باريس: أسعار العقارات تواصل ارتفاعها

11600 دولار سعر المتر المربع في قلب المدينة التاريخي

TT

الفزع الكبير من انهيار سوق العقارات في باريس ومنطقتها الذي يرعب منذ اكثر من سنة المتعاملين فيها من مكاتب وأصحاب الملكية والبنوك وكتاب العدل وخلافهم بسبب ارتفاع الأسعار المذهل والمتواصل منذ عشر سنوات لم يتحقق بعد وأصحاب التوقعات المتشائمة الذين يبشرون بنهاية الطفرة العقارية يتعين عليهم المزيد من الإنتظار. فهذه السوق، وفق ما تبينه إحصائيات ربيع العام 2006، ما زالت متجهة الى الإرتفاع رغم أن وتيرته قد خفت حدتها. وبحسب الخبراء، فإن العوامل التي دفعت الأسعار الى أعلى في السنوات الماضية ما زالت فاعلة في الوقت الحاضر وأهمها ثلاثة: استمرار العمل بالفوائد المصرفية المخفضة على القروض العقارية ما يشجع المشترين على الإستدانة والإستفادة من الفرصة المتاحة قبل ارتفاع الفوائد وتساهل المصارف في إطالة أماد القروض لفترات تصل أحيانا الى ثلاثين عاما وبالفائدة الثابتة، ثانيا، التدابير التي أقرتها الحكومة الفرنسية لتسهيل الوصول الى الملكية وأخيرا استمرار تدفق المشترين والمستثمرين الأجانب وبينهم العرب لاقتناص الفرص التي ما زالت متوافرة في السوق الباريسية وخصوصا في القطاع الفاخر منها وفي الأحياء الإستثنائية.

ويميل الخبراء الى التمييز بين نوعين من العقارات: الأول يضم العقارات الموجودة في الأحياء الفاخرة إن سكنيا أو تجاريا والتي حققت أعلى نسبة ارتفاع في الأعوام الأخيرة ووصلت أحيانا الى أسعار جنونية. ويرى هؤلاء، استنادا الى أخر الإحصائيات المتوافرة عن الفصل الأول والثاني من العام الجاري أن الأسعار الخاصة بهذه العقارات تباطأ ارتفاعها من جهة أو أخذ تحقيق العمليات العقارية الخاصة بها يتطلب مزيدا من الوقت. وخلاصة هؤلاء الخبراء أن السوق ما زالت تتحمل هامشا ضيقا من الإرتفاع في ما خصها. لكن هذه القاعدة لا تنطبق على الشقق الفاخرة جدا والإستثنائية كما في الدائرتين الخامسة والسابعة أو في الدائرة الثامنة من باريس. وهذا النوع من المعروض لا يخضع لقواعد أو قوانين. أما النوع الثاني فيتناول الدوائر والأحياء التي شهدت ارتفاعا عقلانيا في الفترة الأخيرة أو تلك التي كانت معتبرة شعبية جدا. ومع الإرتفاع الجنوني للأسعار في باريس، اتجه المشترون اليها من الطبقة الوسط وما فوق ما دفع أسعارها الى فوق. غير أن هذه المناطق تبقى سهلة المنال قياسا للمناطق البورجوازية في العاصمة ما يعني أنها تتمتع بهامش واسع من الإرتفاع.

تضرب العقارات السكنية أعلى الأرقام القياسية في محيط كاتدرائية نوتردام وفي جزيرتي سان لويس وإيل دو لا سيتيه أي في قلب باريس التاريخي. ويبلغ معدل سعر المتر المربع في هذا الحي 9300 يورو (11600 دولار). ويقول مدير إحد المكاتب العقارية إن الأجانب >لا يساومون على الأسعار لأن لديهم انطباعا أن تملكهم لشقق سكنية في أبنية تقليدية وباريسية الطابع يعني تملكهم جانبا من تاريخ العاصمة». وتراوح معدل الأسعار في هذه الأحياء في الفصل الثاني من العام الجاري ما بين 8500 و8000 يورو للمتر المربع. وتحظى الدائرة السابعة حيث قصر رئاسة الحكومة المعروف بـ «ماتينيون» ومبنى الخارجية وقصر الأنفاليد حيث المتحف العسكري ورفات الأمبراطور نابوليون الأول وغالبية الوزارات وبرج أيفل بتنافس منقطع النظير حيث الطلب المستمر يدفع لأسعار الى الأعلى التي تصل الى مشارف 8000 يورو للمتر المربع.

