المغرب: الطلب الأجنبي والرواج السياحي يشعلان أسعار الأراضي والشقق في مراكش

TT

أصبح امتلاك سكن ثانوي في مدينة مراكش من الأمور التي يتباهى بها أفراد المجتمع في باقي المدن المغربية، فبالإضافة إلى استعماله خلال العطل الأسبوعية أو السنوية من طرف مالكيه وعائلاتهم، يشكل امتلاك سكن في مراكش استثمارا مجزيا، إذ يمكن في أي وقت بيعه بثمن أعلى في ظل الطلب المرتفع الذي تعرفه المدينة الحمراء، كما يمكن استغلاله تجاريا عن طريق تأجيرها للسياح خلال الفترات الطويلة التي لا يستعمله فيها مالكوه.

وخلال عطل نهاية الأسبوع يشتد الإقبال على مراكش، خاصة من الرباط والدار البيضاء، ويضطر العديد من المسافرين المعتادين على السفر في الدرجة الأولى إلى أخذ الدرجة الثانية بسبب امتلاء الأولى، في حين يضطر ركاب الدرجة الثانية لقضاء الرحلة واقفين نظرا لعدم وجود مقاعد شاغرة.

ويفضل العديد من السياح المغاربة، خاصة الذين يرافقون عائلاتهم، استئجار شقق مفروشة خلال فترة إقامتهم القصيرة بمراكش. وظهرت في المدينة حرفة جديدة مرتبطة بهذا النشاط. ويقول عبد الكريم، الذي يتخذ من الوساطة في تأجير الشقق المفروشة مهنته الرئيسة «مهنتنا تعتمد أساسا على الثقة والسمعة الطيبة والعلاقات الخاصة، فأنا مثلا لدي مفاتيح خمس شقق في «آزلي» و«دوار العسكر» و«سوكوما»، بالإضافة إلى دارين في المدينة العتيقة، وكّل اليّ أصحابها الموجودون في الدار البيضاء وفرنسا، الإشراف على تأجيرها للسياح خلال فترة غيابهم».

وعن الأسعار يقول عبد الكريم «أسعارنا مستندة إلى أسعار الفنادق، لدينا زبائن أوفياء يتصلون بنا للحجز كلما رغبوا في القدوم إلى مراكش، كما نستغل فترات امتلاء الفنادق لعرض خدماتنا واكتساب زبائن جدد».

وبالإضافة إلى المغاربة تعرف مدينة مراكش إقبالا متزايدا للأجانب على شراء مساكن بالمدينة، ويتجه عدد متزايد من الأجانب إلى اتخاذ إقامة دائمة في مراكش، خاصة المتقاعدين الذين يجتذبهم المناخ المتميز للمدينة وموقعها في مركز المغرب الذي يجعلها قريبة من المناظر الخلابة لجبال الأطلس ومن الكثبان الرملية جنوبا وشواطئ المحيط الأطلسي غربا، وقريبا من السهول الخصبة والحقول الخضراء على امتداد البصر. بالإضافة إلى ذلك يستفيد المتقاعدون الأوروبيون الذين يقررون نقل معاشاتهم إلى حسابات بالدرهم داخل المغرب من الإعفاء بنسبة 80% من الضريبة على الدخل، وغالبا ما يفضل هؤلاء شراء شقق اقتصادية ضمن برامج السكن الاجتماعي.

ويقول محمد عادل بوحاجة، رئيس جمعية المنعشين العقاريين بمراكش «ليس هناك توجه محدد للطلب الأوروبي على العقار بمراكش، فكما أن هناك طلبا قويا على السكن في المدينة العتيقة، هناك أيضا طلب قوي على إقامات الأحياء الراقية، كذلك على شقق السكن الاجتماعي».

غير أن الطلب على المدينة العتيقة يظل الجانب البارز للطلب الأوروبي. واخيرا لم يعد هذا الطلب يقتصر على الرياضات والدور التقليدية الكبيرة، بل شمل جميع أشكال السكن بالمدينة العتيقة بما فيها «الداوديات» الشعبية البسيطة. وأمام العروض المغرية للأجانب، فضّل المغاربة بيع دورهم في المدينة العتيقة بأثمنة مرتفعة والبحث عن شقق اقتصادية في الأحياء الجديدة بضاحية المدينة، خاصة في إطار مشاريع السكن الاجتماعي المدعومة من طرف الدولة.

وفي المدينة العتيقة أصبحت بعض الأزقة مسكونة فقط من الأوروبيين بعد أن اشتروا كل بيوت تلك الأزقة من المغاربة، وقام السكان الجدد لتلك الأزقة بسدها بأبواب حديدية ضخمة بذريعة الحفاظ على أمنها وهدوئها. وفي أزقة أخرى مختلطة بادر السكان الأوروبيون بتأسيس جمعيات وهيئات للقاطنين، التي أصبحت تطالب بدور في تدبير الأحياء وتمارس ضغوطا على السلطات من أجل تحسين الخدمات العمومية، خاصة النظافة وحفظ الأمن.

وعلق أحد سكان المدينة العتيقة لمراكش على هذه التطورات، بخفة الدم المشهورة لدى المراكشيين، قائلا «أعتقد أن الأجانب سيشكلون غالبية أعضاء مجلس بلدية المدينة في الانتخابات المقبلة».

وأمام الضغط الكبير للطلب، عرفت الشقق السكنية بمراكش ارتفاعا فاحشا، وصل في بعض الأحياء إلى 1000% خلال السنوات الأخيرة. فهناك طلب الأجانب والطلب السياحي لسكان المدن المغربية الأخرى، وطلب المغاربة المقبلين مناطق ومدن أخرى للإقامة والعمل في إطار الإقلاع السياحي القوي للمدينة، بالإضافة إلى طلب سكان مراكش الخارجين من المدينة العتيقة بعد بيع دورهم التقليدية للأجانب. وساهم قرار سلطات مراكش تجميد البناء في العديد من المناطق، منها مناطق «إسيل» و«مرشيش» و«سيدي عباد» و«الداوديات»، في زيادة الضغط على العقار وارتفاع أسعار الشقق، خاصة الجزء الذي لا يتم التصريح به بهدف التهرب من الضريبة على الأرباح العقارية، والذي أصبح يشكل أزيد من 50% من قيمة الصفقات.

وخيّب هذا الغلاء آمال العديد من المراكشيين في إمكانية الحصول على الشقق. يقول محمد الذي يشتغل في التعليم «قبل 5 سنوات اشتريت شقة بثمن 120 ألف درهم، وعرض عليّ أخيرا بيعها بقيمة 500 ألف درهم. اعتبرت ذلك فرصة لشراء شقة أخرى قريبة من موقع عملي في حي «الداوديات» مع تحقيق بعض المكاسب، لكن سرعان ما أصبت بخيبة أمل لأنني وجدت أن أرخص شقة في الداوديات، وهي أصغر من الشقة التي أسكن فيها، تساوي 720 ألف درهم!».