مصر: الولع بمشهد البحر يجذب الأجانب إلى السكن بجواره

مشاكل فنية وإدارية تحاصر المساكن المطلّة على البحر

TT

للصيف وجه بحري، حيث يشعل مقدمه الحنين إلى الرمل والشمس والموج والزبد، لكن هناك جانباً آخر من الصورة، غير بعيد، وينتمي إلى عالم العقارات، هو المشاكل المرتبطة بالوحدات المطلة على البحر، من حيث الصيانة والتكلفة ومعوقات إقامة الجديد منها، والضمانات التي يجب أن تكفلها العقود لمالكيها. وبالتأكيد يأخذ هذا الجانب مظهرا مختلفا في كل بلد، لكن المشتركات التي تخص هذا النوع من المساكن كثيرة، إنشائيا وفنيا وإداريا، وسوف يزداد الإلحاح على مناقشة مشاكل هذا النوع من الوحدات، مع الاتجاه المتنامي، لإقامة مساكن على جزر صناعية، أو إدخال مياه البحر إلى منتجعات تبعد عن الشواطئ وجعلها تتخلل مساكنها لتمنح إحساسا خاصا بمدينة البندقية لملاكها. وبطبيعة الحال هناك متطلبات غير معمارية لهذا النوع من الوحدات مثل اقتناء يخوت أو قوارب وتحديد مستويات الحق في امتلاك مساحة على البحر وحجبها عن الآخرين، غير أن هذا التحقيق يركز اكثر على الجوانب الفنية والإدارية لمساكن «الطلة البحرية» التي يفتن المشهد الطبيعي فيها الساعين إليها مهما كانت الصعوبات، ولذلك نلاحظ أن أغلبية النخبة المصرية والعربية بل والكثيرين من الطبقة المتوسطة جعلوا من امتلاك وحدة ترى البحر في الإسكندرية وغيرها لاحقا حلما يجب تحقيقه، حتى ولو للإقامة فيها لأيام في العام.

من جانبهم أكد الخبراء العقاريون أن مشاكل المنشآت المطلة على البحر إدارية وفنية، تبدأ من تضارب الجهات المسؤولة عن الأراضي المقابلة للبحر، التي تخضع اما «للعرب البدو أو لجهات سيادية» ويسود فيها نظام «وضع اليد» مما يعقد عملية شرائها، بل واستلامها أيضا حيث لا يتم اخلاؤها عادة، إضافة إلى طول فترة الحصول على التراخيص، وتدخل جهات حكومية في تحديد ارتفاعات المباني أحيانا، لاسباب أمنية فضلا عن الأسباب الفنية.

كما أن المنشآت المطلة على البحر بحاجة لمعالجات ودراسات دقيقة في مواد البناء «الرهانات، الخرسانة»، والى عزل قوي لقربها من المياه الجوفية وأحيانا مياه الصرف الصحي، حتى لا تتعرض لانهيارات. اضف الى ذلك مشكلة زيادة تكلفة صيانتها التي يجب أن تتم كل عام، وكذلك ارتفاع تكلفة تحلية مياه البحر بالنسبة للوحدات التي لا تصلها المياه النقية من الشبكة التقليدية.

ويقول مقرر لجنة التشييد لجمعية رجال الأعمال صلاح حجاب ان المنشآت المطلة على البحر تنقسم إلى نوعين على مجرى نهر النيل وهي ذات طلة وقيمة هامة وعلى البحر في التجمعات السياحية وعلى البحرين الأحمر والأبيض المتوسط وكذلك على بحيرة قارون، ويضيف حجاب ان أفضل موقع للمنشآت المطلة على البحر هو الذي يعطي لساكنيها اكبر إمكانية طلل على المياه، بالتصميم المعماري الداخلي وليس الخارجي فقط، مضيفا أن أفضل نمط معماري يتعين عليه أن يمنح لأصحابه خصوصية مع المتعة ويعكس رغبة مالكه وتصوره عن العقار من الداخل والخارج بطريقة معمارية سليمة سواء للفيلات أو العمارات السكنية.

وأضاف: ويكون ذلك بالالتزام بقواعد البناء المتعارف عليها دوليا ومحليا مثل عدم إقامة منشآت عقار البحر إلا بعد آخر موجة بمسافة 80م في أماكن و100م في أماكن أخرى حسبما تحدد الهيئة المصرية العامة لحماية الشواطئ ففي ذلك ضمان للملاك، وللمصالح العامة أيضا. ويدعو حجاب كذلك إلى ضرورة استخدام دهانات وبياضات ومواد بناء مقاومة للأملاح والرطوبة والمواد الكبريتية وكذلك خلط الخرسانة وتنفيذها بشكل دقيق حتى لا يصاب المبنى بالانهيار أو التصدع أو تتآكل واجهاته بسرعة، إضافة الى ضرورة انسجام المبنى مع ما حوله منشآت. وإلى ما سبق يقول مستشار اتحاد المقاولين المصري الدكتور شريف حافظ ان هناك ضرورة لعمل عوازل قوية عند تأسيس هذه المنشآت حيث تكون قريبة من المياه الجوفية وأحيانا مياه الصرف الصحي الممتلئة بالأملاح ومادة الكلوريد والمواد الكبريتية. ويؤكد حافظ على أهمية أن يستجيب التصميم لتحديات المكان ولاقتصادات المنشآت التي يجب ألا يقل عمرها عن خمسين عاما. واستطرد حافظ أن من ضمن المشاكل الخاصة بالمنشآت المطلة على البحر هي تكلفة الصيانة العالية التي تحدث سنويا وتصل إلى 1000 جنيه للوحدة حتى مع الالتزام بمواد البناء والجهات المقاومة للأملاح والرطوبة. واستطرد قائلا: المشكلة الحقيقة في هذه المنشآت هي «إدارية» فالخبرة المصرية جعلت شركات المقاولات والانشاءات على دراية كافية بما ينبغي عمله من النواحي الفنية لكن الجانب الإداري المتعلق بواضعي اليد على الارض وكيفية تسوية الأمور مهم، ثم إعادة شراء الارض من وزارة السياحة ليأخذ الشراء الشكل القانوني الكامل، كل ذلك له تكلفة ويتطلب جهدا ضخما.

