إسبانيا: فضيحة تهز قطاع العقار في ماربيا

الحكومة تفكر في إزالة 4500 عقار من أصل 30 ألف عقار غير قانوني

TT

تهدد قرارات الازالة حوالي 4500 عقار حول مدينة ماربيا السياحية في جنوب اسبانيا، وهي منطقة استثمار عقاري عربي رئيسية، بسبب فضيحة فساد اكتشفتها الحكومة الاسبانية وتحقق فيها حاليا مع عشرين مسؤولا في مجلس المدينة المحلي ومن بينهم امرأة واحدة على الاقل هي عمدة مدينة ماربيا المقبوض عليها حاليا.

وكشفت التحقيقات حتى الان ان حوالي 30 الف عقار صدرت لها تراخيص بناء غير قانونية في انحاء منطقة ماربيا، منها حوالي 4500 عقار تفكر السلطات جديا في ازالتها بقرارات قضائية لانها بنيت في مناطق محميات طبيعية ممنوع البناء فيها. اصحاب هذه العقارات اشتروها من شركات اسبانية متورطة في القضية من دون علم بالمخالفات، وهم في خطر فقدان استثماراتهم، ما لم تؤخذ ظروفهم في الاعتبار بحيث يتم على الاقل تعويضهم عن خسائرهم.

وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ جنوب اسبانيا قررت حكومة مدريد المركزية حل مجلس مدينة ماربيا، مما يدل على مدى خطورة وحجم هذه القضية. وتعني هذه الخطوة ان لجنة من المراجعين القانونيين سوف تتولى الشؤون الادارية في مجلس المدينة الى ان يتم انتخاب مجلس جديد. كما القت القبض على عمدة المدينة وعشرة اخرين واودعتهم السجن. ويواجه المتهمون تهم غسيل الاموال من عوائد الرشوة التي تلقوها من شركات تطوير العقار التي دفعت بسخاء لكي تحصل على تراخيص بناء غير قانونية.

وصادرت الشرطة الاسبانية ممتلكات بلغت قيمتها 2.4 مليار يورو كان من بينها طائرة هيلكوبتر وخيول اصيلة ولوحات فنية وبنادق تاريخية. وقامت الشرطة المركزية بتفتيش عدة قصور ومكاتب اعمال وفندق فاخر وحتى قسم الشرطة المحلي. من المضبوطات المصادرة كانت 275 قطعة ولوحة فنية و103 خيول اصيلة وخمسة كيلو غرامات من المجوهرات واربع سيارات من طراز بورشه وسيارة مرسيدس ليموزين واربع سيارات فاخرة اخرى وطائرة هليكوبتر ثمنها مليونا يورو و200 ثور في مزرعة لتربية الثيران لاغراض المصارعة، بالاضافة الى الكثير من الاغراض المتنوعة الاخرى التي تشمل ايضا ادوات مضادة للتجسس. كما جمدت السلطات اكثر من الف حساب مصرفي.

احد المتورطين في القضية كان مسؤول التخطيط في مجلس المدينة وهو المتورط في عمليات اصدار تراخيص البناء المزورة، وبعد القبض عليه قررت السلطات عدم الافراج عنه بأي كفالة حتى نهاية التحقيقات. وقال محاميه ان موكله ضحية مؤامرة وانه لا دليل بالمرة على ادانته. وافادت صحف اسبانية ان عمدة المدينة استخدمت اموالا عامة لكي تجهز منزلها بالمفروشات الفاخرة.

وجرت عدة مظاهرات في ماربيا ضد الفساد وطالب المتظاهرون باستقالة كل المسؤولين في مجلس المدينة. وكانت ماربيا قد تعرضت لعدة فضائح في الماضي حيث كشفت تحقيقات في الصيف الماضي عن تورط عشرات المحامين في عمليات غسيل اموال حجمها 250 مليون يورو. كما وجهت تهم فساد وسوء ادارة لعمدة المدينة السابق.

ولكن هذه التداعيات سوف تنعكس على السمعة السياحية لمدينة ماربيا التي كانت تستقطب المشاهير في السبعينات والثمانينات. ولكن الامر الحيوي حاليا هو وضع ضحايا هذه القضية من مستثمري العقار ومنهم نسبة غير قليلة من العرب. واول ملامح التعقيد في القضية ان التحقيقات قد تستغرق وقتا طويلا، وان كانت السلطات تعرف مدى خطورة الوضع واهمية البت فيه بسرعة. ولا يعرف عدد كبير من المستثمرين بعد ما اذا كانت القضية متعلقة بعقاره ام لا.

وينصح المحامون الاسبان بضرورة الاستشارة القانونية حول ما اذا كان العقار في موقع ممنوع البناء فيه ام لا وفقا لخرائط مناطق المحميات. اما هؤلاء الذين تعاقدوا على الشراء ولم يتسلموا عقاراتهم بعد، فإن شركات العقار المحلية تقدم لهم الاستشارات القانونية عبر محامين خاصين بها. الخبراء ينصحون باستشارة محام مستقل يتمتع بسمعة جيدة وعدم الاعتماد على محامين تقدمهم الشركات تحسبا من تورط بعضهم في التواطؤ في عمليات البيع غير القانونية. وحتى تثبت صحة الاجراءات لا بد اولا ان يتأكد المحامي من صحة تراخيص البناء ومن ان صكوك الملكية موثقة قانونيا.

