السعودية: طرح المساهمات العقارية بين ماضي الرفض ومستقبل القبول

رئيس اللجنة العقارية في جدة: التنظيم جاء لحماية المستثمر الصغير

TT

ينتظر أن تعلن الحكومة السعودية قريباً نظام المساهمات العقارية الجديد ولوائحه، بعد طول انتظار من إيقاف وزارة التجارة والصناعة لتراخيص جديدة للمساهمات العقارية، وبعد قرار مجلس الوزراء السعودي القاضي بالموافقة على الضوابط الجديدة التي شملت إشراك هيئة سوق المال في تنظيم المساهمات العقارية.

وكانت الهيئة قد أصدرت لوائح مبدئية للجمهور للإطلاع وأخذ مرئيات أهل الاختصاص من العقاريين لتسيير اللوائح وفق ما يرونه مناسباً ومتوافقاً مع التركيبة الاستثمارية العقارية.

السوق العقاري في السعودية مر بمراحل مختلفة ساعدت كثيراً في ظهور المساهمات العقارية والمشاريع وبيع الأراضي الخام. وكانت يد البداية من قبل الحكومة التي كانت تطور الأراضي، حيث تخصص مساحات واسعة من الأراضي لعدد محدود من المستثمرين يعملون بدورهم في تطويرها أو بيعها لشركات أخرى متخصصة في التطوير العقاري، أو بيعها بالجملة، ومن ثم تقوم شركات البيع بالجملة بناء على ظروف العرض والطلب باتخاذ قرار؛ إما بالانتظار إلى حين ارتفاع الأسعار أو بيعها للمواطنين. ويقدر احتفاظ شركات تطوير الأراضي الكبيرة بمخططاتها بين ثلاثة وأربعة أعوام في المتوسط قبل إعادة بيعها.

وكانت الحكومة تتولى مهمة توزيع الأراضي غير المطورة، بينما تتولى شركات القطاع الخاص مهمة تطويرها.

وتمتاز غالبية الوحدات السكنية والمباني التجارية في السعودية بأنها مملوكة من قبل الأفراد والشركات الخاصة. ويتم ترتيب معظم الصفقات العقارية عن طريق المكاتب العقارية التي تتقاضى عمولة قدرها 2.5 في المائة من قيمة الصفقة العقارية من البائع. وهناك عدد محدود من عمليات البيع المباشرة أو الإيجار، تتم مباشرة بين ملاك الأراضي والمواطنين أو المستأجرين لا يتم الإعلان عنها في الصحف المحلية التي هي الوسيلة المفضلة والأكثر شعبية للإعلان عن الصفقات العقارية. ويمكن تقسيم السوق المحلية العقارية إلى ثلاثة مراكز إقليمية من حيث التقسيم الجغرافي: المنطقة الوسطى «الرياض»، والمنطقة الغربية «جدة ومكة والمدينة»، والمنطقة الشرقية «الخبر والدمام».

ويعزو العقاريون ظهور نظام المساهمات العقارية قبل 30 سنة، إلى غياب التمويل العقاري الحقيقي للأفراد والمؤسسات والشركات، الأمر الذي دفع العقاريين إلى تطبيق نظام المساهمة المالية في تطوير أراضي خام، كانت توكل المهمة لشخص موثوق يجمع المال ومن يخرج سندات إيصال إثبات لحقوق المساهم في مخطط الأرض موقع المساهمة، بعيداً عن الاتجاه الرسمي في تنظيم تلك المساهمات العقارية.

ومن ثم دخلت مرحلة الشركات العقارية المحترفة لتغيير التركيبة الاستثمارية للمساهمات العقارية، وتسعى إلى تطمين المستثمرين على مصداقية الشركات، سعى البعض منها إلى إصدار شهادات أسهم مصدقة من قبل الغرف التجارية لإعطائها مزيداً من الشفافية والوضوح.