وأضاف حافظ، ان الحصول على رخصة بناء يأخذ وقتا طويلا إضافة للثالوث المرعب «البيروقراطية والروتين والفساد» وان عملية إخلاء الأراضي لا تتم بسرعة في حالة وضع اليد عليها حتى بعد انتهاء الشراء والبيع تماما. كما تدخل جهات سيادية احيانا في تحديد ارتفاعات هذه المنشآت لاسباب أمنية لها ما يبررها، لكن لها تكلفة بالنسبة للمالك يحدث ذلك حتى ولو كان المالك قد حصل على رخصة بالارتفاعات المصرح بها من وزارة الإعمار ودفع الرسوم المقررة لذلك.

ويفتح شريف حافظ نافذة إلى جانب غير مطروق من مشاكل هذه المساكن فيقول: شروط عقد البناء غير محكمة وتعبيراتها غير دقيقة فتوزيع المخاطر والتكلفة غير مبني على أسس إدارية صحيحة حيث الإدارة، لكن ذلك غير واضح في العقود ويتطلب الأمر حضورا أقوى لجمعية المهندسين المصرية ونقابة المهندسين والاتحاد المصري للمقاولين في هذه العملية.

وعن مشاكل الوحدات القائمة يؤكد حسين صبور الخبير ورجل الأعمال المعروف أن بعض المشاريع الخاصة بالمنشآت ذات الصلة البحرية حدث لها إفساد وإهلاك كما حدث في المائة كيلو متر الأولى من الإسكندرية حتى مارينا في البحر الأبيض المتوسط نظرا لإدارة الجمعيات التعاونية الحكومية لها بطريقة غير علمية.

ويضيف «خلافا للبحر الأحمر الذي انجزت مشروعاته بطريقة مخططة وجديدة ولازال أمامنا 300 كيلو على المتوسط نتمنى ألا نفسدها أيضا«. ونظرا لإقبال الأجانب وبالذات الإنجليز على تملك وحدات على البحر في مصر، في الفترة الأخيرة فإن حسين صبور يرى أن عمل منتجعات تناسب الذوق الأوروبي والإنجليزي يتطلب إقامة تجمعات راقية يصممها استشاريون ذوو كفاءة وجدية شديدة وإلا سيظل نصيبنا في هذا السوق لا يقارن بما يحصل عليه الأسبان والبرتغاليون.

وأشار صبور إلى أن الإنجليز وقع اختيارهم بشكل أولي على شرم الشيخ الا ان عدم الحصول على تمليك فيها، دفعهم لاختيار مناطق جديدة غير مطروقة على البحر الأحمر، أما الساحل الشمالي فيناسب المصريين والعرب أكثر مما يناسب الذوق الأجنبي.

ويشدد صلاح حجاب على أن هناك شواطئ مصرية كثيرة في البحرين الأحمر والمتوسط لم تستغل على الإطلاق حتى الآن حيث لا تزيد نسبة المستغل منها عن 25 في المائة، ولذلك هناك مخطط تنموي لزيادة الاهتمام بالبحرين المتوسط والأحمر على حد سواء، وهو مخطط يجب احترامه والالتزام به. ويرفض حجاب تماما دخول الاجانب في البناء والتصميم وكذلك الإدارة، معللا ذلك أن هناك خبرات مصرية كثيرة وكفاءات وأن بمصر ما لا يقل عن 357 ألف مهندس نسبة عالية منهم ذات تأهيل جيد.

وأكد على أن المناخ العام هو الذي يشجع السياحة وليست طلة الصف الأول على البحر وحدها.

ويخالفه شريف حافظ في ما تقدم قائلا: ما المانع من دخول مستثمرين أجانب طالما أن هناك قواعد وقوانين منظمة لذلك عندهم الإمكانيات المادية والتكنولوجيات المتقدمة وحسن الإدارة.

ويتوسط بين هذين الرأيين رئيس شركة مينا للاستثمار السياحي والعقاري. فتح الله فوزيق فيقول: ان الفنادق السياحية تحتاج لإدارة أجنبية أما بناء العمارات والفيلات فلا تحتاج الى ذلك.

ونوه فوزي إلى أن هناك مشكلة في المياه بالنسبة للمنشآت المطلة على البحر تتمثل في ارتفاع تكلفة تحلية مياه البحر نظرا لعدم وجود مياه آبار ومياه جوفية منخفضة التكاليف نسبيا عن مياه البحر مشيرا إلى أن الكثير من الاستثمارات مطلوب لتغذية التوسعات السكنية على البحر في المناطق النائية بالمياه العذبة.