مصر: غياب الطرز المعمارية للواجهات الأمامية والخلفية يفقد العقار قيمته

الاهتمام بالشكل الخارجي يرفع سعر العقار إلى 20%

TT

لم نكن ندري ونحن نبحث موضوع الواجهات والخلفيات في المباني السكنية وأثره على التسويق بأنه سيثير كل هذا الشجن والحزن على ما وصلت إليه العقارات المصرية، حيث تحولت الحضارة إلى حجارة، وخلت الطرز المعمارية الحديثة من الروح والإبداع الفني الجميل وكسا القبح ليس فقط «قفا» المباني «خلفياتها»، لكن أيضا الواجهات، هناك اهتمام في بعض المساكن. لكنه اهتمام ينصب اكثر على الواجهات الأمامية ربما لهدف تسويقي في المقام الأول، أما «قفا» المساكaن باللغة الدارجة فما هو الا جدران ملساء تتخللها فتحات للتهوية وتنضح جدرانها من المياه والرطوبة، وهذا ليس فقط في الأحياء العشوائية ولكن في الأحياء الراقية كالمهندسين والزمالك.

فالمباني في مصر نوعان، الأول تصدر له تراخيص من الدولة ولهذا لا بد من ان يقدم المعماري رسومات جميع الواجهات أو الخلفيات، أما المباني العشوائية فلا تصدر لها تراخيص ولا تقدم رسومات للواجهات، وجرى العرف بأن يعتني المعماري بالواجهات الرئيسية بالعمارة المطلة على شوارع رئيسية، أما الواجهات الجانبية والخلفية فتتم دون دراسة وجرى العرف على النظر إليها كمجرد حائط للمبنى وبه فتحات للغرف والحمامات و المطابخ.

هذه العشوائية ربما تعكس ثقافة المجتمع الذي انتقل من ملاءة اللف (تشبه العباءة) إلى النقاب (الحجاب)، وغياب الذوق العام بل ان هذه العشوائية منظمة بالقانون، حيث لا تشترط نصوص قانون تنظيم بناء العمارات عمل مواصفات مثل طرز الواجهة مثلما يقول أستاذ الهندسة بجامعة عين شمس ميلاد حنا، الذي اضاف، ان القواعد العامة التي أدت بالواقع المعماري الحالي إلى أن تكون بعض الوجهات جميلة ومزخرفة وأخرى يتم تشطيبها دون تذوق لنوع الواجهة وطرزها وما حولها من بنايات، وقد انتهى الأمر إلى ما أصبحت عليه القاهرة والإسكندرية وسائر المدن من تدهور.

واستمر قائلا «لا بد ان يكون هناك قواعد عامة لتصميم الواجهات وألوانها، واشتراطات عامة توجد انسجاما بين واجهات المناطق والأحياء المختلفة وكذلك فيما يتعلق بالشوارع الرئيسية، وإلا فإن هذه الفوضى القانونية ستعطي المالك والمعماري سلطة مطلقة في ذلك.

واقترح حنا على المسؤولين تشكيل لجان لوضع مواصفات عامة لواجهات المباني في الأحياء المختلفة، بحيث تعطي خطوطا عامة وعريضة يسترشد بها مصممو الواجهات الرئيسية لمبانيها، وان يكون لكل حي أو شارع طراز عام للواجهة، بحيث تجمع رقائق الحضارة المصرية المختلفة ويكون لها خصوصية ثقافية، فمثلا تكون واجهات المباني في شارع الأزهر أو الحسين طرازا عربيا إسلاميا، ومصر القديمة طرازا قبطيا، وشارع الهرم طرازا فرعونيا، وكذلك في الأقصر وأسوان.

واستمر قائلا «ان الإسكندرية سيزداد جمالها ورونقها لو جعلنا طرازها يونانيا رومانيا. واستدرك قائلا «بأنه لا يدعو إلى ذلك على نطاق كل مصر، بل على الشوارع الرئيسية أو على أحياء بعينها، حيث لا يمكن تقييد حرية المجتمع في التنوع، واعتقد ان المجتمع نفسه سيحاول الانسجام مع الطابع السائد بدلا من التشوهات الرهيبة الحالية وبذلك نعطي طابعا معماريا، متسقا مع الحضارة والحداثة أيضا.