إلا ان الكثير من الدخلاء على السوق العقاري، كما يصفهم العقاريون، كانوا السبب الرئيسي وراء ضعف هذا النوع من القنوات الاستثمارية بعدما جمعوا أموال المساهمين ولم يستطيعوا لا تطوير الأرض ولا بيعها ولا حتى إرجاع المبالغ إلى المساهمين، نتيجة عدة أخطاء وقع فيها أولئك الدخلاء.

فمنهم من ضارب بأموال المساهمين في سوق الأسهم وخسر، ومنهم من جمدت مبالغه نتيجة عدم استقرار حساباته، ومنهم من فر هارباً وتوارى عن الأنظار بعيداً عن المساهمين، محتفظاً بمبالغ المساهمة، والأخير من وافته المنية ولم يوكل احدا للقيام بأعمال المساهمة، مما ادخلها ضمن نطاق الورثة الذين اختلفوا على الميراث قبل أموال المساهمين، في حين ساعد تدخل الدولة في عدد من المساهمات العقارية خاصة التي تكون في مواقع حساسة، إلى إنهاء قضيتها واستعجال الشركة صاحبة المشروع إلى بيع المشروع لتصفية المساهمة، كمساهمة سوق بنى النجار لشركة عقار القابضة والتي بيعت خلال المزاد العلني بمبلغ تجاوز 2.5 مليار ريال (666 مليون دولار) لوزارة الشؤون الإسلامية، حيث تعطل المشروع لأكثر من مرة، إلى ان تم الضغط على الشركة لطرحه في المزاد العلني، وذلك لموقع المشروع الحساس الواقع في المنطقة المركزية بالمدينة المنورة ملاصقا للمسجد النبوي الشريف.

كل هذه الأمور كانت كفيلة بأن تخرج وزارة التجارة لوضع ضوابط لتنظيم المساهمات العقارية قبل سنوات، بعد مشاورة الغرف التجارية الصناعية في السعودية، والتي رفعت للوزارة عددا من التنظيمات كما يراها العقاريون في الغرف وأقرتها الوزارة بعد تحليلها وأخذ المناسب منها.

ومع كل هذه الضوابط والإجراءات لم تتمكن الوزارة من السيطرة على وضع المساهمات، مما نتج عن مشاكل وصدمات بين المساهمين وبين الشركات موضع المساهمة، مما دفع وزارة التجارة إلى إيقاف تراخيص المساهمات العقارية لمدة تزيد على العام ونصف العام.

ومع كثرة المشاكل والتهديدات التي عصفت بسوق المساهمات العقارية، تدخلت الحكومة السعودية لحل هذا النوع من الاستثمار المهم وزيادة الثقة للمستثمرين، وذلك بإشراك هيئة السوق المالية في التنظيم، وطرح تنظيم جديد لضبط هذا السوق الذي تضرر به الكثير من الأفراد جراء مشاركتهم في مساهمات لشركات مشبوهة.

وأعلن مجلس الوزراء السعودي في تاريخ السادس والعشرين في شهر سبتمبر (ايلول) من العام الماضي موافقته على الضوابط المتعلقة بطرح المساهمات العقارية. وكانت وزارة التجارة والصناعة قد قامت بالتنسيق مع عدد من الجهات الحكومية المختصة ذات العلاقة بتطبيق الضوابط الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء السعودي، حيث تم التنسيق مع كل من هيئة السوق المالية ووزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة العدل، تمهيداً لبدء استقبال طلبات المتقدمين بالترخيص للمساهمات العقارية وفق الضوابط الجديدة. وكانت الوزارة قد أعدت إجراءات محددة ونموذجا مبسطا لاستقبال طلبات الترخيص للمساهمات العقارية الجديدة. وذكرت الوزارة أنها ستبدأ باستقبال طلبات التراخيص المبدئية الجديدة عن طريق الإدارة العامة للتجارة الداخلية، على أن يتقدم من صدر في شأن مساهمته موافقة الوزارة قبل الإعلان عنها إلى هيئة السوق المالية بطلب فتح صندوق استثماري باسم المساهمة.