اما المشترون من مخططات عمرانية على الورق، فيجب عليهم التأكد من تقديم شركات العقار ضمانات بنكية لتقديم التعويض الى المشتري في حالات افلاسها. وفي الفترة المقبلة لا بد من مراقبة اي وضع غير طبيعي، مثل تأخر عمليات البناء او اعادة تقديم طلبات الترخيص، مع ضرورة معرفة اسباب اي تأخير او تغيير في خطط البناء.

ولكن ما هو الموقف القانوني لهؤلاء الذين اشتروا عقارات في مناطق ممنوع فيها البناء؟ يقول خبراء العقار الاسباني ان بعضهم قد يحصل على تعويضات من جهات مختلفة قد تكون شركات العقار او شركات التأمين ولكن البناء في مناطق محظورة بتراخيص بناء مزورة لا يخول لمالكي هذه العقارات الحصول على تعويضات من الحكومة. وتشمل المناطق المحظورة المناطق القريبة من الساحل والغابات ومناطق الشريط الاخضر.

وفي اروقة المكاتب الحكومية في مقاطعة الاندلس تدور مناقشات ومفاوضات حول التعامل الامثل مع هذه الفضيحة التي هزت الثقة في القطاع العقاري الاسباني بأكمله. فهناك مثلا تصنيف غير رسمي لمواقع العقارات غير الشرعية حيث بعضها يقع في مناطق لا يمكن السماح فيها بالبناء تحت اي ظروف. ولكن بعض المواقع الاخرى يمكن التسامح فيها لو كانت العقارات متوافقة مع شروط البناء في المنطقة بصفة عامة. وفي هذه الحالات يمكن للحكومة المحلية ان تسمح ببقاء العقارات في المناطق غير الحساسة باعادة تصنيف هذه المناطق كمناطق تعمير مدني اوurbano بما يتيح السماح باصدار تراخيص قانونية للبناء فيها.

ويقول احد المحامين الإسبان ان هذا التصنيف تتم دراسته في الوقت الحاضر وسوف تعلن نتيجته خلال الشهور المقبلة لكي تتحدد النسبة التي سوف تسمح لها السلطات المحلية بالبقاء في عقاراتها واصدار تراخيص بناء قانونية لها. وهو يعتقد ان هذه النسبة تتراوح بين 85 و95 في المائة من اجمالي العقارات المخالفة للشروط. اما النسبة الصغيرة الباقية التي تقرر السلطات ازالتها، فان فرصة الحصول على التعويض من عدمه سوف تتعلق بنوع الترخيص الذي حصلت عليه هذه العقارات ومدى علم مطوري العقارات بأن الترخيص مزور. ولن يعوض اصحاب العقارات في المناطق الممنوعة بأي حال اذا لم يكن لديهم ترخيصا.

هذه الفضيحة ما زالت تتفاعل الى درجة ان الحكومة المركزية تدرس جديا منع السلطات المحلية من اصدار تراخيص البناء لمنع تكرار مثل هذه الفضائح التي سبق ووقعت في مناطق اخرى في مناطق الساحل الجنوبي. كما ان التحقيقات تشمل حاليا عدة مجالس بلدية في عدد من المدن التي لوحظ فيها نشاطات عمرانية غير عادية في السنوات الاخيرة من بينها منطقة كوستا بلانكا ومدينة «بن المدينة» في مقاطعة كوستا ديل سول. وتتوقع مصادر صحافية اسبانية ظهور فضائح اخرى من ملفات تتعرض حاليا للفحص الدقيق من الحكومة المركزية ومن الاعلام ايضا.

وكانت المنطقة قد شهدت في السنوات الاخيرة نموا عقاريا ملحوظا ونشاطا متزايدا لعمليات شراء عقاري بأموال فورية خصوصا من شرق اوروبا وروسيا مما اثار شائعات محلية بأن عمليات غسيل اموال ربما تستغل قطاع العقار الاسباني في المناطق الساحلية.

التأثيرات التي يتوقعها خبراء العقار الاسباني على السوق هي بالطبع تأثيرات سلبية ناتجة عن اهتزاز الثقة في القطاع العقاري الاسباني.

ويعيد عدد كبير من مستثمري العقار النظر في جدوى الاستثمار في منطقة الساحل الاسباني الجنوبي للمدى الطويل، حيث السمعة السلبية وامكانية الوقوع في مشاكل قانونية قد تفسد عليه جدوى استثماره او حتى استمتاعه بالعقار.

ومثل هذه المشاكل القانونية التي تظهر بين الحين والاخر في مناطق الاستثمار العقاري التقليدي يمكن ان تصب في فائدة مواقع عقارية جديدة. واقرب المواقع التي يمكن ان تستفيد من مشاكل ماربيا مدن الساحل الشمالي في المغرب التي ما زالت تتمتع بسمعة طيبة بين مستثمري العقار الاوروبيين من ناحية الاستقرار والمعدلات السعرية الجيدة وايضا نسبة النمو الاستثماري. وما زالت هناك صعوبات في طول الاجراءات القانونية وان كانت هذه الناحية لا تزعج كثيرين من مستثمري العقار لانها تصب في النهاية في مصلحة المستثمر وتضمن له حقوقه.

ولكن على المستثمر الذي يصر على الاستثمار في ماربيا، وهي في الواقع منطقة ساحرة، ان يكون حذرا من الوقوع ضحية لاستثمار قائم على اساس قانوني مزور يمكن ان ينتهي به الى فقدان كل استثماره بلا تعويض.