ويقول عميد كلية الفنون التطبيقية الأسبق وعضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطني حماد عبد الله حماد: «ان واجهات العمارة المصرية مرت بعدة مراحل، المرحلة الإسلامية والتي تبدأ من شارع المعز لدين الله الفاطمي الشعبي حتى شارع محمد علي الذي على يمينه حي الحلمية الراقي للباشوات، والمرحلة الحديثة التي بناها إسماعيل باشا الذي بنى الوزارات الحكومية والبرلمان المصري ودار القضاء العالي، وخطط بنايات وسط البلد على الطراز الباريسي والواجهات والخلفيات المميزة، على يد امهر الفنانين والمهندسين الفرنسيين والإيطاليين واليونانيين، ومن اشهر البنايات عمارتا نوبار ويعقوبيان والأخيرة اشتهرت عالميا الآن بفضل رواية وفيلم علاء الأسواني.

واستمر حماد قائلا: «أما مرحلة ما بعد الثورة، فتم فيها تأسيس المباني الاشتراكية مثل «مدينة نصر ومدينة المهندسين ومدينة الصحفيين ... التي ليس بها لمسة جمالية، وبدأت معها العشوائية، بالإضافة إلى ان المباني التي بنيت قبل ذلك خضعت للقوانين الاشتراكية، وخفضت إيجاراتها إلى 10% كل عيد من أعياد الثورة حتى وصل الإيجار في البنايات الفخمة إلى 4 و5 جنيهات، وما زال معمولا به حتى الآن، مما جعل ورثة أملاك بعض العقارات لا يهتمون إلا بشققهم، برغم احتياج واجهات العقارات إلى الصيانة والتجميل.

وعبر رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال ورئيس لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة صلاح حجاب عن شعوره بالإحباط على ما وصلت إليه الواجهات المعمارية، وأوضح ان العمارة هي وعاء الفنون والثقافة، والمرحلة الحالية التي نمر بها تعكس واقعا انتهازيا براجماتيا نعيشه، فالعمارة هي واجهة لحال المجتمع كله ومن خلالها يمكن ان نعرف مدى تقدم فترات ماضية وتخلف فترات حاضرة.

واستمر قائلا «ان البناية تتكامل بالتناسق الداخلي والخارجي، حيث ان كلاهما يؤدي وظيفة، فالواجهة تشمل المسكن بأدواره المختلفة وتشكل طلته التي يرى الناس أصحاب الشقق (الوحدات) من خلالها، ويتغير شكل الواجهة طبقا للمكان والمدينة والحي، ومن المفروض ان تتزاوج وتتجانس مع ما حولها من واجهات البنايات الأخرى، وكذلك الخلفية أيضا. وأضاف قائلا «ان تصميم العقار منظومة تحتاج إلى تكامل في الخبرات والثقافة والذوق بين الثالوث المصمم والمالك والمقاول، وهذا يولد إنتاج فني وجمالي بلا شك.

كما ان تميز الواجهة الفني والمعماري عليه عامل كبير في التسويق وهو ذو أولوية عند نسبة كبيرة من العملاء وقد يرفع سعر العقار إلى نسبة قد تتراوح بين 10 إلى 20%، مثلما يقول خبراء التسويق العقاري. وبالرغم من ان الخلفيات لا تلقى نفس الاهتمام بالواجهة عند السواد الأعظم من المقبلين على الشراء الا ان بعض العقارات التي تهتم بخلفياتها ترفع سعرها إلى نسبة قد تصل إلى 25%، حسبما يقول صاحب شركة «T.G General Services» للتسويق العقاري محمد عبد الفتاح، واستطرد «عدم الاهتمام بالشكل الخارجي للمبنى من الواجهات والخلفيات سيؤثر على السوق العقاري المصري، خاصة بالنسبة للعرب الراغبين بالاستثمار العقاري في مصر، وكذلك للأجانب.

وعلل عبد الفتاح عدم الاهتمام بالشكل الخارجي بأنه «عملية تجارية بحتة، وربما عوامل ثقافية وذوقية أيضا».

وأخيرا يقول أحد المثقفين ان الإنسان يرى السائرين أمامه من «قفاهم»، ويدعو ذلك إلى التأمل في حال كل خلفياتنا، سواء كانت خلفيات المباني أو المؤسسات الحكومية أو حتى مؤسسات الفن والثقافة، فالخلفية هي العنوان الحقيقي للإنسان والمكان وليس الواجهة وقد آن الأوان في المدن الجديدة والقديمة معا ان نتجاوز المثل الشعبي «في الوش هلا هلا .... ومن جوه يعلم الله».