وبعد كل هذه الإجراءات يتساءل الكثير من العقاريين والمستثمرين، هل لا يزال الاستثمار في المساهمات العقارية مجديا؟! يرى أهل الاختصاص في العقار السعودي، أن المساهمات العقارية هي آلية تمويل بشكل مشترك بين المستثمرين وبين الشركات العقارية، إلا ان ضعف آليته وحفظ الحقوق فيه دفعه إلى الهاوية بعد ما كان احد أهم الوسائل في تطوير العقارات. وكون هذه الآلية كانت تدعم المشاريع ذات الطابع تطوير الأراضي، فإن الإقبال على مثل هذه المشاريع لم يعد مجديا نظراً لتشبع السوق بالأراضي المطورة، ولم يعد هناك مستثمرون مستفيدون من هذه المشاريع، حيث ان الثقافة العقارية لدى الأفراد اختلفت من الدخول في معمعة البناء والتشييد والعمران إلى شراء المنازل الجاهزة، الأمر الذي قد يعزز من المساهمات العقارية العمرانية إلى البروز في الوقت الحالي، ويخفي مساهمات تطوير الأراضي الخام. كما ان دور الحكومة في تعزيز ثقافة الاستثمار في بناء المدن غير ثقافة الشركات العقارية من خلال التحول إلى المشاركة في تطوير تلك المدن والتي طرح منها حتى الآن ثلاث مدن من اصل خمس؛ وهي مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد في حائل، ومدينة المعرفة الاقتصادية في المدينة المنورة.

في حين يشير خالد جمجوم رئيس اللجنة العقارية في غرفة جدة التجارية الى أن التنظيم شي لا بد منه، وذلك لدور الجهات الرسمية في حماية المستثمر الصغير. وأضاف جمجوم ان الضرر الذي أصاب المستثمرين في الفترة الماضية حرك الجهات المختصة لتنظيم مسألة المساهمات العقارية.

وذكر جمجوم ان الثقافة الاستثمارية لها دور في تحرك الاستثمار، مشيراً الى ان هناك الكثير من القائمين على المساهمات العقارية يتحركون بشكل شخصي، وهناك من يعمل بشكل مؤسساتي وهو ما ينطبق عليه التنظيم. والتنظيم يقلل نسبة المخاطرة في الاستثمار في المساهمات العقارية، واللجنة العقارية قد شاركت في وضع التنظيم الجديد للمساهمات وأبدت رأيها حول حفظ حقوق المستثمرين عبر قناة استثمارية مجدية كالمساهمات العقارية. ويرى رأي مخالف ان التنظيم الجديد للمساهمات العقارية جاء ليصلح من حال السوق ويخرج كل من ليس له علاقة بالسوق، فلم يعد لهم مكان بين العقاريين بناء على التنظيم الجديد. ويشير ياسر حمد الصغير مدير عام شركة الصغير العقارية الى إن التنظيم الجديد سيدفع باستثمارات المساهمات العقارية نحو الاتجاه الصحيح، خاصة انه يحمي صغار المستثمرين من خلال الرقابة العالية التي فرضت على أموال المساهمين في المساهمات العقارية، بالإضافة إلى انه يمنع المضاربات على أراضي تلك المساهمات، الأمر الذي سيجعل أسعار الأراضي في استقرار بعدما كانت ترتفع نتيجة دوران الأرض على المضاربين وارتفاع اسعارها، وهو أمر يساعد الأفراد على شراء الأراضي بأسعار معقولة.

وبما ان المساهمات هي جزء من العقار، فإن القطاع عامة بحاجة إلى تنظيم كامل لضمان التنمية الشاملة، مطالباً الجهات الحكومية الأخرى بالسعي لتنظيم تعاملها مع السوق العقاري، كونه احد أعمدة الاقتصاد الوطني، والذي ترتكز عليه الكثير من القطاعات التجارية.

