسب اهمية خاصة في أوروبا لأن سوق العمل في دول الاتحاد الأوروبي اصبح منفتحاًً على بعضه البعض بعد أن رُفعت قيود الحركة عن البشر وعن رأس المال وأصبحت الشركات الكبرى نفسها متعددة الجنسيات بحيث اصبح التنقل من مدينة الى أخرى ومن بلد الى آخر أمراً طبيعياً يحدث طوال الوقت. أضف إلى ذلك انتشار ظاهرة شراء العقارات للاستثمار ولقضاء العطلات الصيفية في بلدان غير بلد الاقامة (البريطانيون والألمان يشترون كثيرا من العقارات في إسبانيا، فهم يبحثون عن مئات العقارات عبر الإنترنت، ثم يقومون بزيارة لإسبانيا لمدة يومين لتكملة إجراءات الشراء). وفيما يدرك غالبية سماسرة العقارات في أوروبا أن ظهور شبكة الإنترنت لعب دوراً اساسياً ـ ضمن عوامل أخرى بالطبع ـ في الفورة التي شهدتها أسواق العقارات في كثير من الدول الأوروبية خلال العقد الماضي، يعتقد بعضهم أنها أدت ايضا بشكل مباشر الى مضاعفة حجم التجارة العقارية عدة مرات.

ومن المزايا الهامة الأخرى التي حققتها الشبكة لسوق العقارات، كما يقول تيم هيات من مكتب «نايت فرانك» العقاري البريطاني، إن شبكة الإنترنت سمحت للمشترين بمقارنة الأسعار بين السعر المعروض على الزبون وأسعار العقارات الأخرى المشابهة له، وذلك لأن البحث على الإنترنت يعطيك قائمة بكل العقارات المعروضة للبيع في تلك المنطقة بحيث يمكنك من عملية المقارنة. ويرى تجار العقارات أن هذه الشفافية أيضا ساهمت في استقرار الأسعار وتحديدها وفق معايير موضوعية، بعدما كانت في الماضي عرضة للاحتيال أو «الشطحات» لأن كل مكتب عقاري يحتفظ بأسعاره داخل حدود منطقته، وأحياناً يستغل حاجة الزبون الملحة للشراء أو ضيق وقته الذي لا يسمح له بزيارة جميع المكاتب الأخرى ومقارنة الأسعار.

أما بالنسبة لمشتري العقارات الاستثماريين ـ بغرض الايجار مثلا ـ فإن الإنترنت تسمح لهم بالتعرف على قيمة الايجارات التي يمكن أن يجنوها من العقار المعين حتى قبل أن يشتروه، وذلك بالطبع عبر مقارنة الايجارات في العقارات الأخرى المشابهة للعقار الذي يرغبونه. وبهذه الطريقة يستطيع المستثمر العقاري أن يعرف ما اذا كان سعر الشراء (رأس المال المستثمر) مجزيا بالمقارنة مع الايجار المتوقع (الربح)، بمعنى آخر، فهو يستطيع أن يقدر سلفاً ما اذا كان استثماره رابحاً أم خاسراً. وفي هذه الأثناء أوضحت شركة «رايت موف» العقارية أن أسعار العقارات في العاصمة البريطانية لندن ارتفعت خلال الشهر الجاري بنسبة 1.7 في المائة للشهر الثالث على التوالي، وهي أعلى نسبة ارتفاع منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ومع هذه النسبة الشهرية تصبح نسبة الارتفاع السنوي مقارنة مع مارس (آذار) من العام الماضي 5.8 في المائة. ولاحظ تقرير الشركة أن نسبة الارتفاع في عقارات لندن كانت أعلى كثيرا من نظيراتها في المدن البريطانية الأخرى، الأمر الذي يؤكد التقارير التي صدرت أخيرا مفادها أن ارتفاع حوافز سماسرة البورصة واقبال المستثمرين من دول البترول كانا عاملين مهمين في صعود الاسعار في عقارات لندن، لكن بعض الخبراء يحذرون من أن الارتفاع لا يزال محدودا نسبيا، وأنه قد لا يتواصل بالمعدلات نفسها.