وفي المقلب الثاني من نهر السين، تتشكل رأس حربة الأسعار من المثلث المسمى «المثلث الذهبي» الذي يضم الشانزليزيه وجادتي مونتاني حيث فندق بلازا أتينيه وجورج الخامس ( حيث يقع الفندق المعروف بالإسم نفسه). وهذه المناطق تجتذب مقرات الشركات والماركات الكبرى التي تعتبر أن وجودها على جادة الشانزليزيه من نوع التميز والـ «لوكس» المبرر للترويج لصورة الشركة أو المنتج أو للسكن في موقع استثنائي. ونجد في هذا المثلث مقرات عدد من المصارف الكبرى والأسماء الأشهر في عالم الموضة والكماليات. ويتراوح سعر المتر المربع في الأبنية المصنفة أو ذات الموقع المطل مباشرة على الجادات الثلاث ما بين 10 و15 ألف يورو للمتر المربع الواحد. ويقول جان فيليب رو من مكتب «نايت فرانك» إن هذه الأسعار «لا تثبط من عزيمة المشترين الأجانب أكانوا من الإيطاليين أو الأميركيين أو الخليجيين». ويضيف جان فيليب رو قائلا: «إن الأجانب هم الذين يدفعون السوق الى أعلى في المثلث الذهبي وفي محيط كاتدرائية نوتردام حيث يمثلون 50 بالمائة من العمليات العقارية. وبحسب أحصائيات الفدرالية الوطنية للقطاع العقاري، فإن 22% من العمليات العقارية للعام الماضي في حي لو ماريه أجريت لصالح أجانب. ويقول مسؤول عن إحد المكاتب العقارية أنه باع شقة في حي سان سولبيس القريب من بولفار سان جيرمين تقع في الطابق الثالث من بناية تعود للعام 1850 بـ 11 ألف يورو للمتر المربع. كذلك، فقد باع بيتا مستقلا مساحته 180 مترا ويقع في الدائرة السادسة بمبلغ 2.5 مليون يورو. وبحسب هذا المسؤول، فإن ما يدفع السوق الباريسية باستمرار الى الأعلى خصوصا في الأحياء «التاريخية» هو ندرة العرض وغياب أية مشاريع سكنية أو تجارية جديدة مما يعني أن السوق تدور على نفسها.

مقابل ذلك، فإن المستثمرين العرب والروس يفضلون الضفة اليمنى مركزين على محور الشانزليزيه وامتداداته ونزولا من قوس النصر الى جادة فوش المتميزة حيث تسكن مجموعة من أثرياء العرب والخليجيين وعلى عدد من أحياء الدائرة السادسة عشرة (تروكاديرو، فيكتور هيغو، جادة مونسو).

ويربط المحلل المالي في بنك ناتكسيس موريس زيمور بين مستوى الأسعار وبين مجموعة من العوامل التي تهم العائلات الفرنسية وحتى الأجنبية الميسورة ومنها العوامل البيئية والتربوية والتجارية. ما بين المثلث الذهبي والمناطق عصية الشراء على الكثير من الفرنسيين من جهة والأحياء الشعبية الواقعة شمال وشمال شرق العاصمة من جهة ثانية، ثمة أحياء تجتذب الطبقة الوسطى التي تتمسك بالسكن في باريس وتتمتع بموارد تؤهلها لذلك. وغالبا ما يقع خيار هذه الفئة على مناطق وأحياء ارتفعت أسعارها بشكل ثابت في الأعوام الأخيرة لكنها بقيت في نطاق المعقول. وتمثل الدوائر 14 و15 و17 الوجهة الرئيسية لها حيث الأسعار تتأرجح ما بين 5 و6 ألاف يورو للمتر المربع. ومن بين هذه الدوائر تبرز الدائرة 15 وهي الأكبر مساحة والأكثر عددا إذ يبلغ عدد سكانها ربع مليون نسمة. وتسكن في هذه الدائرة نسبة كبيرة من اللبنانيين المقيمين في العاصمة الفرنسية. وتقع هذه الدائرة في الطرف الجنوبي الغربي لباريس وهي تواجه الدائرة السادسة عشرة التي تطمح للإحتذاء بها لجهة الأسعار. وكانت هذه الدائرة أساسا منطقة شعبية بسبب وجود مصانع سيتروين فيها. وزادت كثافتها السكانية بعد تشييد مجموعة من الأبراج السكنية المطلة على نهر السين والتي استثمر فيها الكثير من العرب. ويعتبر موريس زيمور أن الأسعار في هذه الدائرة لم تعد مؤهلة الا لإرتفاع ضعيف بعد الوثبة المستمرة التي عرفتها في السنوات الأخيرة. وبحسب عمليات البيع والشراء التي يتوسط فيها مكتبه، فإن شقة من غرفتين، في بناية مقبولة، تباع بحدود 225 الف يورو (282.5 الف دولار). ويلاحظ زيمور أن الأسعار ما زالت ترتفع، غير أن الشاري لم يعد يشعر بالضغط عليه إذ أن وتيرة البيع والشراء خفت والشقق المعروضة قد تبقى كذلك عدة أسابيع بينما كانت العام الماضي تباع في اليوم أو في الأسبوع نفسه.