وذكر علي محمد، الخبير في التسويق العقاري، ان المساهمات العقارية تحتسب على أساس تكلفة المشروع التقديرية الكلية، حيث أن المساهمات العقارية لقيت رواجا كبيرا بالنسبة إلى المشاريع السكنية التي تتيح أيضا للمستثمر فرصة تملك منزل داخل المشروع، وكانت من أفضل الوسائل التي تساعد على التعاون لطرح مشروع أراض للبيع، حيث يساهم المساهمون في التطوير من خلال مبالغهم المالية التي تدفع لشركات المقاولات للقيام بالبنية التحتية ومن ثم إدخال الخدمات من كهرباء وماء وأرصفة وتشجير، وبالتالي طرحها في المزاد العام للبيع.

وذهب علي محمد إلى إنه نتيجة لبعض الممارسات الخاطئة في تلك المشاريع، خاصة المساهمات العقارية، عمدت الدولة إلى إصدار تجميد مؤقت على كافة المشاريع من هذا النوع لفترة ثلاثة أشهر عام 2005. وقد تحول كثير من المستثمرين خلال تلك الفترة إلى توظيف أموالهم في أسواق الأسهم المحلية المنتعشة، وبات السوق العقاري يعيش حالة من الركود أو الجمود إلا في حالات لبعض كبرى الشركات التي استطاعت كسر ذلك الجمود بمبيعات عالية في مشاريعها العقارية، كونها تملك جميع مقومات النجاح خاصة بما يتعلق في الطريقة الصحيحة لتسويق مشاريعها.

وتوقع المسوق العقاري عودة الثقة للمستثمرين في شركات الاستثمار العقاري في المستقبل، ولكن بشكل آخر حيث ان الوقت حان لإيجاد آلية جديدة للمساهمات العقارية بعدما فقد الكثير من المستثمرين الثقة فيه نتيجة الممارسات الخاطئة ولم يعد وعاء المساهمات العقارية الاستثماري مجدياً نتيجة التحولات التي تشهدها المساهمات العقارية.

* الضوابط التي أقرها مجلس الوزراء السعودي لطرح المساهمات العقارية

* تضمنت الضوابط المتعلقة بطرح المساهمات العقارية التي اقرها مجلس الوزراء السعودي في تاريخ السادس والعشرين من سبتمبر (ايلول) من العام الماضي، عدم جواز طرح أي مساهمة عقارية من أي نوع أو جمع أموال لها أو الإعلان عنها أو الموافقة عليها، إلا بعد استيفاء الإجراءات والشروط الواردة في هذه الضوابط، وانه يشترط موافقة وزارة التجارة والصناعة من حيث المبدأ على المساهمة العقارية بعد التحقق من أن تكون أرض المساهمة مملوكة بصك شرعي ساري المفعول وثابت السلامة، وما بني عليه وفقاً للمقتضى الشرعي والنظامي، وذلك بموجب إفادة رسمية صادرة من الجهة التي أصدرته. وعلى صك الأرض أن يكون باسم المتقدم بطلب طرح المساهمة، وألا تقل ملكيته في المساهمة عن 20 في المائة من قيمتها، بالإضافة إلى كون الأرض موافقاً على تخطيطها إفادة رسمية من الأمانة أو البلدية المختصة، على أن تشتمل الإفادة على رقم قرار الموافقة على الاعتماد وتاريخه، موافقة وزير التجارة والصناعة على توصية اللجنة أو اللجان التي يشكلها من أصحاب الخبرة والاختصاص في شأن تقدير قيمة الأرض. كما اشتملت الضوابط على أنه مع مراعاة ما ورد في الضوابط فإنه يجب أن يكون للوحدات العقارية المطروحة للمساهمة رخصة بناء سارية المفعول صادرة من الأمانة أو البلدية المختصة ودراسة من مكتب استشاري معتمد تبين فيها كلفة البناء والخدمات المتعلقة به.